تزداد التخوفات في تونس من أن يكون اعتقال السلطات لرئيس حركة النهضة بالنيابة منذر الونيسي، ورئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني، أمس الثلاثاء، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، مقدمة لشنّ حملة اعتقالات أوسع بحق المعارضين والسياسيين.
وقررت السلطات التونسية الاحتفاظ بالونيسي والهاروني مدة 48 ساعة، فيما أفرجت، يوم أمس الثلاثاء، عن رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي بعد اعتقال دام لساعات.
وأوضح المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّ اعتقال الونيسي جاء على خلفية التسريبات الأخيرة بينه وبين الإعلامية شهرزاد عكاشة، فيما أكد أنّ اعتقال الهاروني جاء على ما يبدو على خلفية بعض التعيينات في وزارة النقل عندما كان وزيراً (بين 2011 و2014). وكانت السلطات قد اعتقلت الهاروني بعد أن وضعته رهن الإقامة الجبرية، منذ يوم السبت الماضي.
وتأتي الاعتقالات ضمن السياق العام الذي تعيشه البلاد من استهداف سياسي وتضييق على المعارضين، بحسب ديلو، الذي قال أيضاً إنّ حركة النهضة "ليست هي فقط المستهدفة، بل جلّ المعارضين، ولكن بصفة خاصة الحركة".
وأدانت حركة النهضة، في بيان لها، أمس الثلاثاء، اعتقال الهاروني، موضحة أنه يخضع لعلاج دقيق من طبيب مختص في الحروق، محذرة من أن وضعه رهن الإيقاف يمكن أن يعكر حالته الصحية ويمثل خطراً على حياته، داعية إلى إعلاء سلطة القانون واحترام حقوق الأفراد والتنظيمات السياسية في النشاط والتعبير عن الرأي.
وطالبت في بيان آخر بإطلاق سراح نائب رئيس الحركة منذر الونيسي، معبّرة عن تضامنها الكامل معه بعد الحملة التي تعرض لها في المدة الماضية بشكل كيدي بغاية تشويه الحركة وقياداتها.
وكانت السلطات التونسية قد اعتقلت رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (82 عاماً)، في شهر إبريل/ نيسان الماضي، بعد تصريح له ضمن أمسية رمضانية لجبهة الخلاص الوطني، دعا فيها إلى ضرورة عدم إقصاء اليسار والإسلام السياسي والنهضة. كذلك اعتقلت السلطات عدة قيادات من الحركة، بينها رئيس الحكومة ووزير الداخلية الأسبق، ونائب رئيس حركة النهضة علي العريض، ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري.
وطاولت الاعتقالات كذلك قيادات بارزة من جبهة الخلاص الوطني، مثل جوهر بن مبارك، والمحامي رضا بالحاج، والقيادية شيماء عيسى التي اعتقلت في 25 فبراير/ شباط، وأفرج عنها في 23 يونيو/ حزيران، برفقة المحامي الأزهر العكرمي.
واعتُقل أيضاً الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في 25 فبراير/ شباط، بعدما أصدر حاكم التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بطاقة إيداع بالسجن في حقه بعد استنطاقه لعدة ساعات، إلى جانب اعتقال الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي والناشط السياسي خيام التركي، ورجل الأعمال كمال اللطيف، وقيادات نهضوية أخرى محلية ووطنية.
موجة أخرى من استهداف المعارضين
ويرى الناشط السياسي، محمد القوماني (استقال من حركة النهضة أخيراً)، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، "عدم وجود مؤشر لعودة الاعتقالات بنسق قوي كما حصل في موجة فبراير/شباط، حيث كانت جلّها ذات موضوع واحد وضمن قضية واحدة وهي التآمر. أما الاعتقالات التي حصلت للونيسي والهاروني والجبالي، فهي ذات مواضيع مختلفة"، معتبراً أنّ "اعتقال الجبالي وإطلاق سراحه، قد يشيران إلى أنّ الاعتقالات ستشمل رؤساء حكومات سابقين"، مضيفاً أنّ اعتقال الونيسي والهاروني قد يكون على علاقة بمؤتمر حركة النّهضة.
وتابع: "لا بد من مزيد من الوقت للوقوف على أسباب هذه الاعتقالات، وإن كانت تؤشر على موجة أخرى من استهداف السلطة للمعارضين السياسيين بعد كل الذي حصل طوال الأشهر الماضية"، مؤكداً أنه "رغم الانفراج الجزئي الذي حصل بالإفراج المؤقت عن شيماء عيسى والأزهر العكرمي، إلا أن المؤشرات الحالية غير سارة".
ولفت إلى أنّ "الاعتقالات ذات طابع سياسي، خصوصاً أنها شملت شخصيات سياسية قيادية من الدرجة الأولى ورئيس حكومة سابق ورئيس حزب بالنيابة بقطع النظر عن طبيعة الملفات"، لافتاً إلى تسجيل اعتقالات أخيراً على خلفيات ذات طابع اقتصادي.
وقال القوماني: "انطلقنا في مطلع سنة سياسية جديدة بعد فترة سبات صيفي، ومن المؤسف أن تنطلق السنة السياسية باعتقالات في الوقت الذي ينتظر الجميع التطرق إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وآفاق البلاد".
وتابع قائلاً إنّ "الملف السياسي معطل والعام الحالي قد يشهد انتخابات محلية وجهوية قد تمهد لانتخابات رئاسية بعد عام، حيث كان يؤمل الانطلاق برؤية مختلفة تقوم على المبادرات وحلول، وليس بالاعتقالات والتسريبات والصراعات".