لا يزال المبعوث الأممي الجديد عبد الله باتيلي يواصل لقاءاته مع قادة الأطراف الليبية في إطار سعيه لـ"تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة"، ورغبته في "الاستماع إلى آرائهم بخصوص الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية"، بحسب كلمته عند وصوله إلى طرابلس الجمعة الماضية، فيما كشفت مصادر برلمانية من طبرق عن قلق يسود أوساط قادة شرقي البلاد إزاء عدم وضوح خطوات المبعوث الجديد.
والتقى باتيلي حتى الآن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، واستمع لـ"رؤيته لخيارات تعزيز السلام والاستقرار في البلاد"، بحسب بيان للبعثة الأحد الماضي، كما التقى رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي ناقش معه "خيارات معالجة الوضع السياسي في البلاد"، وضرورة "إرساء مسار توافقي للسلام والاستقرار بقيادة ليبية"، بحسب بيان آخر للبعثة الاثنين الماضي.
كما التقى باتيلي مع مسؤولين رفيعي المستوى في حكومة الوحدة الوطنية، كرئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، ورئيس الأركان العامة للجيش الفريق محمد الحداد.
ووفقا للبعثة، فقد ناقش باتيلي مع بن قدارة "سبل ووسائل تعزيز استقلالية المؤسسة الوطنية للنفط كمؤسسة سيادية"، فيما ناقش مع الحداد "الوضع الأمني العام والتقدم في المسار العسكري والأمني"، و"ضرورة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية".
ودعا "إلى استئناف الحوار بين رئيسي هيئة الأركان العامة" في إشارة لاستئناف الحوار بين الحداد ورئيس الأركان العامة التابع لقيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الفريق عبد الرزاق الناظوري.
وإثر لقاء باتيلي الدبيبة، أعلن رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، في بيان، عن رغبته في التعاون مع باتيلي، وحرصه "التام على سلمية التداول على السلطة، وضرورة انتهاء المراحل الانتقالية عبر انتخابات وطنية"، متهمًا حكومة الدبيبة بممارسة "كل أساليب التصعيد السياسي والعسكري ووضع العراقيل تجاه أي عملية سياسية سلمية وإجهاض كافة المحاولات الرامية لإجراء الانتخابات، في سبيل استمرارها في السلطة إلى ما لا نهاية".
قلق أوساط قادة شرقي البلاد من عدم وضوح رؤية باتيلي
إلى ذلك، كشف مصدر برلماني من طبرق لـ"العربي الجديد" عن قلق يسود أوساط قادة شرق البلاد إزاء عدم وضوح رؤية خطوات باتيلي وتركيز لقاءاته مع مسؤولي حكومة الدبيبة فقط، وسط مخاوف من استمرار تجاهل قادة الأطراف الموالية لمجلس النواب، ومنها الحكومة برئاسة باشاغا، وقيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ونقل المصدر البرلماني المقرب من عقيلة صالح انزعاج الأخير من عدم وضوح موقف الأمم المتحدة من الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، واعترافها الضمني بحكومة الدبيبة، مشيرا إلى أن وصف بيان البعثة للدبيبة بـ"رئيس الوزراء" أزعج صالح وباشاغا، وهو ما دفع الأخير لإصدار بيانه لمهاجمة الدبيبة إثر لقاء باتيلي به في محاولة لإحراج البعثة الأممية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن ذلك لم يكن السبب الوحيد الذي أثار حفيظة صالح وحلفائه في مجلس النواب، إذ إن التخوف من المتغيرات الإقليمية كان أيضًا سببًا آخر، وقال: "التغير الذي أحدثه ذهاب أنقرة لعقد شراكة اقتصادية تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط يعني اعترافا شبه معلن من جانب أنقرة بالدبيبة"، مشيرا إلى اعتقاد صالح وحلفائه أن مثل هذه الخطوة، التي تأتي وسط اعتراض دول إقليمية فاعلة في البحر المتوسط، لن تتم إلا بضوء أخضر أميركي.
وفي شأن توضيحه لأسباب القلق الذي يسود قادة شرقي البلاد، ذكر المصدر أيضا أن خطوات حفتر، التي تسير بعيدا عن سياسات مجلس النواب، باتت هي الأخرى مقلقة، وأضاف موضحا أن "حفتر مهم بالنسبة لمجلس النواب كواجهة عسكرية، لكن خطاباته الأخيرة في الجنوب حول ضرورة التعبئة للحرب والانتفاضة على كل الأجسام السياسية قد تقصيه من أي لقاءات للتسوية مستقبلا، ما سيحوله إلى عامل عرقلة لسياسات عقيلة صالح وحلفائه أكثر من عرقلته للأطراف الأخرى".
وزار حفتر، خلال الأسبوعين الماضيين، عددا من مدن الجنوب، ودعا خلال لقائه بقياداتها الاجتماعية والمدنية إلى "انتفاضة الشعب على كل الأجسام السياسية"، واصفا إياها بــ"المماطلة"، كما أكد في آخر خطاباته، مساء أمس الثلاثاء في مدينة سبها، أن "الجيش الليبي (في إشارة إلى مليشياته) لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات العبث بمقدرات الشعب"، مشيرا إلى أن قيادته "تفتح أبوابها للقوى الوطنية في كل الأوقات، ولن تتردد في تقديم أقصى ما بوسعها لمساندتها والعمل معًا لإنقاذ الوطن".
وفي تعليقه على مسار لقاءات باتيلي، يرى الباحث في الشأن الدولي، مصطفى البرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من السابق لأوانه القول إن باتيلي لن يلتقي القادة الموالين لمجلس النواب كباشاغا وحفتر، بل ليس من المناسب أن يفعل ذلك، كما أن الأمم المتحدة لن تسمح بأن تصنف البعثة كطرف موال لجهة سياسية ضد أخرى، حيث لم يتلق المجلس الأعلى للدولة حتى الآن كذلك".
واستدرك البرق قائلًا: "إن تركيز اللقاءات الأممية في جانب قادة سلطات طرابلس قد يكون مقصودا في هذه الآونة، ويأتي في سياق مستجدات إقليمية ودولية في الملف الليبي"، مضيفًا "من غير المقبول أن تتضح الرؤية الأممية لعقيلة صالح من خلال لقائه بباتيلي".
ويوافق البرق على أن واشنطن وراء دفع أنقرة للتحرك نحو طرابلس لعقد شراكات معها تخدم مصالحها الاقتصادية، وقال: "الجميع يعلم أنها اتفاقات لا يمكن تنفيذها، لكن تلامس ملفات على علاقة بالصراع الدولي كملف الطاقة المرتبط بالتوتر الروسي والأوروبي، ومجال البحر المتوسط مهم في هذا الملف".
ويلفت البرق إلى تغريد السفارة الأميركية في ليبيا، اليوم الأربعاء، بشأن لقاء السفير ريتشارد نورلاند، اليوم مع جان ديزدار، وهو مسؤول رفيع المستوى في الخارجية التركية، لمناقشة "تحديد موعد مقبول" للانتخابات الليبية "في أقرب وقت ممكن"، حيث يعتبر البرق أنها تعكس "خطوات حثيثة في تعاون أميركي تركي أكثر في الملف الليبي".
وبالنسبة لحفتر، يرى البرق أنه "ما يزال يمثل مصدر قلق بالنسبة لأطراف خارجية كواشنطن، كونه كان السبب في التوغل الروسي في ليبيا، خصوصا في الجنوب الليبي الذي يركز حفتر زيارته فيه في الآونة الأخيرة". وقال "أعتقد أن قلق صالح من حفتر مبرر، ولا أعتقد أن تركيز حفتر على المجال الجنوبي لليبيا على علاقة بتحركات روسية.. حفتر بات متخبطا في كل شيء".
وفي مقابل ذلك، ينبّه الناشط السياسي خميس الرابطي على واقع الخلافات الليبية العميقة التي لا تخفى على الأطراف الدولية، موضحا أن "الميل التركي الأميركي لجانب سلطات طرابلس لن يكون إلا مؤقتا لمصالح مؤقتة، فكل الأحداث الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف الليبي متغيرات وليست ثوابت"، ولذا فهو يرى أن "مسار العمل في عهد باتيلي لن يتضح قريبا".
وقال الرابطي، لـ"العربي الجديد": "سيستمر باتيلي في لقاءاته، وسيأخذ وقتا طويلا ليفهم الملف الليبي وتفاصيله بشكل جيد، كالمبعوثين الذين سبقوه، وأعتقد أن اختياره من دولة أفريقية لا مصالح لها في ليبيا يراد منه مرور الملف الليبي بفترة تجميد حتى في ملف الانتخابات، إلى حين وضوح مصالح الفاعلين الكبار في المنطقة".