لبنان.. "عروس الثورة" طرابلس تنام وتصحو على أوجاعها والحكومة تتوعّد أبناءها "المشاغبين"
عاد الهدوء إلى طرابلس شمالي لبنان، صباح اليوم الجمعة، بعد ليلة مواجهات ساخنة سقط خلالها أكثر من مئة جريح في صفوف الأمنيين والعسكريين والمتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع رفضاً لقرار تمديد التعبئة العامة لمواجهة فيروس كورونا، وتنديداً بالقمع الممارس من قبل السلطة وسياساتها التي فاقمت الوضع الاقتصادي والمعيشي سوءاً.
يقول الناشط مصباح السكت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "طرابلس دائماً ما تستفيق وكأن ليلاً لم يحل، وشيئاً لم يحدث. في حين تستيقظ على صدمة الأحداث والمواجهات، وسط استنكار وجهاء المدينة والطبقات الميسورة واضعين ما حدث في خانة الشغب والدسّ السياسيّ، بدل التحرك لانتشال العائلات المعدومة والفقيرة من واقعها المظلم والخطير".
ويشدد السكت على أن "التحركات في ساحة النور مستمرّة دائماً، واليوم أيضاً، لكنها أخذت منحى عنفيا منذ الاثنين الماضي، ولن نخرج من الشارع قبل تحقيق مطالبنا، رغم علمنا أننا نصرخ لدولة وقحة تصمّ آذانها عن صوت الناس ووجعهم".
ويلفت إلى أنّ "أعمال الشغب التي حصلت لا نحبّذها، ونحاول قدر المستطاع السيطرة على الوضع وسلمية التظاهرات، حتى في انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول كنّا نقف بوجه كل صاحب نيّة بالتخريب والتدمير، لكن مع ازدياد الأوضاع المعيشية والاقتصادية سوءاً، وارتفاع معدلات الفقر والجوع والبطالة إلى مستويات قياسية، وخسارة الناس أشغالها ومورد رزقها ولقمة عيشها وقوتها اليومي من جراء التعبئة العامة والإقفال المتكرّر، يصبح من غير الجائز التوقف عند التكسير والاعتداءات، فالشعب غاضب من الدولة وطبيعي أن يترجم غضبه بمراكز ومؤسسات تابعة لها، وهذا يحصل في كل الدول ليس فقط في لبنان".
ويشبّه الناشط السكت، وهو من أبناء المدينة، تصريحات ومواقف السياسيين بـ"من يقتل القتيل ويمشي في جنازته"، ولا سيما زعماء طرابلس ونوابها، فهم بحسب وصفه "لا يخجلون، ويضعون التحركات في خانة المؤامرات السياسية، علماً أنهم المسؤولون عمّا وصلت إليه الأوضاع شمالاً، ولم يحرّكوا ساكناً لدعم المدينة رغم كل التقارير التي تتحدث عن نسب الفقر والجوع والبطالة فيها والتسرّب المدرسي، وكانت السلطة بيدهم".
ويوضح أنّ "سياسيي طرابلس هم المؤامرة بحد ذاتها، بطريقة حكمهم وجعل الأرض عرضة للاهتراء، حتى لو نريد أن نسلّم جدلاً بوجود مندسّين، فلو كانوا حائزين على أبسط حقوقهم ومقومات الصمود لما كانوا خضعوا لحزب أو سياسي ونفّذوا أجنداته".
مقابل هدوء الشارع، سجلت حركة توافد لسياسيين ورجال دين إلى بلدية طرابلس، ومواقف تستنكر التحركات، وتدينها وتعمّم نظريات المؤامرة وتحذّر من انفجار أمني وسيناريوهات خطيرة، في حين لم يدعُ الرئيس اللبناني ميشال عون بعد المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد بهدف بحث آخر التطورات على الصعيد الأمني ومطالب الشعب، وعلى رأسها حالياً فتح البلاد.
وبينما أطلعت وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر الرئيس اللبناني، اليوم، على التقارير التي وردت من قيادة الجيش حول ملابسات ما جرى في طرابلس؛ اكتفى الأخير بطلب التحقيق في ملابسات ما جرى والتشدد في ملاحقة الفاعلين الذين اندسوا في صفوف المتظاهرين السلميين وقاموا بأعمال تخريبية.
الرئيس عون خلال استقباله وزيرة الدفاع: للتحقيق في ملابسات ما جرى في طرابلس، والتشدد في ملاحقة الفاعلين الذين اندسوا في صفوف المتظاهرين السلميين وقاموا بأعمال تخريبية لاقت استنكاراً واسعاً من الجميع ولا سيما من أبناء المدينة وفعالياتها
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) January 29, 2021
وفي وقتٍ لم يتحرّك المسؤولون بعد أيام على التظاهرات، التي شملت مختلف المناطق اللبنانية جنوباً وشمالاً وبقاعاً وفي العاصمة بيروت، للاستجابة إلى مطالب الناس التي باتت على شفير الموت جوعاً، والاجتماع استثنائياً لاتخاذ قرارات جديدة فعّالة تخصّ مساعدة العائلات الأكثر تضرراً وحاجة في ظلّ الإقفال العام أو تعليق التمديد، خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ليؤكد التحرّك سريعاً لإعادة تأهيل مبنى بلدية طرابلس.
وبات التحدّي بالنسبة إلى دياب، وفق بيان صادر عنه اليوم، هو في "إسقاط أهداف المجرمين الذين أحرقوا بلدية طرابلس، وحاولوا إحراق المحكمة الشرعية، وعاثوا فساداً في المدينة ومؤسساتها الرسمية والتربوية والاقتصادية، وعبّروا عن حقد أسود دفين على طرابلس وعنفوانها، والقبض عليهم، إضافة إلى فتح تحقيق يحدّد المسؤوليات في السماح بهذا التمادي الفاضح باستباحة شوارع طرابلس ومؤسساتها، إلى جانب تحدي إحباط مخطط العابثين".
ولاقت تعليقات السياسيين استنكاراً كبيراً من قبل مواطنين اعتبروا أن الدولة تسارع لفتح تحقيق بأعمال شغب حصلت في طرابلس، وتضع كل إمكاناتها لتوقيف المعتدين، لكنها لا تبذل أي جهد على صعيد التحقيق في أكبر مجزرة طاولت لبنان بانفجار مرفأ بيروت، ولا تستجيب للقضاء بالمثول أمامه، ولا تحاسب العناصر الأمنية التي تعتدي على المتظاهرين، رغم التقارير المحلية والدولية التي تثبت لجوء العناصر إلى وسائل وأسلحة غير مشروعة وغير مباحة، علماً أنّ أحد المتظاهرين سقط قتيلاً جراء المواجهات، وتحصر نظرها في ردود الفعل بدل الأسباب التي دفعت الناس للنزول إلى الشارع.
وكانت لافتةً علامات الاستفهام التي طرحها رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، قبل أن يلاقيه دياب وغيره من السياسيين، حول تصرفات الجيش اللبناني الذي لم يتحرك لردع أعمال الشغب وإحراق المراكز والمنشآت، بما فيها بلدية طرابلس، في رسالة تحمل في طياتها اتهامات للرئيس ميشال عون الذي يُحسَب عليه الجيش، وذلك في ظل رمي كل فريق مسؤولية تحريك الشارع في ملعب الفرقاء الآخرين.
من غير المقبول تحت اي شعار معيشي او سياسي طعن #طرابلس من اي جهة او مجموعة مهما كان لونها وانتماؤها.
— Saad Hariri (@saadhariri) January 28, 2021
اننا نقف الى جانب اهلنا في طرابلس والشمال، ونتساءل معهم ؛ لماذا وقف الجيش اللبناني متفرجاً على احراق السرايا والبلدية والمنشآت، ومن سيحمي طرابلس اذا تخلف الجيش عن حمايتها؟ ٢/٤
وتطوّر المشهد، أمس الخميس، في "عروس الثورة"، حيث طغت عمليات الكرّ والفرّ بين المعتصمين والأجهزة الأمنية في ساحة النور ومحيطها وأمام سرايا طرابلس وعددٍ من المؤسسات والمراكز التابعة للدولة، قبل أن ترتفع وتيرة الاشتباكات العنيفة، التي استمرّت ساعاتٍ طويلة، بعد أن حاول متظاهرون الدخول إلى السرايا وخلع الباب الرئيسي، وعمدوا إلى رمي قنابل المولوتوف والقنابل اليدوية والمفرقعات النارية إلى داخل المبنى، فأتى الردّ من القوى الأمنية بفتح خراطيم المياه على الشبان وإلقاء القنابل المسيلة للدموع لإبعادهم، وسجل استخدام للرصاص المطاطي والحيّ.
وعمد المحتجون في ساعات الليل إلى إحراق مبنى بلدية طرابلس، عبر رشقها بقنابل المولوتوف، وطاولت الاعتداءات المحكمة السنية الشرعية ومركز العزم التربوي وغيرهما من المنشآت الخاصة والرسمية.