توفي الاثنين النائب السابق وأبرز الشيوعيين الأردنيين، عيسى مدانات، عن عمر يناهز 94 عاماً، بعد أن ترك بصماته في مسيرة اليسار الأردني، تاركاً إرثاً نضالياً طويلاً تعرض خلاله للاعتقال والفصل من الوظيفة عدة مرات على خلفية مواقفه السياسية.
وكتب الأمين العام للحزب "الديمقراطي الاجتماعي" الأردني والنائب السابق، جميل النمري، في صفحته على "فيسبوك": "رحل عيسى مدانات القائد الوطني التاريخي، من الآباء المؤسسين للعمل السياسي والحزبي الأردني، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الأردني، وعضو مجلس النواب الحادي عشر عن الكرك في أول انتخابات حرة، بعد التحول الديمقراطي عام 1989".
وأضاف: "كان عيسى مدانات منظر الحزب والمشرف على جريدته المركزية (الجماهير)، وقال لي بعض الأعمام من كبار العائلة إنهم في الخمسينات أصبحوا شيوعيين على يده، إذ عمل مدرساً في الحصن لعامين. كان مناضلاً صلباً، صمد رغم كل أشكال المنع والتضييق والسجن، وكان له كاريزما قيادية مميزة داخل وخارج الحزب"، وفي انتخابات 1989 "حصل مدانات، لأول مرة، على فرصة مخاطبة الناس علناً وفي لقاءات عامة، وليس عبر نشرة سرية، فسحر الجمهور وفاز باكتساح، كانت مرحلة عبور الحواجز ومغادرة الخنادق وتعرف الناس على بعضها".
وأضاف: "بعد وقت قليل من التحول الديمقراطي، كان عيسى مدانات، القائد الشيوعي، على موعد مع انهيار الاتحاد السوفييتي، فلم يكابر ويبرر، بل دعا لإجراء مراجعة شاملة ومغادرة الفكر الشمولي والتكيف مع مرحلة الديمقراطية، فانقسم الحزب وأنشأ مدانات الحزب الاشتراكي الأردني، وكانت الظاهرة نفسها تتكرر في أحزاب أخرى، فتلاقت هذه الأطراف في مشروع توحيدي للتيار الديمقراطي (الحزب الديمقراطي الوحدوي)، وأصبح عيسى مدانات رئيساً للحزب".
بدوره، كتب الباحث والصحافي، أحمد أبو خليل، في صفحته على فيسبوك تحت عنوان: "قصة أبو عامر مقطع في عمق الاجتماع السياسي الأردني"، مضيفا أنه "وُلد في بلدة أدر/ الكرك عام 1927، ليبدأ سيرة استثنائية من المعاناة والمثابرة على كل المستويات، وبمساعدة أم صبورة وثلاث شقيقات مضحيات، وضعن نجاح الابن والأخ هدفاً رئيسياً لهن، تمكن من نحت تجربة فريدة".
وأضاف: "وبدلاً من أن يسعى للخلاص والنجاح الفردي، وجد مدانات طريقه للنضال الجماعي مع مجموعة مماثلة من الشباب الحالمين ولكن المستعدين للتضحية في سبيل حلمهم"، مشيراً إلى أن "رحلته بدأت من الكرك، جنوب الأردن، إلى القاهرة ثم بيروت، ثم العودة مجبراً للقاهرة، أنجز تعليمه، ثم إلى العمل، ثم سلسلة الاعتقالات ابتداء من مطلع الخمسينات، فهو واحد من أبرز أول مجموعة بادرت إلى العمل الشيوعي في الأردن".
وتابع: "اشتهر أبو عامر بحدته في المواجهات مع الأمن"، ناقلاً عن قادة أحد الأجهزة الأمنية أنه "مع حدته كان يحضر بكامل قيافته (بدلة وربطة عنق)، كان دوماً عند كل استدعاء يرتدي تحت البدلة بيجامته استعداداً للاعتقال".
من جهته، يقول الكاتب والصحافي، محمود الريماوي، الذي صاغ السيرة الذاتية لمدانات: "إن مدانات، شأنه شأن العديد من الرموز الشيوعية، ينحدر من قرية أدر لأسرة ريفية، وقيض له وهو الابن الوحيد مع ثلاث شقيقات، أن يحرم من الأب في أثناء طفولته".
ويتابع الريماوي: "وبعد أن استكمل تعليمه في الجامعة الأميركية في القاهرة كلية العلوم قسم الرياضيات، التحق معلماً بمدرسة السلط الثانوية ثم مدرسة الحصن في السلط، وتوثقت علاقته مع سليمان النابلسي وعبدالحليم النمر، وبدأت وشائجه تتعمق مع رموز الحركة الوطنية في مطلع الخمسينات، والتحق بعدئذ بوزارة الاقتصاد مع المرحوم عبدالوهاب المجالي، لكنه لم يمكث فيها سوى بضعة أشهر، حيث تم فصله لأسباب سياسية، ومنذ ذلك الحين ظل محروماً من الخدمة في القطاع الحكومي".
ويتابع الريماوي عن مرحلة الخمسينات من القرن الماضي أن "مدانات دخل إلى السجن بعد فرض الأحكام العرفية عام 1958، وبقي معتقلاً حتى 1966، ليخرج بعدئذ الى منفاه في موسكو محج الشيوعيين وملاذهم. وعاد إلى بلاده بعد عامين، وذلك بعد استدعائه من قبل الملك الحسين أثناء زيارته موسكو، العاصمة السوفييتية، وكان الملك أخذ على مدانات في كتابه "مهنتي ملكاً" التحريض على التظاهر".
ويضيف: "ما إن عاد إلى الوطن حتى واصل عيسى مدانات نشاطه القيادي والسري في الحزب الشيوعي، ويصفه أعضاء سابقون في الحزب بأنه كان في منزلة العقل النظري للحزب، ومحرر وكاتب صحيفتي "الجماهير" و"الحقيقة"، وقبل ذلك كان أسس جريدة "الفجر" كاتباً ومحرراً لها، لم تعمر سوى لعدد واحد يتيم، حيث عاد إلى ما وراء القضبان، وكان معهوداً في المطبوعات الحزبية العربية أن ينهض بها محرر أو اثنان مع إنكار الذات أي دون توقيع الأسماء".
إلى ذلك، لم يعرف عن مدانات، كما يقول عارفوه، ولعه بالمناورات والكولسات الداخلية، التي ميزت العديد من الأحزاب، بما فيها الشيوعي، الذي شهد العديد من التكتلات والانشقاقات.