- يدعو العكرمي إلى مصالحة تونسية عميقة، مشدداً على أن الإسلاميين جزء من النسيج الوطني ولا يجب استبعادهم من العملية الديمقراطية، مما أثار انتقادات من اليسار.
- تصريحات العكرمي تعكس رؤية لتجاوز الانقسامات السياسية وبناء جبهة واسعة تشمل كافة الأطياف، بما في ذلك الإسلاميين، لتحقيق الديمقراطية والتنمية في تونس.
شهدت الساحة السياسية في تونس جدلاً خلال الأسبوع الماضي، بسبب ما ذكره المحامي والوزير الأسبق الأزهر العكرمي عن لقائه برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ونائبه رئيس الحكومة الأسبق علي العريض في السجن.
أورد العكرمي في تدوينته بموقع فيسبوك كلاماً كثيراً عن الغنوشي والعريض وشخصيتيهما، ولكن أبرز ما قاله المسؤول السابق في حزب نداء تونس وأحد أبرز المختلفين مع حركة النهضة هو التالي: "أفرغت نفسي من مخلفات معاركنا السابقة، ومن الحقد والتشفي، وأيديولوجية الاستئصال".
وأضاف: "عدت بعد ذلك وإنسانيتي وتجربتي ورحلة العمر تعتصر قلبي، عما بلغته بلادي من قسوة وتشفٍّ وروح استئصال، هذا غير التملق والانتهازية لكثيرين ياما تملقوا النهضة...".
وختم: "خلاصة القول إنّ الإسلاميين أبناء هذه البلاد وفي أوج قوتهم لم يلغوا المربع الديمقراطي، اختلفنا، تصارعنا حد العداوة، وليس من حقنا ولا من حق غيرنا أن يمنحهم حقا أو ينزع عنهم حقا، والبلاد تتسع للجميع في نظام ديمقراطي يحكمه القانون".
طبعاً، أثار هذا الكلام حفيظة كثيرين، خصوصاً ممن يدّعون الانتماء إلى اليسار، وهاجموا العكرمي متهمين إياه بمحاولة التقرب من "النهضة" لحاجته لخزانها الانتخابي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن الذين يعرفون العكرمي يعرفون أنه كان صادقاً في ما كتبه، وأيّا كانت النتائج السياسية لتقارب كهذا، فإن ما قاله يمكن أن يُعتبر خطوة نحو مصالحة تونسية عميقة وصادقة، لا مجرد تحالف مصالح مؤقت.
وقد قال ما يصر كثيرون على تجاهله، وهو أنه بالإمكان الاتفاق في مربع الديمقراطية وتحت سقف التداول السلمي على السلطة والاحتكام للصندوق، مهما كانت الاختلافات مع الإسلاميين.
وللأسف، صار كل شيء يتحدد تبعاً للعلاقة بحركة النهضة وبالإسلاميين عموماً، من يقترب منهم ومن يعاديهم، وحتى السلطة، تضرب كل من يحاول ترميم الشرخ العميق الذي يقسم البلاد.
لقد دخل كثيرون السجن بسبب اقترابهم من "النهضة" ومحاولة تشكيل جبهة واسعة تجمع من كان يعتقد أنهم الفرقاء الأعداء الذين لن يجتمعوا أبداً، جوهر بن مبارك ورضا بلحاج وعصام الشابي وخيّام التركي وغازي الشواشي، كلهم في الحقيقة معتقلون بسبب معارضتهم قيس سعيّد طبعاً، ولكن أساسا لأنهم طرحوا إمكانية تجميع الشتات والاتفاق على أرضية مشتركة تتسع لكل من يقبل اللعبة الديمقراطية، بمن فيهم الإسلاميون.
ولذلك طالما هاجمهم الرئيس قيس سعيّد، واستغرب من التقاء من وصفهم بأعداء الأمس وأصدقاء اليوم.
لقد حرّكت كلمات الأزهر العكرمي المياه الراكدة، وأثبتت أن هناك من له الشجاعة لإطلاق الخطوة الأولى، ليس للتنازل للآخر، وإنما التنازل للوطن ووضع حد لفُرقة دمرت الحلم الجميل، حلم الديمقراطية.
لا يعني هذا التغاضي عن أخطاء "النهضة"، وأخطاء غيرها أيضاً، ولكن البلاد المشتتة تحتاج لجهد تجميعي حقيقي ينقذها مما هي فيه ويعيد إليها أحلامها، والاستفادة من الماضي بالخصوص.