استمع إلى الملخص
- خميس الخنجر يقود حراكاً سياسياً للضغط على تنفيذ الاتفاقات، محذراً من غياب الثقة بسبب رفض ثلاث شخصيات من "الإطار التنسيقي" تنفيذ البنود.
- تواجه الحكومة قيوداً في تنفيذ الإصلاحات بسبب سيطرة قادة الكتل الشيعية، مما يعزز عدم الثقة بين الأطراف السياسية.
بالتزامن مع مرور عامين على تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والجدل السياسي المتواصل منذ أيام، حول ما جرى تنفيذه من "ورقة الاتفاق السياسي"، الذي على أساسه تشكّلت حكومة السوداني نهاية أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022، صعّد خميس الخنجر، رئيس حزب "السيادة"، أكبر الأحزاب العربية السنية في العراق، من حراكه السياسي في بغداد ومحافظات غرب وشمالي البلاد، للضغط على القوى السياسية الفاعلة لتنفيذ تعهداتها التي جرى التوقيع عليها.
وتنص ورقة الاتفاق السياسي التي وقعت عليها القوى السياسية العراقية ووافقت على تضمينها في برنامج عمل ثامن الحكومات العراقية منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، على عدة مطالب للقوى العربية السنية، والقوى الكردية، ووافقت عليها قوى "الإطار التنسيقي"، الحاكمة بالبلاد، لقاء تصويت السنة والأكراد على منح الثقة لحكومة السوداني.
وأبرز ما تضمنته هذه الورقة كان تعديل قانون العفو العام، ليشمل إعادة النظر بمحاكمات انتُزعت بناء على اعترافات تحت التعذيب، أو أدين أصحابها بوشاية المخبر السري، وإعادة جميع النازحين لمدنهم الأصلية، وإنهاء احتلال المدن من قبل الفصائل المسلحة، وأبرزها جرف الصخر والعوجة والعويسات، وإخراج الحشود المسلحة (الحشد الشعبي) من مراكز المدن والأحياء السكنية في مدن شمال وغربي العراق. كذلك، تضمنت الورقة تعويض أصحاب المنازل المدمرة من العمليات العسكرية والإرهابية، والكشف عن مصير المُغيبين، وحل هيئة المساءلة، وتحقيق الموازنة داخل مؤسسات الدولة، بما فيها المناصب العسكرية والأمنية وفقاً للنسب السكانية في العراق.
غير أنه ورغم مرور عامين على ذلك لم يتحقق أي من تلك البنود، المتعلقة بمطالب القوى العربية السنية، وسط اتهامات للتحالف الحاكم (الإطار التنسيقي) بالانقلاب على تعهداته، وتحذيرات من انهيار الثقة مستقبلاً بما يساهم في غياب التوافق السياسي بأي أزمة سياسية تشهدها البلاد.
وينتظر نحو مليون مهجر من مدن جرف الصخر والعويسات والعوجة ويثرب وعزيز بلد والسعدية وذراع دجلة والثرثار، إلى جانب عشرات القرى شمال وغرب البلاد، العودة إلى منازلهم ومدنهم المبعدين عنها منذ ما يزيد عن 10 سنوات، حيث تحتل مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران تلك المناطق وتمنعهم من العودة. يضاف إلى ذلك، استمرار الدمار الواسع بمنازل المواطنين في مناطق شمال وغرب العراق، إثر العمليات العسكرية واحتلال تنظيم "داعش" لها، وانتظار وعود الحكومة بتعويضات لهم ضمن قانون ضحايا الإرهاب. إلى جانب ذلك أيضاً ملفات حقوقية وقانونية أخرى، أبرزها ضحايا الاعترافات تحت التعذيب والمخبر السري، وملف المغيبين قسرياً، والتوازن بين المكونات داخل المؤسسات الحكومية، وحل هيئة المساءلة التي تتولى ملاحقة وإبعاد من تعتبرهم أعضاء بحزب البعث أو متعاونين مع النظام السابق، في إجراءات أخذت طابعاً سياسياً وحزبياً وطائفياً.
ورقة الاتفاق السياسي.. الحكومة تلقي بالمسؤولية على الإطار التنسيقي
واليوم الجمعة، كشفت ثلاثة مصادر سياسية عراقية في العاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن أن الحكومة ألقت بمسؤولية عدم تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه على قوى الإطار التنسيقي التي قالت إنها تقف وراء منع تنفيذ بنود ورقة الاتفاق السياسي، بما فيها مطالب قانونية وإنسانية تتعلق بإعادة أهالي المدن التي تستولي عليها الفصائل المسلحة.
وقال عضو في البرلمان العراقي في بغداد إن الاجتماع الأخير لائتلاف إدارة الدولة، الذي يضم القوى السياسية الرئيسة في البلاد، وعُقد أمس الأول الأربعاء، شهد مصارحة ونقاشاً مطولاً حول ورقة الاتفاق السياسي دام عدة ساعات.
ونقل النائب الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه، حديثاً لرئيس البرلمان محمود المشهداني الذي يشارك لأول مرة بالاجتماع بعد انتخابه الأسبوع الماضي، أن رئيس تحالف السيادة، خميس الخنجر، حذر من عدم إمكانية الاستمرار بالعمل، وفق مبدأ الشراكة، في ظل المماطلة المتواصلة بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه، حيث طرح بالاجتماع أزمة التنصل مما اتّفق عليه، وإمكانية أن يؤسس هذا النوع من إدارة البلاد، إلى غياب الثقة وانعدام العدالة.
فيما أشار سياسي آخر إلى حراك جديد للخنجر يهدف للضغط من أجل تمرير كل ما جرى الاتفاق عليه قبل تشكيل الحكومة، متحدثاً عن أن ثلاث شخصيات داخل تحالف "الإطار التنسيقي" انقلبت على ورقة الاتفاق، وترفض تنفيذ العديد من بنودها، وهي: نوري المالكي، وقيس الخزعلي، وهادي العامري.
ومنح البرلمان العراقي الثقة لحكومة السوداني في 27 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022، بعد سلسلة مفاوضات غير سهلة وأزمة امتدت لأكثر من عام كامل، أفضت إلى تشكيل ما عرف بـ"ائتلاف إدارة الدولة"، من القوى السياسية السنية والشيعية والكردية، لتشكيل الحكومة وفقاً لتفاهمات مسبقة.
وقاد الخنجر، خلال الأيام الأخيرة، سلسلة اجتماعات مع قيادات وزعامات سياسية وقبلية ودينية سنية في بغداد ومناطق شمال وغرب البلاد، وبحث خلالها توحيد الجهود المتعلقة بانتزاع حقوق سكان المدن المحررة من تنظيم "داعش"، والتي تعاني من أوضاع إنسانية واجتماعية واقتصادية سيئة.
نَصب سياسي
الناشط السياسي والمرشح السابق لانتخابات البرلمان محمد محسن الجبوري، قال لـ"العربي الجديد"، إن البلاد "قد تكون أمام حالة جديدة ومتكررة من النَصب السياسي، المتمثل بنكث وعود وتفاهمات جرى الاتفاق عليها". واعتبر الجبوري أن غياب الضامن للاتفاقات وعدم التزام كتل الإطار التنسيقي بما تعهدوا به ووقعوا عليه يرسخ لحالة دولة الطوائف، وانعدام الثقة بين مختلف أطراف العملية السياسية، محذراً من أن هذا "قد يدفع إلى حالة اللا اتفاق بالمستقبل، كوننا أمام 5 اتفاقات نكثت بها الأطراف الشيعية لشركائها السنة والأكراد منذ انتخابات عام 2018، ومع العلم أن الوعود هي ذاتها".
وتحدث الجبوري عن تصعيد يقوده رئيس حزب السيادة خميس الخنجر من أجل ما وصفه "تحصيل مطالب العرب السنة، التي تماطل بها القوى السياسية والأحزاب الحاكمة" متمثلة بالإطار التنسيقي.
حكومة "مقيدة"
الباحث بالشأن السياسي العراقي، أحمد النعيمي، قال إن الحكومة العراقية الحالية "مُقيدة مثل كل الحكومات في تنفيذ أي إصلاح أو تغيير، حيث يجب أن يوافق عليها مسبقاً ما يمكن اعتباره مجلس وصاية مؤلف من قادة الكتل السياسية الشيعية". وأضاف النعيمي أن "إعادة أهالي المدن التي تحتلها المليشيات ليس بيد الحكومة، وإعادة النازحين والمهجرين ليس بيد الحكومة، وإنهاء حالة التجييش المسلح داخل المدن الأخرى للحشد الشعبي أيضاً ليس بيد حكومة السوداني، التي تتعرض لقيود ضخمة وعديدة من قبل الائتلاف الحاكم نفسه".
واعتبر في حديث مع "العربي الجديد" حالة المماطلة والتنصل من تنفيذ ورقة الاتفاق السياسي "ليست مسؤولية أو خطأ الحكومة، إنما نحن أمام انقلاب آخر للائتلاف الحاكم على تعهداته".
النعيمي: حالة المماطلة والتنصل من تنفيذ ورقة الاتفاق السياسي ليست مسؤولية أو خطأ الحكومة، إنما نحن أمام انقلاب آخر للائتلاف الحاكم على تعهداته
وفي أول تعليق له بعد اختياره رئيساً للبرلمان، أعرب محمود المشهداني عن تفاؤله بتمرير قانون العفو العام، وعدد من القوانين المعطلة الأخرى، متحدثاً عن أنه سيوقف ظاهرة تمرير القوانين بـ"سلة واحدة"، في إشارة إلى المقايضة بين الكتل على تمرير قانون مقابل قانون. وأضاف أن "أسلوب المقايضة ليس صحيحاً، وكل قانون قائم بحد ذاته، ولا يصح العمل بقاعدة (مشيلي الخطأ وأمشيلك الخطأ)".
ووصف المشهداني العملية السياسية في العراق بأنها "لم تصل إلى سن البلوغ إلى هذه اللحظة، ما زلنا نمر بمراحل الاستحالة، ولم تُترك لنا الفرصة لكي تنضج العملية، ولأن طريقة إسقاط النظام السابق كانت خاطئة، واجهتنا بعده مشاكل كثيرة ومتوالية ولم نأخذ وقتاً كافياً من الاستقرار".