استمع إلى الملخص
- **أولويات السياسة الخارجية لعراقجي**: سيركز على إدارة التوتر مع الغرب، العلاقات مع أوروبا وواشنطن، مصير الاتفاق النووي، وتعميق العلاقات مع دول المنطقة مثل السعودية ومصر والأردن والبحرين.
- **مسيرة عراقجي السياسية والدبلوماسية**: انضم للحرس الثوري عام 1980، وشارك في المفاوضات النووية عام 2015. يواصل نهج "دبلوماسية المقاومة" وتعزيز العلاقات مع الدول الداعمة لإيران.
في عزّ التوترات في المنطقة بين إيران مع الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، منح البرلمان الإيراني المحافظ، اليوم الأربعاء، في خطوة ملفتة للنظر، الثقة لكبير المفاوضين السابقين عباس عراقجي لتولي منصب وزير الخارجية الـ13 للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك بعد حصوله على موافقة 247 نائباً في جلسة التصويت التي شارك فيها 288 نائباً من أصل 290 في البرلمان.
وکان عراقجي قد حظي بترشيح المجلس الاستشاري لاختيار أعضاء الحكومة الجديدة، والذي ترأسه محمد جواد ظريف المغضوب عليه من المحافظين، لكن ترشيحه أيضاً نال موافقة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، إذ جرت العادة في إيران أن يجرى تنسيق مسبق مع المرشد بشأن المرشحين لتولي حقب وزارية حساسة، منها الخارجية، قبل عرضهم على البرلمان للحصول على ثقته. كما كشف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، اليوم خلال جلسة البرلمان، أن خامنئي قد وافق على تولي عراقجي حقبة الخارجية.
رسائل ودلالات
ويقول الخبير الإيراني في العلاقات الإيرانية الأميركية هادي خسرو شاهين لـ"العربي الجديد" إنّ اختيار عراقجي وزيراً للخارجية يحمل دلالات ورسائل لكونه يعد دبلوماسياً براغماتياً، مشيراً إلى أنه سيمنح انطلاقاً من هذه البراغماتية الأولوية لمعالجة المعضلات والتحديات الطارئة في السياسة الخارجية الإيرانية، في مقدمتها إدارة التوتر مع الغرب والعلاقات مع أوروبا وواشنطن ومصير الاتفاق النووي "الذي بات ميتاً"، مضيفاً أنّ انتهاء صلاحية القرار 2231 الأممي المكمل للاتفاق النووي في أكتوبر/ تشرين الأول 2025 يشكّل "تحدياً طارئاً" لكون هذا الانتهاء يفعّل قرارات أممية سابقة ضد إيران، منها قرارات لمجلس الأمن الدولي، أقرت سابقاً تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، لكنها علقت بفعل القرار السابق عام 2015 بعد التوصل إلى الاتفاق النووي.
ويوضح خسرو شاهين أنّ من الأولويات الأخرى لوزارة خارجية عراقجي متابعة الحوار في المنطقة وتعميق العلاقات مع السعودية ومصر والأردن والبحرين. ويشير الخبير الإيراني في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنّ ظريف كان ينطلق لحل لغز العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب من فكرة نظرية، ساعياً لاختبارها على أرض الواقع لتطبيع هذه العلاقات، "لكن مشروع عراقجي لحل هذا اللغز يبدأ من ساحة العمل وليس ساحة النظرية، فنقطة البداية لوزير الخارجية الإيراني الجديد هي الاعتراف بالواقع الموجود في العلاقات مع أميركا"، مضيفاً أن حديث عراقجي عن إدارة الصراع مع أميركا "يأتي انطلاقاً من براغماتيته بهذا الخصوص".
عراقجي: بعد عام 1989 التحقت بالخارجية وانفصلت من الحرس رسمياً، لكنني لم أنفصل منه قلباً، وما زلت أحتفظ بأزياء الحرس المقدسة بشكل جيد
ويؤكد خسرو شاهين أنّ عراقجي سيسعى عبر إدارة الصراع مع الولايات المتحدة إلى ضبط إيقاعه للحؤول دون خروجه عن "سقف محدد مرسوم له يعود بالضرر على المصالح الإيرانية"، متوقعاً أن يعمل على حل جزئي ومرحلي للقضايا الخلافية مع أميركا وقضايا السياسة الخارجية الإيرانية، بحيث يتم التعامل مع كل ملف بشكل منفرد على حد سواء، قائلاً إن ظريف كان يسعى إلى حل لغز العلاقات مع أميركا والمشكلات في السياسة الخارجية "انطلاقاً من الكل نحو الجزء والتفصيل، لكن عراقجي على ما يبدو يتخذ مساراً معاكساً في معالجة التحديات والقضايا حيث يبدأ من الأجزاء والتفاصيل وصولاً إلى إنجازات كبرى، ومتحدثاً في سياق الإشارة إلى هذه الأجزاء عن إدارة الصراع مع أميركا ونسج "علاقات وظيفية" مع أوروبا على أساس "الأخذ والعطاء" والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها من الملفات".
محطات من حياة عراقجي السياسية
انضم عباس عراقجي (62 عاماً) عام 1980 إلى الحرس الثوري الإيراني وشارك من خلاله في الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي. وحصل خلال الحرب على شهادة البكالوريس في كلية العلاقات الدولية للخارجية الإيرانية، ثم نال الماجستير في الجامعة الحرة الإسلامية الإيرانية، قبل أن يحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كنت البريطانية لينتقل بعد الحرب إلى العمل في الخارجية. وقال في تصريحات سابقة "بعد عام 1989 التحقت بالخارجية وانفصلت من الحرس رسمياً لكنني لم أنفصل منه قلباً، وما زلت أحتفظ بأزياء الحرس المقدسة بشكل جيد".
كان عراقجي كبير المفاوضين الإيرانيين في مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015، والتي عدت حينها أكبر إنجاز في السياسة الخارجية الإيرانية
وبدأ عراقجي عمله دبلوماسياً في الخارجية الإيرانية عام 1999 بعدما أصبح سفيراً لبلاده في فنلندا، ثم تولى مناصب عدة فيها بعد ذلك من رئيس الدائرة الأولى لأوروبا الغربية، مروراً برئاسة كلية العلاقات الدولية ووصولاً إلى منصب النائب السياسي لوزير الخارجية في عهد محمد جواد ظريف. وعُيِّن عراقجي في 2021 أميناً للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية بناءً على توصية خامنئي. ويتسق ترشيح عراقجي مع تركيز مسعود بزشكيان خلال حملته الانتخابية على السياسة الخارجية والملفات الساخنة المتصلة بها، مثل العقوبات والاتفاق النووي، محاولاً دغدغة مشاعر الناخبين انطلاقاً من ذلك، والقول إن أزمات إيران ومشكلاتها الاقتصادية الداخلية لن تُحل إلا عبر تبنّي سياسة خارجية منفتحة و"التعامل البناء" مع العالم والمنطقة.
سطع نجم عراقجي في الدبلوماسية الإيرانية، لدوره إلى جانب وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف في المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة الدولية منذ 2013، فكان عراقجي كبير المفاوضين الإيرانيين في هذه المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق النووي عام 2015، كأكبر إنجاز في السياسة الخارجية الإيرانية، تحول لاحقاً إلى أكبر نقطة خلاف أيضاً بين الإصلاحيين والمعتدلين (أبناء مدرسة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني) وبين المحافظين، وخاصة المتشددين منهم الذين نعتوا الاتفاق بـ"الخيانة"، ليعزز موقفهم انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه عام 2018، مما دفع إيران إلى التخلي عن تعهداته النووية المنصوص عليها بالاتفاق النووي. كما قاد عراقجي من طرف بلاده 6 من 8 جولات من 2020 إلى 2021 في المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، لكن تلك المفاوضات أيضاً تعثرت ولم تحقق الغرض من انطلاقها.
حاول متشددون في البرلمان تحويل الاتفاق النووي إلى نقطة ضعف في مسيرة عراقجي واتهموه بأنه من أعضاء "زمرة النيويوركيين"
أراد المتشددون في البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه المحافظون، خلال نقاشات البرلمان لبحث أهلية المرشح للخارجية الإيرانية، تحويل الاتفاق النووي إلى نقطة ضعف و"علامة سوداء" في سجل عراقجي، فانتقدوه من هذا المنطلق، واتهموه بأنه من أعضاء "زمرة النيويوركيين"، في إشارة إلى ظريف ومقربين منه الذين ينعتهم معارضوهم من المحافظين بذلك، في تلميح إلى قربهم من أميركا، حيث كانوا يعملون لسنوات طويلة في البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة بنيويورك.
غير أن عراقجي دافع خلال جلسة النقاش في البرلمان عن نفسه، وأكد أنه ليس عضواً في هذه "المجموعة"، نافياً أن يكون امتداداً لسياسات ظريف، ومحاولاً استرضاء المحافظين بتصريحاته عند حديثه عن ملامح السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية الجديدة بتأكيد مواصلة "دبلوماسية المقاومة" التي قال إنّ قائد "فيلق القدس" السابق الجنرال قاسم سليماني بنى عليها تشكيل "محور المقاومة"، مؤكداً أن السياسة الخارجية "يجب أن تكون شاملة ونشيطة ومؤثرة أمام الأمواج والحوادث الإقليمية والعالمية". وأشار إلى أنه سيواصل سياسة حسن الجوار بقوة إذا ما أصبح وزيراً لخارجية الإيرانية.
وأوضح أن أولويات العلاقات الخارجية في الحكومة الجديدة هي الصين وروسيا وبقية الدول التي "كانت معنا في أيام الصعوبات والعقوبات" والقوى الصاعدة في أفريقيا وشرق أسيا وأميركا اللاتينية، رابطاً منح الأولوية للعلاقات مع أوروبا بتغيير سلوكها وسياساتها تجاه إيران. وشدد على أن "سياستنا هي إدارة الصراع مع أميركا وليس إنهاءه"، مؤكداً أن التفاوض لأجل رفع العقوبات "في أي شكل وإطار هو سياسة إيران".
العلاقة مع الميدان
وبشأن العلاقة بين الدبلوماسية والميدان الإيرانيين في عهد عراقجي، يقول الصحافي الإيراني المقرب إلى الخارجية الإيرانية، عباس أصلاني، لـ"العربي الجديد"، إن وزير الخارجية الإيراني الجديد على الأغلب سيتبع توجهاً يمزج بين التعامل مع الغرب وإدارة ملفات ساخنة معه مثل الاتفاق النووي وبين مواصلة السياسة الإيرانية في المنطقة، متوقعاً أن عراقجي سيتجنب الدخول في توترات مع المحافظين وأجهزة الحكم "الناشطة" في المنطقة بشأن السياسات الإقليمية، مشيراً إلى أنه سيتعاون "بشكل وثيق" معهم في هذه السياسات.
يضيف أصلاني أن وزير الخارجية والرئيس الإيرانيين ليسا من يحددان وحدهما السياسة الإقليمية الإيرانية التي ترسمها مؤسسات عليا وشخصيات أعلى، متوقعاً استمرار السياسة الراهنة في المنطقة وسياسة الجوار وتعزيز العلاقات مع المحيط العربي.
وكان عراقجي قد أشاد، الاثنين الماضي، خلال جلسة النقاش في البرلمان الإيراني، بوزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان، مؤكداً أنه سيواصل نهج عبد اللهيان وفق تعبيرات استخدمها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بشأنه، بعد مصرعه في حادث تحطم مروحيته رفقة الرئيس إبراهيم رئيسي، في 19 مايو/ أيار الماضي، حيث وصفه بأنه "الوزير المكافح والمفاوض القوي والذكي والملتزم بالمبادئ والثوابت". وأضاف عراقجي أن "دعم القضية الفلسطينية والمقاومة في لبنان وبقية حركات المقاومة في المنطقة سيكون على رأس برامج الحكومة" في السياسة الخارجية خلال الفترة المقبلة.