في ذكرى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 يرسم خبراء ومحللون سيناريو مختلفاً لسلوك إسرائيل في غزة، لو كانت الثورة قد واصلت مسارها في قيادة الدولة المصرية إلى مسارات تضع الأمن القومي لها في الشمال موضع الاهتمام اللازم.
ولم تبدأ لحظة عدوان إسرائيل على الثورة يوم اقتحام متظاهرين للسفارة الإسرائيلية في القاهرة في 9 سبتمبر/ أيلول 2011، بعد أن تسلق شبان مصريون مبنى شاهقاً وصولاً إلى مقر السفارة وأسقطوا العلم، بل بادرت إسرائيل الثورة بإيلاء العداء فور اندلاعها، معربة عن دعمها للرئيس الراحل حسني مبارك، لكنها سرعان ما تغيّرت إلى موقف أكثر تحفظاً، بعد أن أصبحت حقيقة سقوطه واضحة.
نجاح ثورة يناير لو حصل
في السياق، أكد المؤرخ الفلسطيني المقيم في القاهرة عبد القادر ياسين أنّ نجاح ثورة يناير كان كفيلاً بأن يشكل "طوق نجاة" للشعب الفلسطيني من المجازر الصهيونية المستمرة منذ أكثر من 100 يوم، وكان يستطيع "إجهاض هذه الإبادة الجماعية، وما كانت إسرائيل لتجرؤ على هذه العربدة، وهي مطمئنة لعدم وجود أي رد فعل عربي قوي".
واعتبر ياسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حالة "الصمت العربي الحالية إزاء مجازر الصهاينة في غزة بعد طوفان السابع من أكتوبر/ تشرين الأول تشكل كابوساً لكل عربي، إذ كانت إرادة الشعوب، ومنها الشعب المصري في حال حكمت ثورة يناير، ستمنع كل ما لحق بالفلسطينيين، وتوقف الإجرام الصهيوني".
عبد القادر ياسين: الثورة استطاعت، رغم حالة الضعف التي كانت تعاني منها، وقف العدوان على غزة عام 2012
ورأى ياسين أن "الثورة استطاعت، رغم حالة الضعف التي كانت تعاني منها، وقف العدوان على غزة عام 2012، إذ كان من يحكمون مصر في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي ينظرون إلى قضية فلسطين بقداسة"، مؤكداً أن "الكيان الصهيوني سخّر جميع إمكاناته لإفشال ثورة يناير، لأنه يخشى وصول أي نظام وطني لسدة الحكم في المنطقة".
من جهته، رأى نائب رئيس مركز الأزهر للدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، محمد سعيد إدريس، أن موقف مصر الثورة في التعامل مع العدوان الدائر على غزة كان سيختلف تماماً عن التعامل الحالي، والذي يمر شهره الرابع من دون تأثير، وكانت مصر ستتدخل بقوة لوقف العدوان، ولن تسمح باستمرار العربدة الصهيونية في المنطقة، بل كانت ستستخدم جميع أدواتها، وهي كثيرة، لإيقاف هذه المجازر باعتبارها تشكل تهديداً استراتيجياً لأمنها القومي وإضعافاً لخط الدفاع الأول في مواجهة الكيان، وهي غزة.
واعتبر إدريس، الذي شغل منصب رئيس لجنة الشؤون العربية في برلمان الثورة في مصر عام 2011، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مخاوف إسرائيل من نجاح الثورة كانت تدور في فلك القلق من حدوث تغيير في مواقف القاهرة من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وأن يخرج من رحم الثورة نظام حكم لا يتماهى مع سياساتها كما كان يجرى خلال 30 عاماً من حكم مبارك، ومولد تحول غير محسوب في مصر لا يعترف بالتزامات القاهرة في الاتفاقيات الموقعة بين البلدين بشكل منحاز لإسرائيل.
ولفت إدريس إلى أن إسرائيل كانت تتعامل مع الثورة كـ"طوفان سيقلب المنطقة رأساً على عقب"، كما فعل "طوفان الأقصى الذي أوقف مدّاً تطبيعياً عربياً جارفاً مع الكيان الصهيوني، في ظل جريان محاولات تصفية القضية الفلسطينية، فجاء الطوفان وأوقفها. وانتصار ثورة يناير كان سيعيد رسم خريطة المنطقة من جديد على غير هوى الكيان وداعميه الغربيين".
وأشار الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، أحمد بهاء الدين شعبان، إلى أن الأوضاع كانت ستختلف بشكل كبير حال نجاح ثورة يناير في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على غزة. واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "مصر لديها أدواتها التي لو تم تفعيلها لتمكنت من وقف هذه العربدة الصهيونية، وعدم تمرير المذابح مرور الكرام والاكتفاء بالإدانة اللفظية فقط".
وأضاف شعبان أن "هناك تحفظات شديدة على الموقف المصري، خصوصاً في ما يتعلق بمعبر رفح، إذ تستطيع مصر العمل على إدخال المساعدات والوقود وكافة أشكال الدعم للشعب الفلسطيني من دون انتظار موافقة إسرائيل، وهو أمر لم يكن ليحدث لو انتصرت ثورة يناير ووصلت إلى الحكم".
ولفت شعبان إلى أن العلاقات الوثيقة التي كانت تربط إسرائيل بنظام حكم مبارك أمّنت لها نوعاً من الاستقرار الاستراتيجي لثلاثة عقود على الأقل، التزمت خلالها مصر باتفاقيات السلام وبكافة أشكال التنسيق الأمني في سيناء، ولم يحدث خلالها ما يعكّر صفو العلاقات بين البلدين.
مجدي حمدان: أي نظام خارج من رحم يناير ما كان ليسمح بهذا العدوان
وأشار شعبان إلى أن عداوة إسرائيل للثورة كان دافعها القلق من إعادة النظر في تقسيم سيناء إلى مناطق، ووجود تسليح خفيف للقوات المصرية في مناطق بعينها بشكل يمنع التواصل الكامل مع قطاع غزة، علاوة على الخوف من عدم استمرار موقف نظام مبارك الحيادي من القضية الفلسطينية، وعدم ممارسة ضغوط حقيقية من قبل القاهرة لاستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
قلق إسرائيل من ثورة يناير
بدوره، اعتبر السياسي المصري مجدي حمدان أن أي نظام خارج من رحم يناير "ما كان ليسمح بهذا العدوان، وما كان ليسمح باستمرار السفارة والسفير الإسرائيلي في القاهرة، وكان سيعمل على حشد كافة البلدان العربية لمواجهة إسرائيل".
وعدّد حمدان في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أسباباً أخرى لقلق إسرائيل من ثورة 25 يناير وقتها، موضحاً أن "خشيتها من وصول قيادة ديمقراطية من رحم الثورة تلغي الامتيازات الصهيونية في معبر رفح ومحور فيلادلفيا، اللذين يشكلان حالياً شبكة أمان للجانب الصهيوني".
ولفت حمدان إلى خشية إسرائيل أيضاً من حالة التضامن الشعبي المصري مع الفلسطينيين، التي ظهرت بقوة من خلال الوفود الشعبية التي زارت غزة عقب ثورة يناير، مشيراً إلى أن "حالة التضامن التام والالتحام الكامل بين الشعب والجيش في الأيام القليلة التالية لنجاح ثورة يناير أرعبت إسرائيل، ما كان سيدفعها للتفكير مرات عديدة قبل القيام بالعدوان على غزة".
واتفقت تقارير لعدة مراكز أبحاث على أن التقديرات الإسرائيلية فشلت في توقع الثورة، وكشفت عن خوف مختلف المؤسسات الإسرائيلية على مستقبل اتفاقية كامب ديفيد. وتوقفت عند رغبة إسرائيل في الحفاظ على علاقات جيدة مع مصر، حتى لو كانت أقل تعاوناً مما كانت عليه في السابق.
وسعت إسرائيل إلى تكثيف الجهود والعمل مع قوى خارجية وداخلية بمصر على احتواء الثورة، عبر إجراءات عديدة، ومنها محاولة التأثير على مسارها من خلال الضغط على الغرب للوقوف إلى جانب مبارك، والاستعداد لسيناريوهات مختلفة بعد سقوطه، بما في ذلك احتمال حدوث اضطرابات، علاوة على السعي إلى التواصل مع أطراف مختلفة في مصر، بهدف الحفاظ على علاقات جيدة معها.
ولم تخف تل أبيب توجسها من سياسات أول رئيس منتخب بعد الثورة، الراحل محمد مرسي، الساعية لوقف العدوان على غزة وقتها عبر صيحته الشهيرة "لن نترك غزة وحدها"، وإرساله لرئيس وزرائه هشام قنديل لزيارة القطاع خلال اشتداد القصف الإسرائيلي على غزة، وهو ما شكل رسالة قوية بوقف العدوان، بحسب مراقبين حينذاك.
وعقب الانقلاب على الثورة والحكومة التي أفرزتها صيف عام 2013، أوعزت تل أبيب لقوى دولية وإقليمية بتقديم دعم مالي سخي للنظام المصري الجديد، وتماهت مع خطط أنظمة خليجية لإفشال باقي ثورات الربيع العربي، بحسب تقارير صحافية. واعترف سياسيون وإعلاميون مصريون يومها بالدور النشط لقادة إسرائيل في الولايات المتحدة لمنع إدانة ما جرى في 3 يوليو/ تموز 2013 وتجنب وصفه بالانقلاب العسكري.