ليس اليمن سعيداً، ولا غيره، حيث تنمو جمهوريات المليشيا العسكريتارية، كسلطات أمر واقع فوق جماجم وجراحات الملايين.
الموت بالتدافع في صنعاء، يشبه غيره عربياً. والغرق في مياه البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن خلاص فردي، ليس إلا تذكيراً بأصل مأساة ازدراء قيمة البشر.
بلغة أخرى، كان يمكن لمقولة: عيد فطر سعيد، أن تمنح صغار العرب بعض فسحة من هذا العبث المستوطن في بلدان التحول إلى فوضى، تطبيقاً لجنون عظمة "جنرالات" أطلال الدول، كأسوأ مراحل ما بعد "جلاء الاستعمار".
بعضنا، ومنذ نعومة الأظفار، ظل يسمع: السودان يمكن أن يكون سلة غذاء العالم العربي. اليوم يذكّرنا المتقاتلون على مغانم السلطة بأسباب قتل الفكرة في مهدها، وألا يصير السودان ملك شعبه.
أليس صحيحا نسبياً أنه حيثما حلت المليشيا، والعسكريتارية الانقلابية، وليس بالضرورة بالسلاح، يحل مشهد متخلف، دامٍ، وقوده الشعب، المطلوب منه الموت بكل الطرق، تحت عناوين سخيفة؟
من صنعاء إلى بغداد ودمشق وبيروت والخرطوم وطرابلس وتونس، وبقية القائمة، ثمة ثوابت واضحة، ومشتركات لا يمكن حجبها عمن كبر على شعارات أكبر من نياشين المتسلطين، بلباسهم المدني والعسكري-الأمني. فمثلاً بعض صحافة أوروبا تسأل بسذاجة: أما آن للجامعة العربية إظهار مسؤوليتها في السودان وبقية القضايا العربية؟
فأي ثقل بقي لنظام عربي سلطوي؟ وهو يُحوّل دوله إلى تأثير صفري، أو هامش من هوامش رغبات الفوضى، وتنافس على إشاعة الحكم المليشياوي، تصير فيه دول الشعوب مجرد خزانات نهب؟
حين قال مواطن سوري موالٍ لنظام أمني قتل وهجر شعبه: أريد العيش كمواطني الدول المهزومة، فإنه بذلك أشار إلى الكذبة الكبرى، التي عاشها مسحوقو الشعارات الشعبوية. ورغم ذلك، يصر بعض العرب، المتهمين أصلاً بالتآمر، على القفز عن برك الدم السوري بحجج "الاحتواء" وتخليص سورية، بعد تحولها إلى جمهورية مليشيا، لإبقاء نظام جُرِّب كثيراً، حتى في استغلاله المخزي لضحايا الزلزال الأخير.
في بعض عالمنا العربي، المحكوم من سلطات "مليشيات ما فوق الدولة"، والذي انفجر قهراً في ربيع تآمروا عليه منذ 2011، بات اليوم مأزوماً، يعيش ضغوطاً هائلة تتعلق بقيمته كإنسان، وهي بالتأكيد لن تولد خنوعاً جمعياً. إذ كان يمكن للعسكريتارية-المليشياوية النزول من أعالي الشجر، من دون الحاجة لانفجارات تتراكم مقدماتها. مع ذلك يبقى العيد عيداً مباركاً.