تأبى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مغادرة البيت الأبيض قبل استخدام كل الأساليب المتاحة للضغط على إيران، إذ فتح وزير الخارجية مايك بومبيو، أمس الثلاثاء، جبهة جديدة ضد طهران، قائلاً إنها باتت "مقراً جديداً" لتنظيم "القاعدة". ليس ذلك فحسب، بل إنّ عقوبات أخرى يتوقع فرضها على إيران قبل مغادرة إدارة ترامب السلطة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل عندما يتم تنصيب جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة. وتأمل أوروبا في أن يشكل عهد بايدن مرحلة العودة للدبلوماسية التي طالب الاتحاد الأوروبي أمس إيران بالعودة إليها والعدول عن تخصيب اليورانيوم. لكن إيران تواصل بعث الرسائل المتضاربة، ولا سيما بشأن التفاوض على برنامجها النووي مجدداً، إذ طالب علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، بإلغاء آلية إعادة فرض العقوبات في أي محادثات نووية جديدة، في الوقت نفسه الذي قال فيه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إنّ "على أميركا ودول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) معرفة أننا لن نقبل بأي تفاوض بشأن اتفاق نووي جديد".
اتهم بومبيو إيران بنسج صلات مع "القاعدة" سابقاً من دون تقديم أدلة
واتهم بومبيو في خطاب أدلى به أمام نادي الصحافة الوطني في واشنطن، أمس الثلاثاء، إيران بأن لها صلات بتنظيم "القاعدة"، مستخدماً معلومات مخابرات نزعت عنها السرية في الآونة الأخيرة، وتتعلق بمقتل الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة"، أبو محمد المصري، في طهران في أغسطس/آب الماضي. وتحدث بومبيو عن أنّ إيران قدمت ملاذاً آمنا لقادة القاعدة ودعمتهم، على الرغم من بعض الشكوك داخل مجتمع الاستخبارات والكونغرس في هذا الأمر. وكانت ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن أبو محمد المصري، المتهم بالمساعدة في تدبير تفجيرات 1998 لسفارتين أميركيتين في أفريقيا، قُتل على يد عملاء إسرائيليين في إيران، مع ابنته، أرملة حمزة بن لادن، نجل الزعيم السابق لـ"القاعدة" أسامة بن لادن. ونفت إيران التقرير، قائلة إنه لا يوجد "إرهابيون" من "القاعدة" على أراضيها.
وقال بومبيو أمس، إن تنظيم "القاعدة"، "أنشأ مركزاً جديداً في إيران". وأضاف إنه يعلن للمرة الأولى أن المصري قُتل في السابع من أغسطس 2020، معتبراً أنّ وجوده في إيران "لم يكن مفاجئاً". وتابع: "وجود المصري داخل إيران يشير إلى سبب وجودنا هنا اليوم... القاعدة لديها مركز جديد: إنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونواب زعيم التنظيم، أيمن الظواهري، موجودون هناك حالياً". وأعلن بومبيو عن فرض عقوبات على "اثنين من قادة القاعدة المتمركزين في إيران".
ظريف: ينهي بومبيو بشكل مثير للشفقة مشواره الكارثي بمزيد من الأكاذيب
من جهته، سارع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، للرد على ما وصفها بـ"أكاذيب بومبيو"، واتهاماته التي قال إنها "ضرب من الخيال". وكتب ظريف في تغريدة على تويتر "مع (نزع السرية) الذي هو من وحي الخيال بشأن إيران، والمزاعم المتعلقة بالقاعدة، ينهي بومبيو بشكل مثير للشفقة مشواره الكارثي بمزيد من الأكاذيب المروجة للحروب". وتابع "لا أحد ينخدع (بما يقوله بومبيو)، كل إرهابيي 11 سبتمبر/أيلول 2001، أتوا من الوجهات المفضلة (لبومبيو) في الشرق الأوسط. لا أحد من إيران".
وكان بومبيو اتهم إيران بصلات بـ"القاعدة" في الماضي، لكنه لم يقدم أدلة ملموسة. وقال بومبيو في أكتوبر/ تشرين الأول 2017: "كانت هناك أوقات عمل فيها الإيرانيون إلى جانب القاعدة". وتم دحض اتهامات سابقة من إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، بشأن صلات إيران بهجمات "القاعدة" في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. لكن ظهرت تقارير على مدار سنوات عن اختباء عملاء "القاعدة" في إيران. وقال مسؤول استخباراتي أميركي كبير سابق، لديه معرفة مباشرة بالقضية، لوكالة "رويترز"، إنّ "الإيرانيين لم يكونوا أبداً ودودين مع القاعدة قبل هجمات 11 سبتمبر أو بعدها، وينبغي التعامل بحذر مع أي مزاعم بشأن التعاون الحالي".
وتدهورت العلاقات بين طهران وواشنطن منذ 2018 عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات عليها. ويقول مسؤولون أميركيون، وفق وكالة "رويترز"، إنه من المتوقع فرض مزيد من العقوبات، قبل رحيل ترامب عن منصبه.
وأشاد بومبيو في سلسلة تغريدات على تويتر أمس بسياسة العقوبات، وقال "بفضل عقوباتنا، انخفضت الميزانية العسكرية المقترحة لإيران بنسبة 24 في المئة هذا العام. لقد استهدفنا أكثر من 1500 فرد وكيان، وحرمنا النظام من 70 مليار دولار كانت ستُستخدم في تمويل الإرهاب والصواريخ الباليستية والبرامج النووية". وأضاف: "تجاهل الإرهاب والصواريخ وفتح الطريق أمام النظام الإيراني للحصول على سلاح نووي يعرض أميركا للخطر. لذلك واجهناهم". وتابع: "من الصعب العثور على شخص معتدل داخل النظام الإيراني لإقامة علاقات طبيعية مع طهران".
طالب الاتحاد الأوروبي طهران بالعودة للدبلوماسية
من جهتها، تحاول أوروبا لملمة الوضع مع اقتراب وصول بايدن للحكم. وفي السياق، قال الاتحاد الأوروبي في بيان، إنه يتعين على إيران العدول عن قرار تخصيب اليورانيوم إلى مستويات نقاء أعلى، وإعطاء الدبلوماسية الدولية فرصة لإنقاذ الاتفاق النووي. وأضافت حكومات دول الاتحاد الأوروبي، وعددها 27، في البيان الصادر في وقت متأخر مساء الإثنين: "شروع إيران في تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 بالمئة في منشأة فوردو تحت الأرض، تطور في غاية الخطورة ومبعث قلق شديد". وأضاف البيان "يهدد الإجراء الإيراني في هذه المرحلة الحرجة أيضاً بتقويض الجهود الرامية إلى البناء على العملية الدبلوماسية القائمة. نحث إيران على الامتناع عن المزيد من التصعيد".
وبدأت إيران الأسبوع الماضي تنفيذ خططها لتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 20 بالمئة في منشأة فوردرو النووية. وأمس، كشف المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، للتلفزيون الإيراني، أن بلاده سرعت من وتيرة تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 20 بالمئة، متوقعاً أن تنتج 120 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة في غضون 8 أشهر، بدلاً من 12 شهراً. وفي الإطار ذاته، أصدر 190 برلمانياً إيرانياً بياناً أمس، أعلنوا فيه دعمهم لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة.
إيران تطالب بإلغاء آلية إعادة العقوبات في أي محادثات جديدة
وفي سياق العقوبات، قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي، إن إيران تطالب بإلغاء آلية إعادة فرض العقوبات في اتفاقها النووي، والتي يمكن أن تعيد فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة عليها، في حال إجراء محادثات جديدة مع القوى العالمية. وقال ولايتي، في مقابلة نشرت على موقع خامنئي: "يتعين التخلي عن هذه الآلية باعتبارها مبدأ غير عقلاني في حال إجراء محادثات أخرى". وفي سياق متصل، قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، للتلفزيون الإيراني، أمس إن "مجرد عودة واشنطن للاتفاق النووي لا تكفي"، مؤكداً على "ضرورة أن يتزامن ذلك مع رفع العقوبات". وفيما تطالب الأطراف الأميركية والأوروبية بضرورة توسيع الاتفاق النووي ليشمل برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية، أكد ظريف أنه "لا يحق لهم طرح ذلك، وموضوع الاتفاق هو الملف النووي فقط، ولا صلة له بالصواريخ". وأضاف أنّ "على الولايات المتحدة ودول الترويكا الأوروبية معرفة أننا لن نقبل بأي تفاوض بشأن اتفاق نووي جديد". من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إنّ "دولاً غربية تطالب بالتفاوض مجدداً حول ما تم التفاوض عليه سابقاً"، معتبراً أن "ذلك أمر غير ممكن". بدوره، قال وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، في اجتماع عسكري أمس، إن "جميع مؤامرات الأعداء ضد الجمهورية الإسلامية باءت بالفشل"، معتبراً أنهم "لا يفهمون سوى لغة القوة ولذلك علينا أن نعزز قدراتنا".