عن أسباب تراجع قضية فلسطين أفريقياً

30 يناير 2022
تظاهرة في جوهانسبرغ مؤيدة للفلسطينيين، 27 /1/ 2022 (لوكا سول/فرانس برس)
+ الخط -

يمكن تناول المواقف الأفريقية من القضية الفلسطينية، وأسباب تراجعها، من خلال تتبع متغيرات سياسية وتاريخية ترتبط بعلاقة طرفي الصراع العربي الإسرائيلي بدول القارة، وخاصة الدول التي لعبت دورا رئيسيا في دعم حركات التحرر الوطني، وصياغة خطاب دعائي واتخاذ مواقف عملية مساندة لها، كما مصر، والتي كانت في خطة المواجهة، وأسست حسب رواية حلمي شعراوي، في كتابه سيرة مصرية أفريقية (دار العين، 2018) وحدة مختصة بوزارة الخارجية تهدف لوقف تمدد أنشطة إسرائيل أفريقيا، ومساندة حركات التحرر، ودعم التعاون العربي الأفريقي، ومساندة القضية الفلسطينية، وفقا لاستراتيجية تحرك دبلوماسي ضمن دوائر حددها الميثاق، الدائرة العربية والأفريقية والإسلامية (الميثاق، 1962)، وثانيا وتأثرا بالعامل الأول، سادت الأوساط الأفريقية روايتان حول الصراع العربي الإسرائيلي، الأولى ترى في اليهود شعبا مضطهدا يسعى لبناء دولته (إسرائيل) ومحاصرا من العرب، وتمارس ضده عنصرية عربية تتماس مع عنصرية مورست ضد السود الأفارقة، والرواية الثانية عن حقائق الصراع، كون فلسطين دولة قسمت ونهبت على يد الصهيونية وبدعم من الاستعمار البريطاني، وتمثل رؤية وحركة سياسية عنصرية، برعاية أميركية. 

أما العامل الثالث هو المتغيرات التاريخية الكبيرة التي بدأت مع مرحلة التحرر الوطني للدول الأفريقية منذ الخمسينيات، والمتغيرات في النظام العربي الإقليمي، من اتفاقية كامب ديفيد، ثم حرب الخليج مرورا إلى مرحلة التطبيع الثالثة، والتي دلت على توسع للنفوذ الإسرائيلي عربيا وأفريقيا وبدعم أميركي لاتفاق أبراهام، وهذا التطبيع العربي والتوسع الأفريقي، نتائج عملية لاستراتجية وضعتها إسرائيل للنفاذ من عزلتها، وما تمثله أفريقيا من مساحة نفوذ، ونفذت فعليا إسرائيل مخططها منذ الخمسينيات بنشاط ووجود مكثف في أفريقيا، تضاعف مع تغير استراتيجية القاهرة ما بعد كامب ديفيد والذي عزل مصر عربيا لفترة، وأفقد الفلسطينيين سندا في أفريقيا، بوصف أن قضيتهم مرتبطه بالصراع، وصب ذلك التغيير في مصلحة توسع نفوذ إسرائيل بالتزامن مع حدثين رئيسيين، الأول عقد تحالف استراتيجي أميركي صهيوني، وإعادة تموضع لسياسة الولايات المتحدة أفريقيا ثم مرحلة تالية بدأت مع اتفاقيات التسوية العربية الإسرائلية، وبالتالي لم تعد أطروحات عربية مطالبة بمواقف أفريقية مساندة للقضية الفلسطينية، ووقف وتيرة التطبيع أفريقيا لها معنى، بعد أن غيرت دول عربية اتجاهها وتبنت أطروحات السلام، والتعايش والتعاون مع إسرائيل. 

إعلان انضمام إسرائيل دولةً مراقبة في الاتحاد الأفريقي أغسطس 2021 يدل على نفوذ صهيوني بأفريقيا، يتم تدشينه وتمريره بصمت دول أفريقية

انضم السودان والمغرب إلى اتفاقية أبراهام للسلام، ليزيد عدد الدول العربية الأفريقية المطبعة مع إسرائيل، وكانت الدولتان ضمن جبهة عربية مواجهة لإسرائيل خلال الفترة من 1967 – 1979، ولعبت الدول العربية الأفريقية، أطرا للعلاقات والتمثيلات والصلات الأفريقية العربية، ودورا في المواجهة على مستويات دبلوماسية أفريقية، ويمكن القول إن الدعم للقضية الفلسطينية أفريقيا ارتكز على عاملين أساسيين، الأول مواقف رسمية للدول والتحالفات العربية والإقليمية والدولية، وثانيا مواقف غير رسمية وشعبية، تتمثل في تجمعات والمنظمات والتيارات السياسية، غير دور منظمات التعاون الأفريقية، ومنظمات التعاون الأفريقي العربي، انقضى المستوى الأول بغياب النظام العربي وتفتته إجمالا مع حرب الخليج وغزو العراق، وقبلها مع مرحلة التسوية، ومع ضعف منظمة التحرير الفلسطينية لم يعد ممكنا الحديث عن دور عربي فلسطيني فاعل في أفريقيا يقوم على مؤسسات ذات أثر، أما المستوى الثاني والذي ارتبط بحركات سياسية حاضنة للحق الفلسطيني فقد تراجع بتراجع الحركات العمالية والنقابية واليسارية في أفريقيا والعالم أيضا (هذا لا ينفي وجود يسار متأثر بالدعاية الصهيونية)، وتلك الأحزاب كانت تتبنى سردية تحرير فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، واستخدامه كافة أشكال المقاومة لتحرير أرضه وكان لها وجود وتأثير في دول أفريقية.

ويمكن الاشارة هنا إلى مستجدات هامة منها جولات الدبلوماسية الإسرائلية منذ 2009 في القارة، وليس انتهاء بإعلان انضمام إسرائيل دولةً مراقبة في الاتحاد الأفريقي أغسطس 2021، وهو الإقرار الذي أعلنه الاتحاد الأفريقي بمقره بأديس أبابا، والدال على نفوذ صهيوني بأفريقيا، يتم تدشينه وتمريره بصمت دول أفريقية، وترحيب ومطالبة بعضها مع عدم تجاهل وجود كتلة رافضة للقرار، كشف عنه موقف الجزائر وصياغتها بيانا ومذكرة بتوقيعات دول عربية وأفريقية ترفض القرار، لما يمثله من مخالفة لميثاق الاتحاد، لكن يبقى القرار صادما ومعبرا عن غياب صوت قوي يساند القضية الفلسطينية، بخلاف مساحة نفوذ ومساند للجبهة العربية خلال الصراع العربي الإسرائيلي بعد حرب 1967، حيث ساند الاتحاد (منظمة الوحدة الأفريقية سابقا) الحق العربي بل وقاطعت عدة دول أفريقية إسرائيل، بينما اليوم تقيم 46 دول علاقات دبلوماسية معها. ولا يمكن أن يتم تجاهل استراتيجية إسرائيل في أفريقيا، والتي ترتكز على تعاون اقتصادي يشمل ملفات التسليح والصناعة والتعدين والزراعة، وهذا لا يحقق وحسب مكاسب اقتصادية، لكن يثبت أقدام إسرائيل أفريقيا ويهمش حقوق الفلسطينيين ويعطل التيار المساند للقضية الفلسطينية، حيث يصور إسرائيل دولةً تلعب دورا مركزيا في التنمية والسلام والتضامن والدفاع المشترك وهي الرؤية التي طرحتها تل أبيب خلال زيارات متعددة مؤخرا إلى القارة الأفريقية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر خطاب نتنياهو في البرلمان الإثيوبي، والذي يلخص رسائل إسرائيل في أفريقيا ويرسم صورتها.

كما لا يلحظ أثر فاعل لمنظمات أخرى كما لجنة لجنة التعاون العربي الأفريقي وهي اللجنة المشتركة التي كان يمكن أن تلعب دورا فاعلا في القضية الفلسطينية، وبالمقابل يشهد النفوذ الإسرائيلي أفريقيا توسعا في مواجهة تراجع أصداء القضية الفلسطينية، ويتجلى ذلك في توسع في العلاقات على مستوى اقتصادي وعسكري ودبلوماسي، والملفات الثلاثة في ترابط وثيق، وطرحت أشكال من التعاون المشترك بين إسرائيل ودول أفريقية فى جولات دبلوماسية مكثفة منذ 2009 استهدفت بناء شركات ومشاريع تعاون اقتصادي وتوسيع مساحة النفوذ، تلى ذلك جولات متتالية شملت عدة دول أفريقية.

يشهد النفوذ الإسرائيلي أفريقيا توسعا في مواجهة تراجع أصداء القضية الفلسطينية، ويتجلى ذلك في توسع في العلاقات على مستوى اقتصادي وعسكري ودبلوماسي وأشكال من التعاون المشترك بين إسرائيل ودول أفريقية فى جولات دبلوماسية مكثفة منذ 2009

واستطاعت إسرائيل عبر التطبيع ليس وحسب إضعاف القضية الفلسطينية أفريقيا، ولكن أيضا خلق مناطق نفوذ بالقرن الأفريقي عن طريق علاقات تجمعها بدول عربية تشارك إسرائيل نفوذ وجود ملموس بالمنطقة، وهي بالمناسبة المنطقة التي شهدت العلاقات التاريخية بين العرب والقارة الأفريقية، وهنا يمثل الوجود تمددا في الجغرافيا، بجانب تزييف التاريخ وبناء سردية تاريخية صورت إسرائيل قديما بالدولة المضطهدة والشعب اليهودي المحاصر عربيا، واليوم تتمدد بأيد عربية وتطبيع يرفع شعارات التعاون والسلام.

إجمالا لا يمكن أن نكرر وصفا سابقا عن أفريقيا القارة الثائرة المساندة لقوى التحرر الوطني في غياب شخصيات وتيارات ثورية ونظم سياسية تتبنى القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها، وكانت التغيرات في الساحة الدولية، والتحالف الأميركي الإسرائيلي أثر في تراجع القضية الفلسطينية أفريقيا، هذا بالإضافة إلى ضعف قوى الثورة الفلسطينية منذ الثمانينيات، وفقدانها شركاء عربا أفارقة يدعمون القضية الفلسطينية في العمق الأفريقي، مع ضعف للهيئات الشعبية والتيارات السياسية التي تتبنى الدفاع عن الشعب الفلسطيني في الساحة الأفريقية، أصبح المشهد انعكاسا لأوضاع الفلسطينيين والعرب على الساحة الأفريقية، وعلاقتهم بالقضية الفلسطينية نتاج معادلة بين حال طرفين، تخبط وانقسام عربي، وجنوح للتطبيع في ظل هيمنة أميركية، وغياب هئيات عربية شعبية ورسمية تدعم بما أمكن وجود القضية الفلسطينية أفريقيا، في مواجهة عمل منظم واستراتيجية محددة وقديمة، وتحالفات داعمة للوجود الإسرائيلي في أفريقيا، منها ما جري من اتصالات مكثفة أجراها رئيس الوزراء السابق نتنياهو 2016، تحت شعار "إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تأتي إلى إسرائيل"، والتي كشفت عن طموح إسرائيل إلى قيادة القارة وتمثلت أحد تجلياته في التحضير لقمة أفريقية إسرائيلية كان مقررا عقدها أكتوبر 2017، لكنها لم تعقد بسبب تحفظات دول عربية وأفريقية.

المساهمون