تحلّ اليوم السبت، الذكرى الأولى لتمكّن الجيش المغربي، في عملية سلمية، من تأمين معبر الكركرات الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في ظل تغييرات وأحداث أشعلت رمال الصحراء، وفي عز أزمة تجتاح العلاقات بين الرباط والجزائر وتهدد بتفجر الصدام العسكري في المنطقة في أي لحظة.
وبعد عام على نجاح القوات المسلحة الملكية المغربية في تأمين معبر الكركرات، يبدو أنّ المشهد السياسي في منطقة الصحراء قد انقلب رأساً على عقب، جراء ما أنتجه التحرك المغربي من تحولات استراتيجية في مسار النزاع المتواصل منذ 1975، وكذا في مآل المواجهة مع جبهة "البوليساريو" الانفصالية، في ما يخص ما تسميه بالمناطق المحررة (المناطق العازلة).
وشكل تأمين معبر الكركرات، الذي يعد شرياناً حيوياً لحركة الأشخاص والبضائع بين شمال القارة وجنوبها، نقطة تحول نحو مرحلة جديدة، فيما يتعلق بمحددات وقواعد إدارة النزاع دبلوماسياً وميدانياً، سواء على مستوى مسار التسوية الأممية، أو على مستوى الاشتباك الدبلوماسي، أو فيما يتعلق بتعقيدات الجغرافيا ومستقبل اتفاقية وقف إطلاق النار.
وتعتبر الكركرات منطقة منزوعة السلاح، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار 1991 الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي يعتبر الجدار الذي شيّده المغرب في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خطاً لوقف النار، حيث تنتشر القوات الأممية "المينورسو" لمراقبة تنفيذه.
غير أنّ إقدام جبهة "البوليساريو" الانفصالية، في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على تجميع عناصرها في المنطقة الحدودية العازلة، لمدة 3 أسابيع، وإغلاق الطريق التجاري الرابط بين المعبرين أمام المئات من الشاحنات، تسبب في اندلاع أزمة معبر الكركرات أعادت أجواء الاحتقان إلى المنطقة.
وأمام فشل مختلف الاتصالات والجهود، ولاسيما من قبل بعثة الأمم المتحدة بالصحراء لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل قطع الطريق الاستراتيجي، باشرت القوات المسلحة الملكية المغربية يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عملية عسكرية أسفرت عن إعادة فتح الطريق وبناء جدار أمني.
وفي وقت اعتبرت الرباط تأمين المعبر "تحولاً استراتيجياً"، حيث بات المغرب يفرض سيطرته على المنطقة وعلى أبواب المعبر الموريتاني، أعلنت جبهة "البوليساريو" انسحابها من اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1991، والعودة للعمل المسلح.
وبينما يبدو على نحو لافت أنّ السياق الدولي والإقليمي ساعدا الرباط، خلال السنة الماضية، على مراكمة مكاسب لم تحققها طيلة 30 سنة من الجهد المضني، يرى المسؤول الأمني السابق في جبهة "البوليساريو"، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، أنّ تأمين المعبر "كانت له انعكاسات إيجابية على المغرب ميدانياً، حيث حرره من الضغط وجعله في أريحية ومتحكماً في إدارة النزاع وقربه من نقطة الحسم".
كما كان للعملية مكاسب سياسية "حيث أظهرت نتائج مناقشة مجلس الأمن الدولي لنزاع الصحراء، أخيراً، كيف أنّ الميزان مال بشدة لصالح الرباط، وكيف أنّ المجتمع الدولي يدعم الخطوات التي قامت بها بعدم إثارتها أو التنديد بها في القرار الذي صدر عنه في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما يعني ترجيح المجتمع الدولي لكفة الرؤية المغربية لحل النزاع على رؤية خصومه".
وبالمحصلة، يذهب المسؤول الأمني السابق في جبهة "اليوليساريو"، في تصريحات لـ"العربي الجديد "، إلى أنّ الخطوة المغربية منحته التفوق ميدانياً وسياسياً، بالإضافة إلى المنافع الاقتصادية التي حققها، لافتاً إلى أن ردة فعل خصوم المغرب المتشنجة على الخطوة المغربية تلخص الصورة وتوضح الرابح من الخاسر.
ويشرح ولد سيدي مولود أنّ المغرب تمكّن، بفضل تأمين معبر الكركرات، من ربط الاتصال، لأول مرة منذ العهد الاستعماري، بعمقه الأفريقي واقعياً وفعلياً، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه المنطقة العازلة التي تفصل بين المعبر المغربي والموريتاني تجعل المغرب معزولاً في ركن من شمال أفريقيا، وتعيق تبادلاته مع القارة وتحرمه من الاستفادة من موقعه الاستراتيجي كنقطة ربط بين ثلاث قارات، مكّن تأمين المعبر المغرب من جلب المزيد من الاستثمارات، ومضاعفة مداخيل الخزينة، من ربط شبكات الكهرباء بين القارات وكابل الإنترنت والنقل البري، و"الأهم أنه لم يعد هناك حائل قانوني يمنع من الشروع في تنفيذ مشروع أنبوب الغاز جنوب شمال، الذي سيربط أفريقيا الغربية مع الشبكة الأوروبية".
وبحسب ولد سيدي مولود، فإنّ المغرب بتأمينه لمعبر الكركرات، قطع مع كافة أشكال الاستفزازات والعراقيل التي كان يستهدفه بها خصومه من خاصرة الكركرات الحيوية، موضحاً أنّ الخطوة المغربية أبعدت خطر الحرب عن حدوده الجنوبية، بحكم أنّ المسافة بين منطقة تشلة، التي ينعطف عندها الحزام الأمني شمالاً، والكركرات، تعد بمئات الكيلومترات، كما لم يعد بالإمكان مجابهة المغرب في المناطق غرب تشلة حيث يوجد المعبر الحيوي.
ويرى ولد سيدي مولود أنه بالمقابل، اقترب الخطر من الحدود الجزائرية مع الإقليم لأول مرة منذ اندلاع نزاع الصحراء، مشيراً إلى أنه "إذا كانت ستحصل مواجهات مستقبلاً فستتركز في الشمال قرب الحدود مع الجزائر"، ويضيف "أكثر من ذلك، أصبح المغرب قادراً على سد الطريق بين الجزائر والمناطق الصحراوية شرق الحزام، ما سيضطر البوليساريو للتقهقر نحو الأراضي الجزائرية، وتصبح مشكلة جزائرية".