من المقرر أن يعقد البرلمان العراقي، اليوم الأربعاء، جلسة جديدة هي الأولى من نوعها منذ شهرين، عقب قرار تعليق عمله إثر اقتحام أنصار "التيار الصدري" مقر البرلمان والسيطرة عليه داخل المنطقة الخضراء في 30 يوليو/ تموز الماضي. الجلسة البرلمانية التي حُددت للتصويت على استقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بالإضافة إلى انتخاب النائب الأول لرئيس المجلس، من دون التطرق لملف تشكيل الحكومة الجديدة، تأتي بالتزامن مع عقد المحكمة الاتحادية العليا جلسة خاصة للنظر بدعوى الطعن باستقالة نواب "التيار الصدري" من البرلمان.
وفي 12 يونيو/ حزيران الماضي، قدم نواب "التيار الصدري" استقالتهم من مجلس النواب، ليقبلها رئيس المجلس بعد ساعات قليلة. وفي 23 يونيو، عقد البرلمان جلسة استثنائية، وقرر خلالها التصويت على قبول عضوية بدلاء عن نواب "التيار الصدري" المستقيلين، وغالبيتهم من قوى "الإطار التنسيقي"، وفقاً لنظام الانتخابات العراقي الذي يوجب تسمية المرشح الثاني عن الدائرة الانتخابية ذاتها في حال وفاة النائب الأول الفائز أو استقالته.
تجديد البرلمان العراقي الثقة بالحلبوسي
وفي السياق، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "جلسة مجلس النواب اليوم، هي للتصويت على بند استقالة رئيس المجلس، والتي سيتم رفضها وتجديد الثقة به"، وأضاف أن "الحلبوسي يريد من هذه الخطوة نيل ثقة نواب الإطار والاتحاد الوطني الكردستاني وتحالف العزم، الذين لم يصوتوا له سابقاً".
الفتلاوي: الحلبوسي أراد من خطوة تقديم استقالته التخلص من أي ضغوطات عليه من قبل التيار الصدري، للمضي مع ائتلاف إدارة الدولة
وأضاف الفتلاوي أن "الحلبوسي أراد من خطوة تقديم استقالته التخلص من أي ضغوط عليه من قبل التيار الصدري، من أجل المضي مع ائتلاف إدارة الدولة (الذي يجري الحديث عن حراك لتشكيله من قبل الإطار وقوى كردية وسنية) لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة خلال الأيام المقبلة".
وأوضح أن "هناك بنداً ثانياً ضمن جلسة اليوم، وهو انتخاب النائب الأول لرئيس البرلمان"، مشيراً إلى أن "هذا المنصب هو من حق قوى الإطار التنسيقي، لكنها تنازلت عنه لصالح النواب المستقلين وهم بدورهم رشحوا النائب المستقل محسن المندلاوي، وبعد ساعات سيكون الأخير هو النائب الأول بتصويت أغلبية النواب".
وأكد القيادي في "الإطار التنسيقي" أن "ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لن يكون ضمن أعمال جلسة مجلس النواب اليوم، فهذا الملف يحتاج إلى المزيد من التفاهم والتفاوض ما بين القوى السياسية، خصوصاً مع التيار الصدري".
جدل بشأن محسن المندلاوي
في المقابل، اعتبرت مصادر سياسية في التيار المدني العراقي أن المندلاوي غير محسوب على فئة النواب المستقلين والمدنيين، وكونه دخل بقائمة منفردة في الانتخابات، لا يعني أنه مستقل، وتوجهاته قريبة من قوى "الإطار التنسيقي".
ووفقاً لما قاله عضو التيار المدني أحمد حقي، لـ"العربي الجديد"، فإن "محاولة الزج بالمدنيين أو المستقلين في التحاصص أو التوافق المقبل، يعد خبثاً واضحاً، كون موقفهم هو رفض التقاسم الطائفي والتوافق المكرر بين الأحزاب الشيعية والسنية والكردية".
"التيار الصدري" متمسك بمواقفه
من جهته، علّق عضو بارز في "التيار الصدري" على جلسة اليوم المرتقبة، في حديث مع "العربي الجديد"، بالقول إن "استقالة الحلبوسي غير حقيقية وتعتبر مناورة بالاتفاق مع القوى السياسية الساعية إلى تشكيل ائتلاف إدارة الدولة، وهذا الأمر أصبح مكشوفاً للجميع".
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "قرار استقالة نواب التيار الصدري من البرلمان نهائي ولا رجوع عنه، وحتى وإن أصدرت المحكمة الاتحادية قراراً ببطلان الاستقالة، فنواب التيار سيقدمونها من جديد إلى رئاسة المجلس، وهذا الأمر محسوم بشكل قطعي".
عضو بالتيار الصدري: قرار استقالة نواب التيار نهائي ولا رجوع عنه
وتابع أن "التيار الصدري ما زال مصراً على المطالبة بحل مجلس النواب وتحديد موعد لانتخابات مبكرة، وتشكيل حكومة مستقلة غير تابعة للإطار، مع تعديل الفقرة الخاصة بتحديد الكتلة الكبرى"، كما أشار إلى أن "التيار ما زال رافضاً لإجراء أي حوار وتفاوض مع كافة القوى السياسية من دون استثناء".
ولوّح المصدر بأن الصدريين "سيكون لهم موقف تجاه أي تحرك لتشكيل أي حكومة جديدة من قبل الإطار التنسيقي على أساس التوافق"، معتبراً أن "العودة للاحتجاجات أمر وارد".
من جهتها، أكدت القوى الكردية أن حضورها جلسة اليوم لن يكون من أجل مناقشة تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "جلسة البرلمان المقررة اليوم، لا علاقة لها بقضية تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً أن الخلاف الكردي – الكردي ما زال قائماً على مرشح رئاسة الجمهورية، إضافة إلى الخلاف الشيعي – الشيعي على مجمل عملية تشكيل الحكومة".
وأوضح عبد الكريم أن "العمل البرلماني بشقّه التشريعي والرقابي، يجب أن يعود لوضعه الطبيعي، بعيداً عن خلاف وصراع تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا ما اتفقت عليه القوى السياسية أخيراً، ولهذا ستُعقد جلسة اليوم بهدف تجديد الثقة بالحلبوسي وانتخاب النائب الأول له".
وأشار عبد الكريم إلى أن "عودة جلسات البرلمان لا تعني حل الأزمة وانتهاء حالة الانسداد، كما أن هناك خشية من تحرّك الشارع مجدداً من قبل أنصار التيار الصدري أو متظاهري تشرين (في إشارة إلى نشطاء تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، ولهذا الكل يترقب ما سيحدث بداية الشهر المقبل".
إمكانية عودة نواب الكتلة الصدرية للبرلمان
من جهته، قال الخبير الدستوري والقانوني علي التميمي، خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "عودة أعضاء الكتلة الصدرية المستقيلين ممكنة دستورياً، وذلك بتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة 93 من الدستور، لأن الاستقالة لم يصوت عليها البرلمان، والقرار أولاً وأخيراً يعود للمحكمة الاتحادية العليا، وقولها باتّ وملزم للسلطات كافة".
وأضاف التميمي أنه "إذا حكمت المحكمة الاتحادية بعودة نواب الكتلة الصدرية، فإنهم لن يحتاجوا إلى أداء القسم من جديد ويعتمد اليمين السابق، خصوصاً أن الطعن المقدم ينصبّ حول أهلية قبول الاستقالة من قبل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وعدم دستوريتها"، مشيراً إلى أنه "يحق لأي مواطن الطعن، سواء أكان محامياً أم شخصاً عادياً، لأن الشعب هو الذي انتخب وهو مصدر السلطات وفق المواد 5 و6 و20 من الدستور".
عبد الكريم: عودة جلسات البرلمان لا تعني حل الأزمة وانتهاء حالة الانسداد
وبين التميمي أن "عودة نواب الكتلة الصدرية ممكنة خلال الساعات المقبلة بقرار من المحكمة الاتحادية، خصوصاً أن هذا القرار يمكن أن يكون جزءاً من حل الأزمة السياسية، وبكل تأكيد هذا الأمر ستأخذه المحكمة بعين الاعتبار".
وازدحمت في الساعات الماضية الأحداث السياسية في العراق، وكان أبرزها إصدار رئاسة البرلمان وثيقة تظهر قراراً باستئناف جلسات مجلس النواب، اليوم الأربعاء، بعد توقيف دام لنحو شهرين، وعلى رأس جدول أعمال الجلسة التصويت على استقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه، في خطوة تبدو مدروسة. إذ توقع البعض عدم قبول هذه الاستقالة، ووضعوا المسألة في إطار تجديد الثقة برئيس المجلس وتأكيد شرعيته التي تشكك فيها بعض القوى، ولا سيما داخل "الإطار التنسيقي".
وتأتي خطوة استئناف عمل البرلمان على عكس ما يُنادي به زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يطالب بحل هذه المؤسسة والذهاب لانتخابات مبكرة.
كما أن خصوم الصدر يبدون في موقف المتقدم عليه، في ظل ما برز في الساعات الماضية من حديث عن تشكيل ائتلاف تحت اسم "إدارة الدولة"، يضم "الإطار التنسيقي"، وحلفاء الصدر قبل انسحابه من المشهد، على الرغم من أن الغموض لا يزال يلف هذا التحالف ولا معلومات رسمية بشأن تشكيله فعلاً.