لا يكاد تلفزيون أو صحيفة أو منتدى في ليبيا ينقطع عن حديث السياسة وتحديداً التسوية الأممية للأزمة، وآمال انفراجها وربما تفاؤل أكبر بزوالها، خصوصاً مع التطورات والتفاعلات التي تسبق اليوم الرسمي للقاء الأطراف الليبية في تونس، الشهر المقبل، فلقاءات بوزنيقة ومونترو والغردقة وأخيراً القاهرة رسمت ملامح اللقاء، الذي توصلت بعض وسائل الإعلام إلى تحديد حتى مكان انعقاده في تونس كمؤشر تفاؤل وترقب كبيرين، وسط فرح كبير بإحباط جهود كل الساعين للعرقلة سياسياً أو بواسطة التصعيد العسكري.
وتناقلت وسائل إعلام ليبية بشكل واسع استمارة، قالت إن البعثة الأممية وزعتها على الشخصيات والأطراف المشاركة في جلسة تونس المرتقبة، يتعهدون فيها بعدم تولي أي منصب سياسي أو غير سياسي، معتبرين أن هذا التعهد يشكل أولى ضمانات نجاح لقاء تونس. لكن يبرز سؤال هنا حول الفائدة من التعهد، فلقاء تونس لن يناقش أكثر مما توصل إليه الفاعلون في المشهد والمتمسكون بكراسيهم، فأجندة اللقاء رسمتها وحددتها الوجوه نفسها في لقاءاتها المكثفة في أكثر من عاصمة.
والملاحظ في اللقاءات التي وُصفت من قبل أغلب الأطراف المتسبّبة في الأزمة الحالية ومن جانب البعثة الأممية أيضاً بأنها "تمهيدية" وصل بعضها إلى توافق، لكن الأهم من بينها مساران هما المسار الدستوري والمسار العسكري، فنتائج الأول ستضمن انتهاء المرحلة الانتقالية في زمن معين، والثاني سيُبعد شبح الحرب.
ويبدو أن المسار العسكري، الذي سينعقد الأسبوع المقبل في جنيف، سينتهي إلى ما انتهى إليه المسار الدستوري، ويطالب هو الآخر بلقاءات أخرى، لن يسعفه الوقت لعقدها قبل لقاء تونس الذي تقرر أن يبدأ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لا بل سيبدأ بلقاءات "تمهيدية" أيضاً، نهاية الشهر الحالي عبر الاتصال المرئي!
ومقابل تدويل الأزمة الليبية وارتهان كل أشكال الحل وآمال التسويات بيد البعثة الأممية، يلفت أحد المراقبين إلى مسار لم يناقشه أحد، هو الأولى بالمناقشة، ويتمثل في مسار الأمم المتحدة في ليبيا، وكيف تعاملت مع الملف الليبي إلى حين تحوّله لأزمة ليبية إقليمية ودولية، عبر سبعة ممثلين أمميين، وتأزم المسار الأممي لدرجة عدم توافق الدول الكبرى على تعيين ممثل أممي جديد.
المتابع لمسار تعامل الأمم المتحدة مع الملف الليبي يخيّل إليه كأنها دخلت للوساطة بين متصارعين لأول مرة، وتتعلم من أخطائها، على الرغم من كثرة الأزمات التي تتوسط فيها في العراق واليمن وسورية، وداخل أفريقيا وغيرها، بل يكاد الممثلون هم أنفسهم يتولون رئاسة بعثاتها دورياً بينهم.
وُصف المبعوث السابق إلى ليبيا غسان سلامة في العديد من المرات بأنه مبعوث السياسة الفرنسية، كما ثبت قبله أن الإسباني برناردينو ليون، الذي افتتح موسم الحوارات الليبية عام 2014 ببروز نجم خليفة حفتر العسكري، موظف في إحدى الإدارات الإماراتية، ومارتن كوبلر الألماني، وقبله الإنكليزي إيان مارتن... فهل الأمم المتحدة بالفعل تمتلك الحياد الكافي لتكون وسيطاً دولياً، أما أنها تتلون بلون التوازنات وسياسات الدول الكبرى؟