غرينلاند.. سجال دنماركي حول استقلالها وسط خشية استغلال ترامب للسيطرة عليها

07 يناير 2025
علم جزيرة غرينلاند في إحدى قراها، 5 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتزايد الدعوات في غرينلاند لإجراء استفتاء حول الاستقلال عن الدنمارك، مع إعداد دستور جديد كخطوة نحو الانفصال، بينما تبقى قضايا السيادة والدفاع تحت سيطرة الدنمارك.
- يثير نقاش الاستقلال قلقاً في الدنمارك بسبب الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لغرينلاند، مع تباين المواقف السياسية بين اليسار الداعم لحق تقرير المصير واليمين المعارض للانفصال.
- تتزامن هذه التطورات مع مخاوف من تدخل الولايات المتحدة، حيث يرفض القادة الغرينلانديون محاولات السيطرة، مؤكدين أن الجزيرة "ليست للبيع".

يبدو أن السجال حول جزيرة غرينلاند برغبة أميركية للسيطرة ولانتزاعها من الدنمارك، بعد عودة الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب إلى نغمة الاستحواذ على الجزيرة؛ وهي فكرة طرحت سابقاً في عام 1946 لقاء 100 مليون دولار، يجعل ساستها هذه الأيام أكثر جرأة في الحديث عن ضرورة الاستقلال عن كومنولث التاج الدنماركي، الذي يجمعها تحته مع جزر فارو.

ومع دخول العام الجديد 2025 يتزايد مطلب إجراء استفتاء شعبي لتقرير مستقبل غرينلاند. ذلك ما ذهب إليه رئيس حكومة الحكم الذاتي فيها، ميوت بي إيغيدي، مطالباً كوبنهاغن ترك شعبه الصغير (نحو 56 ألف نسمة على أكثر من مليوني كيلومتر مربع) ليقرّر مستقبله. ويؤكد هذا الشاب الاستقلالي أن "الوقت حان لاتخاذ الخطوة التالية لبلدنا". وكشف إيغيدي لوسائل إعلام محلية، اليوم الثلاثاء، أن برلمان الحكم الذاتي والحكومة يباشرون الآن في إعداد دستور جديد كأساس للانفصال عن كوبنهاغن.

والحكم الذاتي الموسّع في الجزيرة (أقرّ في 2008 باستفتاء شعبي) يعطي السلطات التشريعية والإدارية في غرينلاند مسؤولية عدد من المجالات التي تؤثر في حياة السكان اليومية، على سبيل المثال، المدارس ودور رعاية المسنين والبنية التحتية. في المقابل فإن غرينلاند لا تستطيع أن تقرر بنفسها دستوراً خاصاً أو مسائل المواطنة والمحكمة العليا والسياسات الخارجية والدفاعية-الأمنية والعملة والسياسة النقدية، بما يعني أنها مسائل تقرّرها الدنمارك، بما فيها الاتفاقيات المتعلقة بسياسات الدفاع والأمن. وهو ما يريد الساعون للاستقلال تغييره.

تباين المواقف بشأن غرينلاند وخشية انحسار المملكة

يعد نقاش استقلال غرينلاند بالنسبة لبعض ساسة مملكة الدنمارك (خسرت في الحروب بعض أراضيها للسويد ولمصلحة ألمانيا في حرب 1863)، أمراً حساساً بسبب موقع الجزيرة الحيوي والاستراتيجي بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي، إلى الشرق من مضيق ديفيس وجزر القطب الشمالي التابعة لكندا، ما يجعلها جغرافياً أقرب إلى أميركا الشمالية، بالإضافة إلى النواحي الاقتصادية والمواد الأولية المهمة والدفاعية القطبية. كما أن نقاش الاستقلال قد يفتح الباب أمام انفراط عقد الكومنولث، إذا ما اختارت جزر فارو أيضاً المطالبة بالاستقلال. ومنذ خسارة التاج الدنماركي النرويج في 1814 لمصلحة السويد، أثناء "حروب نابليون"، احتفظت كوبنهاغن بالسيطرة على غرينلاند وجزر الفارو، وخسر تاجها لاحقاً أيسلندا التي استقلت.

رئيسة حكومة الدنمارك ميتا فريدركسن (من يسار الوسط) طالبت، في كلمة لها مساء رأس السنة الجديدة، بتعزيز التعاون بين أجزاء الكومنولث، جزر الفارو وغرينلاند والدنمارك، بدل التسليط على الاستقلال. وأدى ارتفاع سجال النزعة الاستقلالية في غرينلاند إلى سجال آخر في كوبنهاغن يكشف تفاوت المواقف الحزبية الدنماركية بشأنه.

وعلى عكس فريدركسن الرافضة ضمنياً للاستقلال، فإن اليسار الاشتراكي الدنماركي، وعلى لسان مقرر السياسات الخارجية وغرينلاند في حزب الشعب الاشتراكي، كارستن هونغ، أظهر اليوم الثلاثاء تفهمه لرغبة غرينلاند في الذهاب نحو استفتاء شعبي على الاستقلال، بل متمنياً لهم "التوفيق في خلق مستقبل يقررون فيه بأنفسهم". ويستند موقف اليسار الاشتراكي إلى ما يضمنه القانون الدولي والأمم المتحدة بشأن حق تقرير المصير، وفقاً لهونغ.

على عكس تأييد الاشتراكيين استقلال غرينلاند جاء موقف اليمين القومي المتشدد معارضاً تماماً لتلك الخطوة. ويقدم موقف حزب الشعب الدنماركي (قومي يميني متشدد) نموذجاً لاعتراض القوميين واليمين الدنماركي لانفصال الجزيرة عنهم، إذ أعلن رئيس كتلتهم في البرلمان ميكيل بيورن عن "رفض قاطع لرغبة غرينلاند الاستقلال بعد إجراء استفتاء شعبي". ينظر اليمين المتشدد إلى طلب الاستقلال بمثابة تفكيك لمملكة الدنمارك، مستنداً إلى فكرة أن "غرينلاند هي دنماركية منذ عدة قرون، وباتت جزءاً من الأراضي الوطنية".

وفي صفوف الحزب الاجتماعي الديمقراطي، الذي تتزعمه رئيسة الحكومة فريدركسن، ترتفع أصوات وازنة رافضة لنغمة الاستقلال الغرينلاندي، كما يفعل مسؤول لجنة غرينلاند في برلمان كوبنهاغن أندرس كرونبورغ. ذلك وسط انضمامه إلى جوقة مهددين بوقف المنحة الاقتصادية السنوية لاقتصاد الجزيرة، والمقدرة بنحو أربعة مليارات كرونه دنماركية، وتمثل نحو نصف موازنتها السنوية.

من ناحيته، عبر وزير الخارجية الأسبق والقيادي في حزب راديكال فينسترا (يسار وسط) مارتن ليدغورد عن "الأسف" إذا ما اختارت غرينلاند الانفصال، مؤكداً في الوقت ذاته "ضرورة احترام ما يختاره شعبها".

ويشير بعض السياسيين في البرلمان الدنماركي إلى أن استقلال غرينلاند أمر "غير ممكن وليس واقعياً". ذلك أقلّه ما يذهب إليه حزب الليبراليين في عدم حماسته لحق تقرير مصير غرينلاند بنفسها، ودائماً بحجة الحفاظ على وحدة المملكة. نفس الموقف المعارض يظهره حزب المحافظين، إلى جانب تردد يمين الوسط عموماً لناحية انفصال الجزيرة الضخمة عن حكم كوبنهاغن. وتنبع أهمية السجال السياسي في الدنمارك من أن البرلمان الدنماركي يجب أن يوافق أغلبيته على منح الجزيرة الاستقلال، إذا ما جرى استفتاء شعبياً.

وفي العموم، من الواضح أن التردد، بحسب المواقف الحزبية، لا يشي بوجود أغلبية لتأييد الاستقلال. ويتزامن ذلك مع ذهاب جزيرة غرينلاند في إبريل/ نيسان المقبل نحو انتخابات برلمانية محلية، يتحوّل فيها مطلب الاستقلال إلى الموضوع الرئيسي.

إلى ذلك، يخشى بعض سياسيي كوبنهاغن من أن هذا التحوّل في النقاش عن علاقة بلدهم بمستعمرتها غرينلاند، وتعبير الساسة الشبان من الجزيرة عن استيائهم من الحكومة الدنماركية، يقدم فرصة للرئيس الأميركي المقبل ترامب للضغط أكثر نحو فكرة سيطرة واشنطن عليها.

مع ذلك، لا يبدو من تصريحات رئيس حكومة الحكم الذاتي للجزيرة، إيغيدي، وغيره من جيل الشباب الغرينلانديين، أنهم راضون عن محاولات ترامب تلك، بالقول: "نحن لسنا للبيع"، في رسالة تبدو مزدوجة لترامب ولحكومة كوبنهاغن، التي يعتقدون أنها تقرر عنهم دون الرجوع إليهم.