قبل أيامٍ قليلة من اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، الذي صادف أمس السبت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، كانت السلطات المصرية تنفذ حكم الإعدام بحق 15 مدنياً على ذمّة ثلاث قضايا، وذلك فجر الرابع من أكتوبر، بينما لا يزال 68 مدنياً رهن الإعدام في البلاد، في قضايا ذات طابع سياسي، ينتظر أسرهم مصيرهم من منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل التأكيد أو النفي من قبل المحامين أو السلطات المصرية. ووفق رصد مؤسسة "كوميتي فور جستس" الحقوقية المصرية، فقد أصدرت المحاكم المصرية، خلال السنوات الأخيرة، ما يقارب الـ2595 حكماً بالإعدام، خلال الفترة من عام 2011 وحتى 2018، من ضمنها أحكام إعدام جماعية صدرت عن محاكم غير طبيعية واستثنائية، اختير أعضاؤها للحكم على متهمين معينين وقضايا معينة، بشكل مخالف لحيادية واستقلالية القضاء المقررة بالدستور والقانون.
أصدرت دوائر الإرهاب أكبر عدد من أحكام الإعدام منذ إنشائها نهاية 2013، مقارنة بالمحاكم الأخرى في الفترة نفسها
ولعل المنشور الأخير لمنصة "نحن نسجل" الحقوقية المصرية، الذي ذكرت فيه أسماء المنفذ بحقهم حكم الإعدام في 4 أكتوبر الحالي، واعتذارها عن نشر أسماء ثلاثة متهمين آخرين، بالخطأ، قد يبدو منشوراً عادياً لمن يطالع مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أحداً لا يتخيل حجم الرعب الذي تعيشه آلاف الأسر المصرية التي لديها سجين محكوم عليه بالإعدام وهي تطالع مثل تلك الأخبار، غير المؤكدة لفترة على الأقل، حتى يتسنى للمحامين التأكد منها.
وجاء في منشور المنصة: "ننشر أسماء الـ13 معتقلاً سياسياً الذين تمّ تنفيذ حكم الإعدام فيهم... ونرجو آسفين من ذويهم محاولة التواصل مع مشرحة زينهم... ومن ثم التوجّه للمشرحة... كما تأكدنا من نفي إعدام 3 من المعتقلين السابق ذكر أسمائهم وهم: محمد حسن، تاج الدين محمد، وبلال صبحي".
ويُلاحظ أنه بعد الثالث من يوليو/تموز 2014، توسّع القضاء المصري في إصدار أحكام إعدام، وصفت من قبل جهات أممية بأنها أحكام إعدام جماعية، وتفتقد لضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة الأساسية، لا سيما مع المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام. ومن ضمن الانتهاكات الإنسانية: الاختفاء القسري، التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية، وانتهاك الحق في الدفاع، وإغفال مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
هذا التوسع في إصدار أحكام الإعدام المصرية، فسّرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة مجتمع مدني) بأنه راجع إلى بدء العمل بدوائر الإرهاب، والتي تم تشكيلها في ديسمبر/كانون الأول 2013، أو في بدايات 2014، وفقاً لقرار محكمة الاستئناف القاضي بتشكيل دوائر بعينها مكونة من قضاة بعينهم. وقد أصدرت هذه الدوائر أكبر عدد من أحكام الإعدام منذ إنشائها، مقارنة بالمحاكم الأخرى في الفترة نفسها. وأضافت المبادرة، في تقرير حقوقي سابق لها، أن التوسع في إصدار الأحكام، عائد إلى تاريخين مهمين: الأول ما قبل إبريل/نيسان 2017، حين كان يصدر حكم الإعدام أولاً من محكمة الجنايات بعد استطلاع رأي مفتي الديار المصرية، وهو رأي استشاري، عقب صدور حكم الإعدام من محكمة الجنايات، ثم تحال القضية لمحكمة النقض خلال 60 يوماً، تنظر محكمة النقض القضية من الناحية الإجرائية، وأن حكم الإعدام الصادر قد شمل كل الإجراءات. في حال عدم توافر ذلك، تقوم بنقض الحكم، وإعادته إلى دائرة جنايات مغايرة للدائرة التي أصدرت الحكم أول مرة، وإذا أصدرت الدائرة الجديدة أيضاً حكماً بالإعدام، تحال القضية لمحكمة النقض، وتتصدى محكمة النقض للقضية هنا كمحكمة موضوع ويكون حكمها نهائياً، وعقب تصديق رئيس الجمهورية على الحكم يكون الحكم واجب النفاذ.
أما بعد إبريل/نيسان 2017، فقد أصدر رئيس الجمهورية قراراً رقم 11 لسنة 2017، الخاص بتغيير إجراءات الطعن، والذي بموجبه تنظر القضايا التي صدرت فيها حكم بالإعدام مرة واحدة أمام محكمة الجنايات عقب استطلاع رأي المفتي الاستشاري، ومن ثم تتصدى محكمة النقض للطعن على حكم الدرجة الأولى كمحكمة موضوع، ويكون الحكم الصادر منها واجب النفاذ بعد تصديق رئيس الجمهورية على الحكم.
هذا التوسع في تنفيذ أحكام الإعدام منذ صعود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سدّة الحكم في 2014، كان كفيلاً بجعل مصر تحتل المركز الخامس في ترتيب الدول التي لجأت إلى عقوبة الإعدام في ذلك العام، وذلك بعد كل من إيران والسعودية والعراق، وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية عن عام 2019. وعلى الرغم من أن العام الحالي، شهد تراجعاً طفيفاً في تنفيذ أحكام الإعدام بالتزامن مع أشهر ذروة فيروس كورونا في مصر، إلا أن الآلة القمعية استكملت إصدار أحكام بالإعدام، بمجرد ميل منحنى الإصابات نحو معدل الانخفاض.
ووفق رصد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لأحكام الإعدام الصادرة والمنفذة شهرياً، فقد بدأ العام الحالي بتنفيذ حكم الإعدام بحق 22 متهماً في 12 قضية جنائية، بعضها قضايا ذات طابع سياسي. ومن ضمن هذه القضايا، قضية واحدة نُظِرت أمام محكمة عسكرية، فضلاً عن إصدار محكمة الجنايات المصرية أحكاماً بإعدام 43 متهماً في 22 قضية، كلها تم إصدار أحكام أولية فيها خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين فقط، كما أُحيلت أوراق 124 متهماً في 48 قضية إلى المفتي لإبداء الرأي.
الآلة القمعية استكملت إصدار أحكام بالإعدام هذا العام، بمجرد ميل منحنى إصابات كورونا نحو الانخفاض
ثم في فبراير/شباط الماضي، صدر حكم الإعدام على 21 متهماً في 12 قضية مختلفة، بالإضافة إلى 88 متهماً آخر في 32 قضية مختلفة تمّت إحالة أوراقهم للمفتي، وتنفيذ حكم الإعدام على 11 متهماً في قضيتين مدنيتين وقضية واحدة عسكرية.
وفي مارس/آذار الماضي، صدر حكم الإعدام بحق 49 متهماً، بالإضافة إلى 21 متهماً آخرين في 14 قضية مختلفة تمّت إحالة أوراقهم للمفتي. كما رصدت تنفيذ حكم الإعدام بحق 6 متهمين في قضيتين مدنيتين وقضية عسكرية. بينما لم يشهد شهر إبريل/نيسان الماضي صدور أحكام بالإعدام، وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن هذا على الأرجح بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا من تخفيض لطاقة العمل في المحاكم وفي وزارة الداخلية المصرية.
وفي شهر مايو/أيار، صدرت أحكام الإعدام على 14 متهماً في خمس قضايا مختلفة، بالإضافة إلى إحالة أوراق متهم واحد للمفتي. وفي يونيو/حزيران الماضي، صدر أحكام الإعدام بحق 32 متهماً في 20 قضية مختلفة، فضلاً عن إحالة أوراق 5 متهمين إلى المفتي.
وفي يوليو/تموز الماضي، صدر حكم الإعدام على 13 متهماً بالإضافة إلى إحالة أوراق 15 متهماً في 9 قضايا للمفتي. كما أنه في 29 يوليو/تموز الماضي، نفذت مصلحة السجون المصرية، إعدام سبعة متهمين في القضية المعروفة إعلامياً بـ"قضية معاون الإسماعيلية".
وفي أغسطس/آب الماضي، صدر حكم الإعدام على 22 متهماً، بالإضافة إلى 23 آخرين في 10 قضايا مختلفة أحيلت أوراقهم للمفتي، بينما لم يتم تنفيذ العقوبة على أي من المتهمين. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، صدر حكم الإعدام على 29 متهماً في 17 قضية، بالإضافة إلى 10 متهمين في 3 قضايا تمت إحالة أوراقهم للمفتي. وأخيراً، استقبلت السلطات المصرية، شهر أكتوبر/تشرين الأول، وقبل أيام قليلة من اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، بتنفيذ حكم الإعدام بحق 15 متهماً.