على الرغم من خلو ساحات الاحتجاج والاعتصام في عموم المدن العراقية من أي مظاهر احتجاجية، منذ أكثر من 40 يوماً، إلا أن التظاهرات، التي يمكن وصفها بذات البضع ساعات، لا تزال تظهر في عدة مناطق جنوبي العراق، وحتى على مستوى العاصمة أخيراً. ونظم عشرات الناشطين وقفات تحت نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد، ترفع نفس المطالب السابقة، وتضيف إليها مناشدات للكشف عمن يواصل قتل واستهداف الناشطين، وسبب حملات الاعتقال المتكررة من قبل القوات الحكومية بحقهم.
وبعد كربلاء والبصرة والديوانية، شهد وسط الناصرية، مساء أول من أمس الخميس وأمس الجمعة، تظاهرة شارك بها المئات، احتجاجاً على اعتقال قوات الأمن الناشط إحسان الهلالي وللمطالبة بكشف الجهات التي تقف وراء عمليات اغتيال الناشطين، فيما ردت قوات الأمن، أمس باستخدام الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الذين اعتقلت عدداً منهم. وقطع المتظاهرون عدة طرق، منها البهو والصالحية وسومر، فضلاً عن جسر النبي إبراهيم الرابط بين جانبي المدينة على نهر الفرات، وأضرموا النار بإطارات السيارات. وقال شهود عيان لـ"العربي الجديد"، إن الأمن العراقي بادر أمس بإطلاق الرصاص بعد بدء تجمع المتظاهرين الذين حمل بعضهم لافتات تهاجم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وتصفه بـ"الكاذب"، على خلفية تنصله من وعود وقف الاعتقالات وكذلك ملاحقة الجهات التي تقف خلف اغتيال الناشطين.
وسبق ذلك تنظيم عشرات الناشطين الأسبوع الماضي وقفات تحت نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد، ترفع نفس المطالب السابقة، وتضيف إليها مناشدات للكشف عمن يواصل قتل واستهداف الناشطين، وسبب حملات الاعتقال المتكررة من قبل القوات الحكومية بحقهم.
التظاهرات، التي يجري الإعداد لها، ستنطلق في بغداد وسترفع مطالب من بينها إصلاح القضاء
ويؤكد ناشطون عراقيون في مدينتي الناصرية والبصرة أسخن المدن الجنوبية العراقية على مستوى الاحتجاجات، أن الحكومة والأحزاب والمليشيات على حد سواء، يحاولون ضرب الفاعلين في الاحتجاجات وإسكاتهم لضمان عدم تكرار الانتفاضة مرة أخرى.
وقال الناشط البارز في الناصرية سجّاد حسين الوائلي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنهم يتعرضون لعمليات استهداف ممنهجة تنفذها قوات حكومية، ومن جهة أخرى المليشيات، بدعاوى وحجج مختلفة. وأوضح أن الحكومة تتهم الناشطين بحرق مقرات ومكاتب أحزاب في الأشهر الأولى للانتفاضة، وذلك بناء على مذكرات توقيف أصدرها القضاء، بدفع من فصائل وأحزاب معروفة، والتي تقوم في الوقت ذاته باستهداف ناشطين آخرين. وأكد "وجود حراك فعلي يجري الآن لعودة الاحتجاجات، رغم القيود المفروضة، والتي تنزع أي صفة من صفات الديمقراطية التي تتشدق بها أحزاب السلطة".
وعلى غرار وعود أخرى، فقد تنصلت حكومة مصطفى الكاظمي من ملف الكشف عن قتلة المتظاهرين، البالغ عددهم، وفقاً لآخر تقرير طبي كشف عنه مسؤول في وزارة الصحة العراقية، لـ"العربي الجديد"، 711 متظاهراً، أصغرهم من النجف ويبلغ 14 سنة، وأكبرهم عمره 71 سنة من بغداد. هذا عدا عن نحو 27 ألف جريح، وعشرات المختطفين، منهم نحو 23 شخصاً ما زالوا في عداد مفقودين، وسط تراجع الآمال بالعثور عليهم أحياء. وكانت آخر المجازر بحق المتظاهرين، تلك التي وقعت في ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية، على يد أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ قتل 11 متظاهراً وأصيب نحو 90 آخرين.
اعتبر جاسم الحلفي أن رفع خيم الاعتصام لا يعني انتهاء الحركة الاحتجاجية
وكشف النائب باسم خشان عن تحضيرات لتظاهرات جديدة ضد الحكومة والأحزاب الحاكمة. وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التظاهرات، التي يجري الإعداد لها، ستنطلق في بغداد، وسترفع مطالب من بينها إصلاح القضاء، مشيراً إلى أنها قد تمتد إلى محافظات أخرى. وبشأن الاعتقالات والتهديدات التي يتعرض لها النشطاء في التظاهرات، قال خشان إن "الجهات التي تهدد المتظاهرين معروفة، ومن بينها تيارات قريبة من السلطة".
وأكد القيادي في الحزب الشيوعي العراقي جاسم الحلفي، لـ"العربي الجديد"، الحديث عن قرب تفجر التظاهرات مجدداً. وقال إن "الاحتجاجات لن تنتهي ما لم تتحقق جميع مطالبها". وبين أن الأسباب التي دفعت الناس للتظاهر في السابق لا تزال موجودة، وهي تتعلق بالوضع المعيشي، والبطالة، والبطاقة التموينية، والفقر، والتعليم، والخدمات. ولفت إلى أن رفع خيم الاعتصام لا يعني انتهاء الحركة الاحتجاجية، لأن أسباب التظاهر باقية، رافضاً قيام قوى "اللادولة" بتنفيذ اعتقالات وتهديد المتظاهرين. ويطلق العراقيون مصطلح "اللادولة" على المليشيات والقوى المسلحة النافذة في البلاد، والتي باتت تهدد قرارات الحكومة والقانون وتفرض وجودها بشكل واضح.
وفي السياق، قال عضو تنسيقيات ساحة التحرير ببغداد، الناشط عمار النعيمي إن "مطالب المتظاهرين الذين خرجوا في انتفاضة تشرين (أكتوبر/تشرين الأول) لم تنفذ، ولم يتحقق شيء منها. وهذه المطالب قد تُترجم بتظاهرات جديدة في أي وقت، سواء كانت من متظاهري تشرين أنفسهم، أو آخرين يطالبون بحقوقهم". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات الأخيرة أفرزت وعياً شعبياً، وجيلا لن يسكت على جرائم الأحزاب والمليشيات، وتبعية الدولة العراقية إلى الخارج".
واتهم عضو تنسيقية تظاهرات مدينة النجف علي الحجيمي "المليشيات وعناصر التيار الصدري بتفجير نحو 35 منزلاً لناشطين في مدن جنوب العراق خلال الشهرين الماضيين، بهدف تخويفهم من الخروج في تظاهرات". وأكد "وجود حراك حالي للمتظاهرين في مناطق الجنوب، من أجل العودة إلى الساحات، لأن الاستهداف قائم، سواء كانوا في الساحات أو في منازلهم". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة العراقية تماهت كثيراً مع قتلة المتظاهرين، ولم تكشف حتى الآن عن الجهات التي مارست العنف مع المحتجين. وهذا الأمر هو من أهم مطالب المنتفضين".
بدوره، رأى الباحث في الشأن العراقي عبد الله الركابي أن "البطالة هي من أكثر الأسباب التي قد تدفع الشبّان في العراق إلى التظاهر من جديد. ولم تتمكن حكومتا (عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي) من معالجة هذه المشكلة. ويوجد في العراق نحو 6 ملايين عاطل من العمل. وهؤلاء الشباب، الذين يبحثون عن فرص عمل، قد ينفجرون في أي لحظة". وأوضح، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "كل أسباب التظاهر متوفرة حالياً، ولكن ما يمنع هذا الأمر هو تجدد العنف الذي قد يرافق موجة الاحتجاجات الجديدة. وإضافة إلى ذلك، فإن العقلية الاحتجاجية تطورت خلال الفترات الماضية، بعد مقتل 800 متظاهر، حيث انقسم المتظاهرون إلى جماعة تؤمن بالتغيير عبر السلاح والتدخل الخارجي، فيما ذهب طرف آخر للدعوة إلى إصلاح العملية السياسية، والواقع الخدماتي، عبر المشاركة في الانتخابات والدخول على خط الحكم في البلاد".
وكانت التظاهرات العراقية اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر موقع "فيسبوك" إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق. وطوال السنة الماضية، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.