دعا الرئيس اللبناني ميشال عون القضاة في لبنان إلى أن "ينتفضوا لكرامتهم وسلطتهم، ولا يهابوا ظلم أصحاب النفوذ"، وذلك في معرض توجيهه كلمة إلى الجسم القضائي، اليوم الثلاثاء.
وعرّج عون على قضيتي حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وانفجار مرفأ بيروت بشكل أساسي للتصويب على القضاء، من بوابة دعوته إلى "التحرّر من الترغيب والترهيب"، علماً أن حاكم مصرف لبنان يتذرع بتمرّده على القرارات القضائية، كما المصارف، بالتدخلات السياسية، خصوصاً من المقرّبين من فريق عون. كما يُتَّهم حليف رئيس الجمهورية "حزب الله" بالدرجة الأولى بتعطيل التحقيقات بانفجار بيروت إلى جانب "حركة أمل" (بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري)، في حين يصوَّب على الرئيس عون بعرقلته التشكيلات القضائية.
وطلب عون من القضاء في كلمته "أن يواجه كل من يقيّد عدالته في المصرف المركزي، كما في انفجار مرفأ بيروت، حيث لا تزال أنفس الضحايا والجرحى وأهاليهم والمتضررين مضطربة، كما هي حال الموقوفين المظلومين وأهاليهم أيضاً".
وقال عون: "في التاسع من يونيو/حزيران الماضي، وبناءً على المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، حرّك القضاء المختص دعوى الحق العام بحق المدعى عليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشركائه والمتدخّلين معه بجرائم ماليّة خطيرة، ويزيد من خطورتها أنّ المشتبه به الأوّل بارتكابها هو حاكم مصرف مركزي، وهي تحديداً جرائم الاختلاس والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي".
وأضاف: "بعدما تم إنجاز كامل التحقيق، الذي أظهر الارتكابات والمسؤوليات وتقديم ورقة طلب تقضي بإحالة المدّعى عليهم من قبل النيابة العامة الاستئنافية في بيروت أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت، ومنذ ذلك الحين، تقاسم القضاة المعنيون التهرب من المسؤولية من دون أن يتمّ الادّعاء وفق الأصول القانونيّة، ما يجعلني، من موقعي ودوري كرئيس الدولة، وبموجب قسمي الدستوري، أطالب القضاء بالتحرر الكامل من أيّ ترغيب أو ترهيب، وهما جرمان لا يليقان بالسلطة القضائيّة".
وأشار عون إلى أنه يعرف "أنّ القضاء المسيّر أو المأسور يعني في مكان ما أنّ هناك من يقيّده، وقد يكون متضرراً من عدالته، وهو حتماً صاحب نفوذ كي يجد إلى تعطيل سلطة دستوريّة كالقضاء سبيلاً، ولكنّه حتماً يجد أذناً صاغية".
"تحرر قضائي شامل"
وفي السياق، يقول منسق الدائرة القانونية لمجموعة "رواد العدالة" المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد"، إنه يؤيد إشارة الرئيس عون إلى وجوب عدم ارتهان القضاء وتحرره وضرورة انتفاضته، ولكن بهدف انتزاع استقلالية سلطته القضائية لوضع حدٍّ للتدخلات السياسية، كما نؤيد وجوب تفعيل العمل القضائي في ملاحقة حاكم المصرف المركزي، وعراب صفقات الفساد على مرّ عقودٍ، ولكن على أن يتم التعاطي مع الملف بجدية وليس بكيدية ومحسوبية"، مشدداً على أنه "لا يمكن الركون أيضاً إلى سياسة الترغيب والترهيب التي يمارسها الحاكم على القضاة بالنسبة إلى مداخيلهم بصورة مبطنة أو مستترة".
في المقابل، يشير عزو إلى أن عدم تبعية القضاة وارتهانهم يعني أيضاً وجوب عدم ارتهانه للفريق السياسي التابع لرئيس الجمهورية، أي "التيار الوطني الحر" (يتزعمه صهر عون النائب جبران باسيل)، إذ لا يمكن أن يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد، أو اتباع سياسة الكيل بمكيالين، وبالتالي فإن التحرر القضائي يقتضي أن يكون شاملاً ويطاول كل الأحزاب السياسية.
تبعاً لذلك، يشدد عزو على "ضرورة ألا يرضخ القضاة لأي فريق سياسي، أو يتلقوا الأوامر من أي حزب كان، لما في ذلك من ضرب للعدالة، من هنا أهمية الانتفاضة التي يطالب بها الرئيس عون، والتي يجب أن تشمل فريقه السياسي بعدم التدخل في ملفات تطاوله، وهو ما حصل في قضايا عدة، خصوصاً المرتبطة بوزارة الطاقة التي تَعاقَب عليها وزراء محسوبون على الرئيس عون".
من ناحية ثانية، يتوقف عزو عند ملف التشكيلات القضائية "على علاتها" التي يعطّلها عون بوضع مرسومها في "الجارور"، ولم يبصر النور بعد، مؤكداً في هذا المجال أهمية تحريره، وإعادة النظر بالتشكيلات "كونها لا تراعي في الحقل الجزائي الموضوعية والكفاءة، بل المحسوبية والحزبية".
"هذا كله يتطلب في المقابل تحرير القضاة من جميع العوائق التي من شأنها أن تؤثر عليهم"، وتالياً يدعو عزو إلى "إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية ليصار إلى تعيين القضاة من داخل الجسم القضائي، ليضمن كل قاضٍ عدم رضوخه لأي سياسي، وهو ما يجب أن يسعى الرئيس عون وفريقه السياسي لإقراره في حال كان جدياً بمطالباته".