بعد حبس أنفاس لمدة أسبوع، صدرت مساء الثلاثاء لائحة الاتهامات الجزائية (4 بين التآمر والتحايل على الدولة) المتوقعة ضد الرئيس السابق دونالد ترامب في قضية 6 يناير/كانون الثاني 2021 ومحاولة انقلابه على نتائج انتخابات 2020، وهي الثالثة خلال الأشهر الأخيرة، إلى جانب قضيتي الوثائق السرية والرشوة المالية لإحدى خليلاته خلال حملة انتخابات 2016.
وثمة لائحة أخرى متوقع صدورها خلال أغسطس/آب الجاري، في قضية "تآمره" للإطاحة بنتائج ولاية جورجيا في تلك الانتخابات. لكن لائحة اليوم تبقى الأقوى ضده لكونها فريدة وتاريخية في موضوعها، إذ لم يسبق أن جرى اقتحام الكونغرس من طرف سياسي حتى في زمن الحرب الأهلية.
وعليه سيحضر ترامب، الخميس، كموقوف أمام المحكمة الفيدرالية لإبلاغه بلائحة الاتهامات في هذه القضية وتخييره بين الاعتراف بالذنب أو نفي التهمة. وطبعاً سيختار النفي. بعد ذلك ترفع الجلسة على أن يتحدد لاحقاً موعد لبدء المحاكمة لن يكون قبل وقت ما في العام القادم، وقد يسبق أو يتبع افتتاح المحاكمة في قضية الوثائق السرية المقّر في 20 مايو/أيار 2024.
فريق ترامب القانوني سيلعب ورقة تمديد هذه المحاكمات بحيث يتأخر صدور الأحكام وتأثيراتها إلى ما بعد يوم الانتخاب في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وفي ضوء السوابق من المستبعد أن تنتهي قبل ذلك التاريخ، ولو أن توقعات قسم كبير من القانونيين ترى العكس في هذه القضية، على اعتبار أن معطياتها واضحة وبما يقطع الطريق على التمديد وبالتالي توظيفها للتأثير على خيارات الناخبين المستقلين، خاصة إذا ما سمحت المحكمة بنقل جلساتها بصورة حيّة.
هذه المحاكمات الغارق فيها ترامب وبقطع النظر عن نهاياتها القضائية البعيدة، قد تغيّر وجه معركة 2024.
حتى الآن، كل انكشافاته القانونية لم تنعكس سلباً على رصيده، بل على العكس ازداد تمسك قاعدته الانتخابية به، اعتقادا منها بأن سيل الاتهامات ضده مصمم لحرمانه من كسب معركة الترشيح. والأرقام تظهر أنه ما زال متقدماً على أقرب المنافسين الجمهوريين إليه رون ديسانتيس بنسبة 3 إلى واحد، فيما الـ11 مرشحاً الآخرون غير قادرين على الإقلاع بعد.
استمرار هذه المعادلة طوال الشهرين الماضيين بالرغم من كومة الاتهامات ضد ترامب ومن محاولات قيادات الجمهوريين المناوئين له لوقف زحفه، أثار خشية جدّية بأنه صار من الصعب مزاحمته على الفوز بترشيح الحزب.
بذلك تتجه الأمور نحو معركة بين ترامب القوي جمهوريًا وبايدن القوي ديمقراطياً. كلاهما رصيده الآن 43% حسب استطلاع "نيويورك تايمز"، أمس الأول الاثنين. تَعادُل رخو فرضه خلو الساحة من منافسين آخرين، إذ إن 70% من الناخبين، وفق استطلاع آخر، يرون أنه لا بايدن ولا ترامب مرغوب فيه. الأول مسنّ زيادة والثاني صارت لطخاته القانونية غير مقبولة.
على هذه الأرضية جرى تحريك خيار المرشح الثالث من خارج الحزبين، وقد جرى طرحه من جانب محسوبين على الخندق الديمقراطي، مثل السيناتور جو مانشين والسفير الجمهوري السابق في موسكو جون هنتسمن، والأستاذ الجامعي كورنيل ويست.
التوجه هذا ما زال في دائرة جس النبض، ومثل ويست ليس أكثر من اعتراض رمزي على بايدن وترامب. ثمة تعب بل رفض وإن لأسباب مختلفة، من الاثنين.
بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق حقيقي من مفاجآت أو من مواجهة أمر واقع تترتب عليه تداعيات كبيرة، إذا بقيت المعركة محصورة بينهما. لكن في الوقت ذاته، تجربة المرشح الثالث كانت هي الأخرى غير مشجعة ومكلفة.
في انتخابات 1992 لم يقو المرشح المستقل روس باروت على الفوز رغم ضعف المرشحين بيل كلينتون وجورج بوش الأب، وبما تسبب بهزيمة هذا الأخير. وفي عام 2000 أدى حصول المستقل رالف نادر على 2.75% من الأصوات إلى هزيمة آل غور. التخوف نفسه يفرمل النزول هذه المرة لمرشحين مستقلين. لكن في بعض القراءات أن المعركة الحالية لا شبيه لها بمعطياتها المشجعة على المجازفة والدخول إلى المعركة بمرشح مستقل، من زاوية أن ترك المنافسة بين بايدن وترامب ينطوي على مخاطر من الصعب احتواؤها.
الفكرة مطروحة، ومع اقتراب البدء في انتخابات التصفية الحزبية وتفاقم متاعب ترامب القانونية، لا يستبعد أن تتكرر تجربة المرشح الثالث وبما قد يخلط أوراق المعركة بصورة تتخطى التوقعات.
المؤكد أن فترة الـ15 شهراً القادمة ستكون مشحونة بالتوتر الانتخابي. البعض يضعها في خانة "الاستفتاء على الديمقراطية في أميركا"، وثمة من لا يخفي مخاوفه على هذه الأخيرة على أساس أن ترامب لن يغادر بسهولة إذا خسر ولن يحكم بغير "الانتقام" على حد تعبيره، إذا فاز، فهذه الانتخابات هي "المعركة الأخيرة" بالنسبة اليه، كما قال، وكلامه هذا في ضوء ما جرى بعد انتخابات 2020، أثار الخوف من تكرار السيناريو ولو أن تلك التجربة انتهت إلى محاسبة حازمة لها وأدت إلى انفراط معظم بطانة ترامب من حوله.
لكنه ما زال صاحب مونة على شارع منفعل رغم أنه اكتوى بمغامرة 6 يناير. وهو يخوض انتخابات 2024 ليتخلص من آثار تلك النكسة. وربما يعوّل على عفو رئاسي كما حصل مع نيكسون، إذا جاء جمهوري أو حتى مستقل إلى البيت الأبيض. كله وارد ولحين أن يتقرر من الرئيس القادم.