لا تتوقف في ليبيا حالة التعقيد وتراكم الانسدادات في طريق التخلص من الفوضى بكل أشكالها، عبر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، لم يتبقَ على موعدها سوى أربعة أشهر. فبعد أن تجاوز مجلس النواب كل الأطراف السياسية المعنية بإنجاز متطلبات الاستحقاق الانتخابي، وانفرد بإصدار قانون انتخابات مفصل بمقاس حلفائه، دخلت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ساحة الخلافات والانحياز لطرف على حساب الآخر.
ومنذ مطلع الأسبوع الحالي، لم يتوقف الجدل والانتقاد الحاد لبيان اللجنة العسكرية، المعلن يوم السبت الماضي، بسبب مطالبها، التي عدها المنتقدون تجاوزاً لدورها الفني المناط بها، لتثبيت وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، إلى الانخراط في السياسة، خلافاً لبروتوكول تأسيسها المنبثق عن مؤتمر برلين الأول، في يناير/كانون الثاني العام الماضي، الذي سماها مساراً عسكرياً منفصلاً عن المسارين السياسي والاقتصادي.
واعتبر المنتقدون أن مطالب اللجنة، التي احتواها بيانها الموجّه للمجلس الرئاسي والحكومة والبعثة الأممية، انحياز لمعسكر شرق ليبيا، من خلال مطالبتها بتجميد الاتفاقيات العسكرية، ومساواتها بين الوجود العسكري التركي الشرعي والروسي غير الشرعي، وتدخّلها في الشأن السياسي، بطلبها الضغط على ملتقى الحوار السياسي لإنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات. إلا أن مضامين أخرى حملها البيان يبدو أنها ستمهد لمواقف جديدة، يمكن أن تتجاوز مخاطر انهيار العملية السياسية إلى عودة شبح الحرب. ولا يخفى الميل الواضح في لغة بيان اللجنة لمصالح معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، خصوصاً أن كفة صنع القرار داخلها باتت راجحة لصالح ممثلي حفتر، بعد حالة التشظي التي تعيشها مكونات غرب ليبيا العسكرية، ليصبح الخمسة الآخرون في اللجنة من دون مرجعية محددة لهم، وهو ما نتجت عنه مطالبات بإعادة النظر في تشكيلتها ورفض قراراتها.
وإضافة للتجاوزات الإجرائية التي كشف عنها البيان، ومنها أن اللجنة مؤلفة من ضباط، ولا يجوز لهم مخاطبة المجلس الرئاسي بصيغة التوجيهات والطلب، كونه القائد الأعلى للجيش، فقد أظهر نيّة للانقلاب على نصوص اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقّعته اللجنة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومنها طلبها من الحكومة تجميد الاتفاقيات العسكرية "إلى حين انتخاب رئيس للدولة من الشعب مباشرة"، على الرغم من درايتها بأن نص الاتفاق أكد تجميد الاتفاقيات العسكرية "إلى حين استلام الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها"، ما يعني أن إدارة حكومة الوحدة الوطنية لهذه الاتفاقيات شرعي وقانوني.
أكثر من ذلك هو تحديدها لطريقة انتخاب "رئيس الدولة بشكل مباشر من الشعب"، في تماهٍ مسبق مع قانون الانتخابات الذي أقره مجلس النواب بعد البيان بأربعة أيام، وطلبها، في الوقت نفسه، من البعثة الأممية الضغط على أعضاء ملتقى الحوار لإنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات، المفترض أنها من يحدد طريق انتخاب رئيس الدولة ونظام الحكم. ويبدو أن الرسالة النهائية التي حملها البيان هي "شهادة وفاة اتفاق وقف إطلاق النار"، من خلالها تحذيرها من "انهيار" الاتفاق إذا لم تُجرَ الانتخابات، والمعنى إما انتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر أو انتهاء العمل بهذا الاتفاق.