تشهد محافظة حضرموت شرقي اليمن، منذ فترة، تصاعداً في الاحتجاجات الشعبية بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية والخدمات، في كبرى محافظات اليمن، وسط اتهامات للسلطات المحلية وللحكومة التي يترأسها معين عبد الملك، بتجاهل مطالب الناس.
وتخلل الاحتجاجات في الأيام الأخيرة قطع للطرقات، وإشعال للإطارات في أحياء ومدن المحافظة ولا سيما في مناطق الساحل والوادي والصحراء، فيما أدى مقتل أحد المحتجين وإصابة آخرين في منطقة حجر بالمحافظة على يد قوات الأمن، في 30 مارس/آذار الماضي، فضلاً عن اعتقال بعض الصحافيين والناشطين خلال الفترة الأخيرة، إلى تعزيز حالة الغضب.
وإثر تطور الأوضاع، أعلن محافظ حضرموت، قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء الركن فرج سالمين البحسني، في خطاب متلفز عبر قناة حضرموت الحكومية نهاية الشهر الماضي، حالة الطوارئ في المحافظة، ومنع التجمع والتظاهر، وإيقاف مدير أمن الساحل الحضرمي، اللواء سعيد العامري وأمن مديرية المكلا، على خلفية الأحداث. وقبل ذلك بأسبوع، شنّ المحافظ هجوماً على حكومة المناصفة الشرعية، متهماً إياها بـ"الكذب والمماطلة وعدم التزامها بالوعود التي قطعتها، لحل مشاكل حضرموت".
تحذير للحكومة من الإمعان في تجاهل حقوق حضرموت، والتمادي في حرمان أبنائها من أبسط حقوقهم
وفي محاولة إضافية لاحتواء الموقف، عُقد اجتماع، أمس الثلاثاء، في المكلا عاصمة حضرموت، ضم ممثلين عن النخب وشرائح المجتمع، وقيادة السلطة المحلية وممثلي حضرموت في مجلسي النواب والشورى، ومستشارين وقيادات عسكرية وأمنية ومدنية، ورؤساء وممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ونخباً ثقافية وإعلامية. وناقش الاجتماع الأوضاع التي يعانيها المواطن من الناحية الخدمية والمعيشية، والتي دفعت لخروج الناس إلى الشوارع، والتداعيات الخطيرة التي باتت تقلق السلم الاجتماعي، وفق البيان الصادر عن الاجتماع.
وقال المجتمعون في بيانهم، الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، إنهم "يحذرون الحكومة من الإمعان في تجاهل حقوق حضرموت، والتمادي في حرمان أبنائها من أبسط حقوقهم، ومواصلة اتخاذ الإجراءات المجحفة بحقهم، لأنّ عواقب ذلك تنذر بانفجار قد لا يتم احتواؤه للمجتمع المحتقن أصلاً، جراء ويلات الغلاء وانهيار العملة، وانعدام الخدمات الأساسية في المحافظة، التي ترفد الخزينة العامة للدولة بالجزء الأكبر من الموارد". وطالب المجتمعون الحكومة "بسرعة الإيفاء بالالتزامات، وبصورة عاجلة في ملف الكهرباء".
كما أكد المجتمعون أنّ "المطالب التي يصر عليها المواطنون هي حقوق مشروعة، ويجب التعاطي معها بجدية"، مطالبين بـ"الابتعاد عن تكرار توصيف المشكلات، والعمل على إيجاد حلول عملية وجذرية للمشاكل العالقة من قبل جهات الاختصاص".
كذلك، أكد البيان "أهمية وحدة الصف والتلاحم بين جميع شرائح المجتمع في حضرموت، والحفاظ على أمن المحافظة واستقرارها، وعدم جرّها لمربع الفوضى، واستشعار الأخطار المحدقة بها، فضلاً عن التشديد على حقّ المواطنين بالتعبير عن آرائهم، وفقاً للنظام والقانون وبالطرق السلمية، بعيداً عن الإضرار بالممتلكات العامة ومصالح المواطنين".
بلفخر: لا أستبعد وجود دور للمجلس الانتقالي الجنوبي في تصعيد الوضع
في السياق، قال الناشط المدني، سالم باجندب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأوضاع الإنسانية ازدادت سوءاً، وحال الناس مؤلم للغاية"، مضيفاً أنّ "الصراعات، وفشل الحكومة في تنفيذ أي من وعودها في ما يخصّ هموم الناس ورواتبهم وحلّ مشاكل الخدمات والكهرباء ووقف تداعيات انهيار العملة، جعلت الأمر كارثياً في المحافظة". وأوضح أن "حضرموت هي أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة، وأغنى محافظة من حيث الثروات، ومع ذلك تعاني هذا الوضع المأسوي، وسط تجاهل وخذلان من الحكومة والتحالف (العربي بقيادة السعودية)، في التجاوب مع الناس ومطالبهم والاستماع لهم ومعالجتها عن قرب، وعلى الأقل حل مشكلة الكهرباء وانهيار العملة، ودفع رواتب الموظفين".
من جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي، عضو "الائتلاف الوطني الجنوبي"، محمد بلفخر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "التصعيد في حضرموت هو نتيجة لما آلت إليه أحوال المواطنين، جراء تردي الخدمات في المجالات كافة، وفشل السلطة في إدارة البلاد، على الرغم مما أتيح لها من فرص للنجاح، لم تتح لسابقاتها"، لكن بلفخر تحدث أيضاً عن "توظيف سياسي للأزمة". وأشار إلى أنّ "اللقاء الأخير الذي تم الإعلان عن أنه ضمّ الأطياف السياسية والاجتماعية كافة في المحافظة، تبيّن غياب بعض القوى عنه. إذ أصدرت أربعة أحزاب بياناً نفت فيه مشاركتها في الاجتماع، وهذا ما يؤكد أن المحافظ مستمر في إقصاء بعض الأحزاب". وفيما لم يستبعد بلفخر "وجود دور" للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، في تصعيد الوضع، اعتبر أنّ "حرب الخدمات ستستمر، ليصلوا في نهاية المطاف إلى إضعاف الحكومة الشرعية أكثر، لتذبح في النهاية كقربان لانتصار المشاريع المناوئة".