بعد أسبوع من الشائعات والتكنهات حول تدهور صحته، شارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم الأربعاء عبر اتصال هاتفي في مؤتمر "وثائق الملكيات والوضع التاريخي في القدس"، وألقى كلمة على مدار خمس دقائق حول أهمية القدس، لكن صوت الرئيس الذي حمل الطمأنينة أمام موجة الإشاعات حول وضعه الصحي الحرج لم يكن كافياً.
كلمة الرئيس أبو مازن بصوته عبر الهاتف ولاحقاً صورته التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية "وفا" وأمامه شاشة التلفزيون التي تبث المؤتمر وإلى جانبه مستشاره للشؤون الدينية والشخصية المقرب منه محمود الهباش وضعت حداً أمام كل الإشاعات، وتحديداً تلك التي انطلقت منذ بعد منتصف ليلة أمس، حول وضعه الصحي الحرج، لكنها فتحت الكثير من الأسئلة في ذات الوقت.
واعتاد الرئيس أبو مازن في السنوات السابقة أن يرد على هذه الإشاعات إما ببث جزء من اجتماعاته على الهواء مباشرة أو بالنزول بشكل مفاجئ إلى وسط رام الله، في تأكيد على تمتعه بالصحة ونفي هذه الأنباء حوله.
لكن الرئيس ورغم كثافة الإشاعات حول صحته، لم يشارك في مؤتمر "القدس" الذي عقد في مقر الهلال الأحمر في رام الله، الذي لا يبعد عن مقر الرئاسة سوى عشرات الأمتار. على الرغم من حديث بعض المقربين من الرئاسة مع الصحافيين بأن عباس سيكون في المؤتمر ويلقي كلمة مباشرة فيه، فضلاً عن أنه لم يلق كلمته عبر تقنية "الفيديو كونفرنس" صوتاً وصورة بل اكتفى بالصوت فقط، وصورة جامدة له وهو جالس يتحدّث لا يمكن أن تُخبر بأي شيء حول وضعه الصحي ومكان تواجده.
ومنذ نشر قناة بي بي سي البريطانية على حسابها الرسمي على "تويتر" خبر تكليف الرئيس أبو مازن بعض مهامه بسبب ظروفه الصحية السبت الماضي، وحذفها الخبر بعد أقل من ساعة، إذ قام أمين سر اللجنة التنفيذية المكلف حسين الشيخ بنفي الخبر بتغريده له، والإشاعات تزيد وتتسارع وتأخذ اهتمام الشارع الفلسطيني.
واللافت أن من قام بالنفي هو أمين سر اللجنة التنفيذية المكلّف حسين الشيخ، وليس المتحدث باسم الرئاسة وعضو مركزية "فتح" نبيل أبو ردينة، ما يؤكد أن الحلقة المحيطة بالرئيس أبو مازن ضيقة جداً وتزداد ضيقاً، وما يعني أن أي خبر عن وضعه الصحي لن يخرج إلا عبر هذه الدائرة، وتحديداً الشيخ الذي بات من الواضح أنه المخول بالحديث وحده.
وتضم هذه الدائرة إلى جانب الشيخ ورئيس المخابرات ماجد فرج رئيسة ديوان الرئاسة انتصار أبو عمارة، وأحياناً تتسع لتضم المستشار زياد أبو عمرو ومحمود الهباش في أحسن أحوالها، من دون وجود أي قنوات رسمية مؤسساتية لنقل الأخبار التي تتعلق بصحة الرئيس، ما يزيد من حالة انعدام الثقة، لا سيما أمام ضخ الإعلام الإسرائيلي أخباراً عن صحة الرئيس بشكل شبه دائم خلال الأيام الماضية.
تساؤلات عديدة
ويعلق الكاتب هاني المصري على مشاركة الرئيس أبو مازن بمكالمة هاتفية في المؤتمر قائلاً: "الأمر الجيد أن الاتصال الهاتفي أخبرنا أن الرئيس على قيد الحياة وليس بوضع صحي حرج كما أشيع".
وتابع: "إذا كان وضع الرئيس طبيعياً أو مرّ بعارض صحي طارئ وانتهى، لماذا لم يشارك في المؤتمر شخصياً، أو لماذا لم تكن مشاركته عبر الفيديو كونفرس صوتاً وصورة لأن المحيطين بالرئيس كانوا يملكون كل الوقت لترتيب هذا الأمر".
وقال المصري لـ"العربي الجديد" "الأمر الآخر أن كلمة الرئيس حسب البرنامج كان يجب أن تكون أول المؤتمر، لكنها تأخرت نحو ساعة".
أما الأمر الأهم حسب المصري فهو المكان المجهول الذي تحدث منه الرئيس وسمع صوته فيه، قائلاً: "المكان الذي ظهر منه الرئيس مجهول ويثير تساؤلات عديدة، هذه ليست غرفة مكتب الرئيس التي نعرفها في المقاطعة والمكتب الذي ظهر في الصورة ليس مكتبه، والغرفة التي تم التصوير فيها ليست إحدى قاعات المقاطعة التي نعرفها وتكون فيها خلفية واضحة من صورة القدس وعلم فلسطين والتي اعتاد أن يلقي كلمته فيها". وقال: "حتى تكون التطمينات كاملة حول صحة الرئيس يجب أن يظهر شخصياً صوتاً وصورة".
بدوره، قال الكاتب جهاد حرب لـ"العربي الجديد" إن صوت أبو مازن اليوم مطمئن من جهة وجوده على قيد الحياة، لكن المطلوب إفصاح أكتر حول الوضع الصحي للرئيس وحول الأيام الماضية إن كان مريضاً وقادراً على العمل أو لم يكن كذلك".
وأضاف: "المطلوب عمل مؤسسي واضح لكيفية التعاطي مع أخبار صحة الرئيس التي تهم الشارع الفلسطيني، والتي تتعلق بصحة النظام السياسي وليس فقط بالجانب الشخصي للرئيس، لأن الاطمئنان على صحة الرئيس أبو مازن وقدرته على العمل يعني استمرار النظام السياسي دون عقبات أو توتر بمجمل النظام السياسي الفلسطيني". وختم قائلاً: "الأهم في هذه الفترة عدم إخفاء المعلومات حول صحته، والإفصاح عن صحته بشكل دائم، بغض النظر من المكان الذي تحدث منه اليوم".