عقد على هروب بن علي: أسئلة العشرية الثانية للثورة

14 يناير 2021
لم يلمس الناس نتائج اقتصادية واجتماعية للثورة (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

يطرح التونسيون، والمتابعون للثورة التونسية من خارجها، أسئلة العشرية الجديدة، بشيء من التفاؤل أحياناً والريبة أحياناً أخرى، أخذاً بعين الاعتبار حقيقة الإنجازات التي تحققت بعد مرور عقد كامل على اندلاعها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وهروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011. وبقدر الارتياح للمنجزات، فإن عدم اكتمال مسار الثورة، والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، التي لا تنتهي، تطرح تساؤلات حول مصير المرحلة المقبلة. 
رئيس المجلس التأسيسي الذي أنجز الدستور التونسي الجديد، مصطفى بن جعفر، يقول لـ"العربي الجديد": عندما نتحدث عن الثورة التونسية نتحدث عنها بكثير من الفخر والاعتزاز، لأنها قطعت من ناحية مع فترة الاستبداد، ولأنها أظهرت، من ناحية أخرى، قدرة على إدارة الأزمات، ولم تفشل، بالمقارنة مع تجارب مماثلة. ولو احترمنا الدستور، لكنا أنهينا بناء المؤسسات الدستورية خلال السنوات الماضية. وبرأيه، فإن ما هو مطروح خلال العشرية الجديدة هو أولاً استعجال استكمال ما لم ينجز، والسعي لبحث الآليات التي تُمكن من الخروج من هذا المأزق الاقتصادي، والتفكير في نموذج تنموي جديد، ومعالجة القضايا المتعلقة بالمنظومة السياسية، وخاصة القانون الانتخابي وقانون الأحزاب، لأنها الطريق نحو مجتمع ديمقراطي.

يرى الكحلاوي أن القوانين المتعلقة بتفعيل صلاحيات الحكم المحلي لا تزال معطلة

ويرى الناشط السياسي ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية الأسبق طارق الكحلاوي أن هناك تعطلاً في المسار السياسي الذي يواجه عدة مشاكل. فالمسار لا يخلو من تشتت واضح في البرلمان، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، وعقد التحالفات. وبالتالي، أصبح السؤال حول إن كان النظام السياسي مناسباً أم لا. ويبين، لـ"العربي الجديد"، أن هناك تعطلاً واضحاً حتى في الجانب المحلي، حيث كان من المفروض الانطلاق في المجالس الجهوية. وبرأيه فإن القوانين المتعلقة بتفعيل صلاحيات الحكم المحلي لا تزال معطلة، من دون أن ننسى الإشكال المتعلق بالمسألة الاقتصادية والاجتماعية، ودون هذه، فإن الإصلاحات الديمقراطية ستكون مهددة.

ويبين الكحلاوي أن الناس لا يمكنهم الدفاع عن الديمقراطية والوضع السياسي، وهم لا يلمسون نتائج اقتصادية واجتماعية. ويشير إلى أنه معروف من خلال الديمقراطيات، والتجارب السابقة، أن هناك ازدهاراً يتحقق، ولكن في الحالة التونسية لم يلمس الناس ذلك لغاية اليوم. ويضيف أن جزءا من الناخبين عادوا للمقارنة بما كان قبل الثورة، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد المسار الديمقراطي، وعلى كل القوى الديمقراطية أن تفهم أنه من دون إصلاحات حقيقية ستصبح الديمقراطية مهددة، خصوصاً أنه لا وجود لديمقراطية محصنة. ويعتبر أنه لا وجود لأي مؤشرات واضحة حول العشرية الثانية من الثورة، إن كانت ستكون أفضل أم لا، ولا أيضاً حول بروز قوى جديدة. فحتى تلك التي ظهرت لم تتقدم للأمام، وبعضها يُعطل التجربة الديمقراطية، وبالتالي هناك مشكل حقيقي في القيادة السياسية للبلاد، ولا بد من هزة حقيقية، ووجود قيادة قادرة على المحافظة على النظام الديمقراطي، وتقوم بإصلاحات اقتصادية، ولكن يبدو أن هذه الشروط غير متوفرة حالياً.
وتفاعلاً مع هذا الطرح الذي يبرزه الكحلاوي بخصوص النظام السياسي، يذهب رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) راشد الغنوشي إلى التأكيد على وجود صراع عنيف بين النظامين الرئاسي والبرلماني، لأن التونسيين عاشوا لعقود مع النظام المركزي، وهناك تخوف من الحكم المحلي وتوزيع السلطة، ولذلك فالميزانية المرصودة له ما زالت ضعيفة، وفق تقديره. ويقول الغنوشي، خلال ندوة نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس ومركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية حول "الثورة التونسية: أي علاقة بين الدولة والمجتمع" أمس الأول، إن جل الأنظمة الديمقراطية في العالم اليوم برلمانية، وتونس تعيش صعوبة في السلطة من خلال المزج بين النظامين البرلماني والرئاسي. ويعتبر أنه تم تصميم النظام الانتخابي في تونس لمنع وصول حزب واحد للسلطة، وهو أمر مفهوم، بعد سنوات من حكم الحزب الواحد والاستبداد.

يعتبر الغنوشي أن تونس تعيش صعوبة في السلطة من خلال المزج بين النظامين البرلماني والرئاسي

وحققت الثورة التونسية، خلال عشريتها الأولى، منجزاً حقوقياً كبيراً، تمثل في عشرات القوانين الحامية لحقوق الناس، في التقاضي والسجون والفضاء العام بكل مكوناته. وبدأت تتأسس علاقة جديدة مع الدولة ومؤسساتها والشرطة والقضاء. ويرى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم أنه بعد 10 أعوام من الثورة لوحظ تقلص في منسوب الثقة بمؤسسات الدولة ودولة القانون. ويضيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه رغم تحقيق العديد من المكاسب خلال العشرية الأولى، إلا أن هناك عدة مخاوف من حصول تراجع في هذه المكاسب، خاصة في مجال الحريات والحقوق، فالحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي الأساس، وشعار الثورة "شغل حرية كرامة وطنية"، لم يتحقق منه الشغل والكرامة بعد. ويبين أن المخاوف هي من المناخ العام والصراع السياسي والأزمة الحاصلة، ومن العنف الذي أصبح يطغى على الجانب السياسي والشارع.
ويقول مسلم إنه يجب تعزيز الحقوق المكتسبة والمحافظة عليها، وعدم التراجع عما تحقق، خاصة وأنه لوحظت بوادر لذلك في بعض الحريات، ولا بد من تطبيق ما تم الاتفاق عليه. ويوضح أنهم يراقبون السجون، وعدة أماكن، كمراكز الاحتفاظ (بالموقوفين)، ولا بد من تطبيق القانون وعدم التراجع، وأن تكون العشرية الثانية عشرية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالأساس، وأن يتم العمل على التنمية. ويشير إلى أن المنوال التنموي لم يتغير منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ولا بد من التفكير في منوال جديد والاقتداء بالتجارب المقارنة، مشيراً إلى أنه يمكن إيجاد الحلول المناسبة. ويلاحظ أنه بالتوازي مع ذلك يجب أن تكون العشرية القادمة عشرية الحقوق البيئية والقيم المجتمعية والمواطنية، فالصراع السياسي اتخذ منحى سيئاً، ولا بد من العيش المشترك من قبل الفاعلين السياسيين وقبول الآخر والإقرار بأن هناك من يختلفون معنا.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون