مع استمرار فرار آلاف الشباب الروس من بلادهم، هرباً من استدعائهم للخدمة العسكرية، بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين التعبئة العسكرية الجزئية يوم الأربعاء الماضي، أقرّ الكرملين، أمس الاثنين، بحصول "أخطاء" في جهود استدعاء مئات آلاف جنود الاحتياط للمشاركة في القتال في أوكرانيا، مشدداً على أن السلطات "لم تتخذ قراراً" بشأن إغلاق الحدود أمام الرجال في سنّ القتال.
وأكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قائلاً: "تسجيل حالات انتُهك فيها مرسوم الاستدعاء"، معرباً عن الأمل في "أن تُصحح هذه الأخطاء". وشدد على أن السلطات "لم تتخذ قراراً" بشأن إغلاق الحدود لهذه الفئة من المواطنين.
في المقابل، تزداد مخاوف المكلفين لخدمة الاحتياط في الجيش من إغلاق الحدود ومنعهم من السفر، مع أنباء عن وقف عشرات من المكلفين ومنعهم من السفر، والطلب منهم مراجعة مراكز التجنيد.
وقبل أيام، نقل موقع "ميدوزا" عن مصادر أنه بعد "الاستفتاءات على الانضمام إلى روسيا" في الأراضي الأوكرانية المحتلة، فإن الموعد الأكثر احتمالاً لإعلان حظر السفر هو يوم غد الأربعاء.
وتواردت أنباء عن وصول قوائم تتضمن الأشخاص المعنيين بموضوع التعبئة، الذين صدرت لهم مذكرات استدعاء أو أوامر تعبئة.
وذكرت مواقع روسية أن مطار فنوكوفو في العاصمة موسكو بدأ بمنع المكلفين للاحتياط من مغادرة البلاد، ومنهم مراسل في وكالة "نوفوستي" الحكومية كان في طريقه إلى إسطنبول.
ومنذ إعلان التعبئة الجزئية، غادر الآلاف من الشبان الروس إلى البلدان التي تسمح بدخول الروس من دون تأشيرات سفر. وأذكت التعليمات غير الواضحة لمن تُطبّق عليهم قواعد التعبئة مخاوف الروس، ما دفع الكثير منهم إلى استغلال فرصة عدم وجود قيود على السفر والتوجّه إلى المطارات والمعابر الحدودية مع دول الجوار.
وخرجت تظاهرات ضد قانون التعبئة الجزئية في عدد من المناطق على خلفية استدعاء نسبة كبيرة من أبنائها للخدمة الاحتياطية مقارنة بعدد سكانها، كما هو الحال في داغستان وبورياتيا والشيشان.
ومعلوم أن قانون التعبئة الذي وقّعه بوتين لم يتضمّن تعليمات واضحة، وترك موضوع العدد لحكّام المقاطعات الروسية، ما يعني أن جمهورية مثل داغستان يجب أن تستدعي ذات العدد لمدينة مثل موسكو، على الرغم من أن الأخيرة يسكن فيها أربعة أضعاف عدد سكان داغستان، الجمهورية القوقازية.
خرجت تظاهرات ضد قانون التعبئة الجزئية في عدد من المناطق على خلفية استدعاء نسبة كبيرة من أبنائها للخدمة الاحتياطية
وعلى المعابر الحدودية، بدت الصورة واضحة لمحاولات الفرار من الخدمة العسكرية. وشكّل فرار الشبان الروس استفتاءً حقيقياً كشف عدم الرغبة في خوض الحرب ضد أوكرانيا. وعمّقت الأخطاء وعدم الوضوح في قرارات التعبئة من الأزمة وزيادة الراغبين في الخروج من البلاد.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية لعدد المغادرين، شكّلت الطوابير الطويلة ضربة معنوية للكرملين وجناح الصقور الذي يرغب في استمرار الحرب.
طوابير على الحدود مع جورجيا
وما زالت طوابير كبيرة من الذين يمكن أن تطاولهم قرارات التعبئة في المراكز الحدودية في جورجيا، على الرغم من مرور أيام على إعلان التعبئة العامة الجزئية. وحسب مقاطع فيديو نُشرت على "تلغرام" لمواطنين من داغستان وشمال القوقاز، فإن الكثير من الشبان يضطرون إلى المبيت في مباني المراكز الحدودية الجورجية، وقضاء أكثر من 42 ساعة من الانتظار.
ونقل موقع "ناستياشويه فريميا" المعارض، صباح الثلاثاء، عن شبان في المعبر الحدودي الرئيسي مع جورجيا أن قوات حرس الحدود الروسية منعت مستخدمي الدراجات وغيرها من الدخول عبر المعبر، بحجة أنه مخصص للسيارات فقط، إضافة إلى حالات إعادة لمن هم في سنّ التكليف في حال عدم وجود وثيقة تثبت عدم استدعائه إلى مركز التجنيد.
ونشر حساب "أبو صدام الشيشاني" على "تلغرام" الاثنين مقاطع فيديو وصوراً للاكتظاظ الكبير وافتراش الشبان الأرض. وقال إن الشبان يقضون ساعات طويلة من دون طعام أو ماء.
ونقل موقع " كفكاز ريالي" عن شبان موجودين في المعبر الحدودي مع جورجيا أن "الشيشانيين والقوقازيين الروس لا يُسمح لهم بالعبور قبل التحقيق معهم في المكتب 222" (غرفة تحقيقات خصصتها السلطات الجورجية للتدقيق في أوراق الذين يغادرون روسيا). وكشف شاب استطاع دخول جورجيا قبل أيام للموقع عن أن "90 في المائة من القوقازيين الروس (الشيشان، داغستان، إنغوشيا، الشركس، القبارديين...) لا يُسمح لهم بالدخول".
وأوضح حساب "تبليسي لايف" على "تلغرام" أن التدقيق المشدد على عبور القوقازيين الروس بدأ منذ مايو/أيار الماضي. وذكر الحساب، يوم الاثنين، أن هناك "39 قائمة انتظار للدخول إلى المكتب 222، وكل قائمة تحتاج على الأقل إلى ساعتين، وأن الدخول إلى المكتب يتطلب على الأقل 42 ساعة، ولكن الطوابير تزداد وتزداد".
من جهته، نشر موقع "انسايدر" الروسي الاستقصائي المعارض مقاطع فيديو في قناته على "يوتيوب" لطوابير السيارات المتراكمة على المعبر الحدودي فيرخني لارس، بين روسيا وجورجيا، وكيف يسعى الشبان الروس لتجاوز الأزمة والوصول إلى المعبر باستخدام الدراجات و"سكوترز". واضطر كثيرون إلى السير عدة كيلومترات لبلوغ نقطة الحدود.
ونقلت صحيفة "إر بي كا" الروسية، أمس الاثنين، عن مصادر في هيئة الأمن الفدرالي الروسي، أنها أرسلت مدرعات محمّلة بالجنود لمراقبة الأوضاع عند المعبر مع جورجيا. وشددت المصادر على أنها لن تقيم حواجز لمنع الشبان من المغادرة. ووثّقت مواقع عدة مرور المدرعات الروسية.
أرسلت السلطات الروسية مدرعات محمّلة بالجنود لمراقبة الأوضاع عند المعبر مع جورجيا
ونقل موقع " بيزنس إف إم" عن السلطات في جمهورية أوسيتيا الشمالية الروسية أن أكثر من 3.5 آلاف سيارة تجمّعت في معبر فيرخني لارس. لكن مقاطع الفيديو المنشورة في قنوات "تلغرام" أظهرت أن عدد السيارات أكبر بكثير، وأن الطابور لا يتحرك لعدة ساعات.
وقال إيربيك تومايوف، نائب رئيس الوزراء في أوسيتيا الشمالية، إن 35 ألف سيارة عبرت في الاتجاهين من معبر فيرخني لارس في الأسبوع الأخير، على متنها 115 ألف شخص، ولكنه لم يحدد عدد الروس الذين غادروا إلى جورجيا.
كازاخستان: ازدحامات وأزمة سكن
وترتبط كازاخستان مع روسيا بأطول حدود برية تصل إلى 7500 كيلومتر. ومنذ الساعات الأولى لإعلان التعبئة، شهدت أربعة معابر على الأقل من أصل 30 معبراً، هي بيتروفابفلوفسك، وأورالسك، وكوستانايا، وأتيرا، ازدحامات مرورية، وصلت إلى عدة كيلومترات، حسب مواقع التواصل الاجتماعي.
ويُسمح للمواطنين الروس بالعبور إلى كازاخستان من دون تأشيرة ومن دون جوازات سفر، ما زاد الإقبال عليها.
وأمس الاثنين، كشف القائم بأعمال رئيس الهجرة في وزارة الداخلية الكازاخية أصلان أتاليكوف أن قرابة 40 ألف روسي عبروا الحدود نحو بلاده في غضون خمسة أيام. وأوضح أن ما يقرب من 6 آلاف روسي سافروا عبر المطارات الكازاخية إلى وجهات مختلفة بعد دخولهم، إضافة إلى مواصلة عدة آلاف طريقهم إلى أوزبكستان وقرغيزستان اللتين لا تملكان حدوداً برية مع روسيا.
قرابة 40 ألف روسي عبروا الحدود نحو كازاخستان في غضون خمسة أيام
ومع التدفق الكبير للروس على كازاخستان، ارتفعت أسعار الشقق السكنية والفنادق كثيراً في مدينة ألماتا، العاصمة القديمة للبلاد.
وشدد رئيس الوزراء الكازاخي، علي خان إسماعيلوف، يوم الاثنين، على أنه مع التدفق الكبير للروس "يجب تكثيف العمل من أجل فرض النظام والأمن في البلاد، وبذل الجهود من أجل تسجيل الروس القادمين بأسرع وقت، ومنحهم تراخيص العمل بأسرع وقت ممكن، وفق قوانين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي". وطالب بحل المشكلات المتعلقة بارتفاع أسعار إيجارات المساكن.
ونقلت وكالة "تاس" الاثنين عن مصادر في قوات حرس الحدود الروسية قولها إن حرس الحدود يمنعون خروج جميع المغادرين إلى كازاخستان ممن هم في سنّ الاحتياط، ويطلبون منهم مراجعة مراكز التجنيد في مدنهم ومناطقهم.
منغوليا نقطة لجوء لأبناء سيبيريا
مساء اليوم الأول لإعلان التعبئة، الأربعاء الماضي، تشكّلت طوابير في منطقة الحدود بين روسيا ومنغوليا.
وذكرت قناة "كياختا" على "تلغرام" أن الأعداد تزداد باطراد. ويشكّل سكان شرق سيبيريا وجمهورية بورياتيا معظم الفارين من التعبئة العامة.
ويبعد المعبر الحدودي "كياختا" قرابة 670 كيلومتراً عن مدينة إيركوتسك، إحدى كبريات مدن شرق سيبيريا، و228 كيلومتراً عن أولان أودي عاصمة جمهورية بورياتيا، التي شهدت احتجاجات غاضبة على إعلان التعبئة، علماً أنها من أكثر المناطق تأثراً نتيجة الحرب على أوكرانيا، مع اضطرار كثير من الشبان إلى الالتحاق بالجيش بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع البطالة. وسقط المئات من سكان الجمهورية قتلى منذ بداية الحرب، حسب مواقع التواصل الاجتماعي المحلية.
وفي اليوم التالي لإعلان التعبئة، ومع انتشار مقاطع فيديو وصور على مواقع التواصل الاجتماعي عن فرار الروس إلى منغوليا، نقلت وكالة "إيغل" المنغولية عن وزارة الخارجية أن المعابر الحدودية تعمل كالمعتاد من دون وجود أي طوابير، ولم تنشر الوكالة أي صور من المعبر الحدودي.
لكن قناة "كياختا" نشرت مقاطع فيديو بعد الإعلان، وذكرت أن الازدحام ما زال موجوداً، وأن معظم السيارات من روسيا تقل ما بين ثلاثة وأربعة شبان ممن هم في سنّ الاحتياط.
ولم تقتصر حالات الفرار إلى منغوليا على المعابر البرية. فقد ذكر موقع "إيركوتسك نيوز" في 22 سبتمبر أن مقاعد السفر على الطائرات من مدينة أولان أودي الروسية إلى أولان باتور عاصمة منغوليا نفدت حتى بداية أكتوبر/تشرين الأول المقبل منذ يوم التعبئة الأول، وأن سعر التذاكر ارتفع من 17 ألف روبل (نحو 290 دولاراً) إلى 41 ألفاً (حوالى 704 دولارات)، وأن شركة الطيران المنغولية أعلنت تسيير رحلات إضافية في 24 و25 و28 سبتمبر.
انتظار طويل عند الحدود الفنلندية
على الحدود مع فنلندا، زاد عدد الوافدين من الروس بنسبة 88 في المائة في الأسبوع الماضي، حسب خدمة الحدود الفنلندية، التي أشارت إلى أن الناس يقفون ليلاً ونهاراً في طوابير عند النقاط الحدودية الرئيسية الواقعة في الجزء الجنوبي من الحدود الروسية الفنلندية.
وذكرت خدمة حرس الحدود الفنلندية أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، يومي 24 و25 سبتمبر، دخل 17000 روسي إلى أراضي فنلندا.
ومعلوم أن السلطات الفنلندية أعلنت منذ أيام أنها ستغلق الحدود أمام الروس بتأشيرات سياحية، لكنها لم تحدد متى يدخل هذا القرار حيّز التنفيذ. وكانت سلطات ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا منعت قد دخول الروس بتأشيرات سياحية إلى أراضيها قبل أكثر من شهر.
وكشفت مقاطع فيديو على قنوات "تلغرام" أن الراغبين في مغادرة روسيا اضطروا إلى الانتظار يوماً كاملاً بسياراتهم عند النقاط الحدودية مع فنلندا.
المطارات أسرع طرق الفرار
وشكّلت المطارات الطريقة الأسرع والأسهل للفرار إلى الخارج بالنسبة إلى الروس في المناطق الداخلية البعيدة عن المنافذ الحدودية. ومنذ الساعات الأولى لقرار التعبئة، نفدت الحجوزات على الرحلات إلى تركيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان بالكامل لمدة أسبوع وأكثر.
شكّلت المطارات الطريقة الأسرع والأسهل للفرار إلى الخارج بالنسبة للروس البعيدين عن الحدود
ورصدت مواقع التواصل الاجتماعي ازدحاماً أمام مطاري فنوكوفو وشيرميتوفو في موسكو. كذلك ازدادت الرحلات إلى مصر وإسرائيل وعدد من بلدان أميركا اللاتينية التي تسمح للمواطنين الروس بدخول أراضيها من دون تأشيرة أو بتأشيرة إلكترونية من دون تعقيدات. وارتفعت أسعار التذاكر في بعض الاتجاهات ثلاثة أضعاف، كما هو الحال مع تركيا، على سبيل المثال.