استمع إلى الملخص
- تعزيز الشراكة الاستراتيجية: وقع الملك محمد السادس والرئيس ماكرون إعلان "الشراكة الاستثنائية الوطيدة"، مما يعكس التزام فرنسا بدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء.
- التأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية: يعزز الموقف الفرنسي التوازن الجيوسياسي لصالح المغرب ويفتح الباب لاستثمارات جديدة، رغم التحديات القانونية في المحافل الأوروبية.
تتجه فرنسا نحو الاعتراف الكامل بسيادة المغرب على الصحراء، وذلك بحسب عدة إشارات صادرة عنها خلال الساعات الأخيرة، وهو ما يمثل تحولاً نوعياً في مسار النزاع الذي استمر لأكثر من 49 عاماً. ومن أبرز تلك الإشارات، إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، مساء أمس الثلاثاء خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عن اتخاذ خطوات وإحداث تمثيل دبلوماسي رسمي لبلاده في الصحراء، وتأكيده أن السفير الفرنسي سيتوجه إلى الصحراء الأسبوع المقبل، من أجل تعزيز حضور بلاده الدبلوماسي والثقافي في المنطقة.
وقبل ذلك، بساعات قليلة نشرت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي، أمس الثلاثاء، الخريطة الرسمية الكاملة للمملكة المغربية، وتضمنت الصحراء، وذلك تزامناً مع تجديد الرئيس إيمانويل ماكرون دعمه سيادة المغرب على الصحراء خلال الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان المغربي بمجلسيه (النواب والمستشارين) صباح أمس. وقال ماكرون إن "حاضر ومستقبل الصحراء لن يكون إلا تحت السيادة المغربية، وأن بلاده ستدعم سيادة المملكة على الصحراء في المحافل الدولية وستستثمر في المنطقة".
كذلك كان لافتاً تأكيد إعلان "الشراكة الاستثنائية الوطيدة" الذي وقعه العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول من أمس الاثنين بالرباط، على أن مجال تطبيق تلك الشراكة يشمل أوسع نطاق ترابي ممكن، وذلك على ضوء الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء. كما جدد ماكرون بصفة خاصة تأكيد التزامه بأن يواصل مواكبة جهود المغرب من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة لفائدة الساكنة المحلية.
وفي وقت يبدو فيه أن الموقف الرسمي الفرنسي من الاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء، تجاوز مواقف دول مؤثرة من قبيل الولايات المتحدة وإسبانيا، رأى الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة محمد بودن، أن تأكيد ماكرون سيادة المغرب على الصحراء أمام البرلمان المغربي واعتبار فرنسا حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية "يمثل أرقى تعبير دولي بشأن الحقوق السيادية للمملكة المغربية وفي مستوى الجذور العميقة والطبيعة المتفردة للعلاقات التاريخية بين الرباط وباريس". واعتبر بودن في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذه الشهادة القوية من أعلى هرم الدولة في فرنسا، وتأكيده العزم على الاستثمار في الصحراء تمثل أحد أكبر الدوافع لوصول العلاقات لهذه النقطة التاريخية بين البلدين، مما سيجعل العلاقات في وضع تجديد لمحتواها الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي، وفتح فصل جديد لتعزيز الأساس المتين والمصالح المشتركة الواسعة بين البلدين".
ولفت إلى أنه "من خلال ما جرى التعبير عنه رسمياً بمناسبة الذكرى الـ25 لعيد العرش (رسالة ماكرون إلى العاهل المغربي في 30 يوليو/ تموز الماضي، التي أعلن من خلالها اعتراف بلاده بمغربية الصحراء)، ويوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي في البرلمان المغربي (خطاب ماكرون)، فإن فرنسا رسخت دورها بصفتها شاهداً تاريخياً صريحاً ومسؤولاً بخصوص تاريخ المنطقة المغاربية وحسمت موقفها الذي يرتقي ليكون اللحظة الأهم في العلاقات المغربية الفرنسية خلال القرن الـ 21".
وأوضح أن "القرار الفرنسي جاء نتيجة لسلسلة من اللقاءات الثنائية رفيعة المستوى وللجهود التي بذلتها الآليات الدبلوماسية لإزالة مختلف العقبات، لتنتهي بإعلان فرنسا السيادة المغربية على الصحراء، وإقرانها للقول بالفعل لتعزز فرنسا بذلك موقعها ضمن الدينامية الدولية لترسيخ سيادة المغرب على الصحراء وتطوير موقفها التقليدي من مبادرة الحكم الذاتي الذي جرى تبنيّه سنة 2007 وظل ثابتاً على مدار 17 عاماً"، على حد قوله.
من جهته، قال مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" المغربي، عبد الفتاح الفاتيحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "فرنسا قيّمت عوائد إعادة تعزيز شراكتها مع المغرب في ظل تحولات إقليمية ودولية، فاستقر بها الأمر على تأييد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وهو ما يستدعي تتويجاً اقتصادياً واستثمارياً في المغرب، بل في القارة الأفريقية، لا سيما أن باريس خسرت الكثير من صورتها في أفريقيا جنوب الصحراء".
واعتبر الفاتيحي أن الموقف الفرنسي يعد فارقاً في التوازن الجيوسياسي بين دولتين متنافستين إقليمياً هما المغرب والجزائر، موضحاً أن "فرنسا قدرت واختارت مصلحتها مع المملكة المغربية هو ما سينعكس على تطور كبير في مستوى الشراكة بين البلدين، ولا سيما في مشاريع الطاقات المتجددة بالصحراء".
وقال إنه "في سياق التأكيد على ثبات موقف الدولة الفرنسية بعد الاعتراف بمغربية الصحراء، فإنه سيجري الإعلان عن إجراءات تجسد الموقف الجديد لفرنسا من قضية الصحراء بافتتاح قنصلية عامة بالعيون، والتأكيد على الانخراط الفرنسي في المشاريع الاقتصادية بالصحراء، وهو ما يشكّل تطميناً فرنسياً للمغرب على أهمية الشراكة الاستراتيجية معه، بعيد صدور القرار المخيب لمحكمة العدل الأوروبية القاضي بإلغاء اتفاقياتي الفلاحة والصيد البحري بدعوى أنهما تشملان أقاليم الصحراء"، على حد تعبيره.
وحول ما إذا كان الموقف الرسمي الفرنسي من الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، قد تجاوز مواقف الولايات المتحدة وإسبانيا، قال أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس سعيد الصديقي: "من الناحية العملية يعتبر الموقف الفرنسي من قضية الصحراء هو الأكثر تقدماً، علماً أن الموقف الأميركي في عهد إدارة دونالد ترامب كان الأكثر تقدماً من الناحية الرسمية والشكلية، بعدما اعترفت رسمياً ونهائياً بسيادة المغرب على الأقاليم الصحراوية". وأوضح الصديقي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ماكرون حاول فتح صفحة جديدة وتحقيق انفراجة في العلاقات بين البلدين باتخاذ موقف أكثر تقدماً على الأقل من الموقف الإسباني، بخصوص سيادة المغرب على الصحراء، والتعهّد بالدفاع عن هذا الموقف في المحافل الدولية، معتبراً أن العلاقات المغربية الفرنسية مقبلة على تحول نوعي كبير تتعدى تأثيراته وانعكاساته إلى المنظومة المغاربية.
وأضاف: "الأكيد أننا بصدد صفحة جديدة في علاقات البلدين، لكن التأكد من تحقق ذلك يبقى مؤجلاً إلى ما بعد ماكرون، حينها سنتأكد فعلياً إن كانت كذلك أم أنها كانت محاولة لتجاوز حالة الفتور في العلاقات التي دامت لـ3 سنوات".