يواصل وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد درمانان، حملته الأمنية ضد جمعيات وشخصيات إسلامية، المستمرة منذ 19 أكتوبر/ تشرين الأول، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة سياسية كبيرة استدعت تظاهرات ضخمة، الأسبوع الماضي، احتجاجاً على قانون "الأمن الشامل" ومطالبات باستقالته، بعدما أدخل مادة في القانون تنص على المعاقبة بالسجن لمدة عام، ودفع غرامة 45 ألف يورو، في حال بثّ صور لعناصر من الشرطة بدافع "سوء النية"، سواء في وسائل الإعلام أو على شبكات التواصل الاجتماعي.
وقال درمانان خلال مقابلة على إذاعة "ار تي ال"، أمس الأربعاء، إن السلطات الأمنية ستنفّذ في الأيام المقبلة "تحركاً ضخماً وغير مسبوق ضدّ الانفصالية يستهدف 76 مسجداً يشتبه بأنها انفصالية"، وذلك في إطار خطة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمحاربة ما يسميها بـ"الانفصالية" في فرنسا.
وكشفت صحيفة "لوفيغارو" عن مذكرة، مؤرخة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، تحمل توقيع درمانان تشير إلى خطة تستهدف 76 داراً لعبادة المسلمين، بينها 16 في باريس و60 في بقية أنحاء فرنسا، سيتم تفتيشها ومراقبتها وفرض سيطرة الدولة عليها. وتظهر الوثيقة أن من بين الـ76 مسجداً، سيتم استهداف 18 بـ"إجراء فوري" بناء على طلب وزير الداخلية، قد يصل إلى إمكانية إقفالها.
هذه التطورات تأتي قبيل جلسة سيعقدها مجلس الوزراء، الأربعاء المقبل، للنظر في مشروع قانون "تعزيز المبادئ الجمهورية" من خلال محاربة "النزعات الانفصالية والتطرف الإسلامي"، وهو مشروع أثار لغطاً كبيراً وانتقادات حادة لماكرون، المتهم باستهداف الإسلام والمسلمين في فرنسا جراء هذا القانون.
هذه العملية الأمنية، بالإضافة إلى الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في مجلة "شارلي ايبدو" الساخرة، أدت إلى حملة مقاطعة في الدول الإسلامية للمنتجات الفرنسية، فضلاً عن توجيه عدد كبير من تلك الدول انتقادات لماكرون، ما دفعه إلى توضيح هدفه من مشروع القانون هذا.
وكان ماكرون أوضح في مقال نشره في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن مشروع قانونه ليس موجهاً ضد الإسلام، وقال فيه إنه يريد تعزيز مبادئ الجمهورية القائمة على العلمانية وفصل الدين عن الدولة، أما بخصوص المسألة التي أثارت جدلاً كبيراً فأوضح ماكرون أن "فرنسا تخوض حرباً ضدّ الانفصاليّة الإسلاميّة وليس ضدّ الإسلام".
واضطر ماكرون إلى الاستغناء عن كلمة "الانفصالية"، التي تضمنها عنوان مشروع القانون، نتيجة الانتقادات التي هددت باندلاع أزمة دبلوماسية بين فرنسا والعالم الإسلامي، ليوضح وزير الداخلية في ما بعد أن "الانفصالي هو الشخص الذي يريد الانقلاب على الجمهورية والانفصال عنها"، وأن مشروع القانون سيهدف إلى "مواجهة الجماعات المنظمة بطريقة عدائية وعنيفة تجاه الجمهورية".
ويؤكد درمانان أن "الفكرة كانت محاربة النزعة الانفصالية الرئيسية التي تكمن في الإسلام الراديكالي، ولكنها ليست الهدف الوحيد"، مشيراً إلى أن مشروع القانون يستهدف أيضاً "جزءاً من اليسار المتطرف" و"المتعصبين البيض".
وللمفارقة، فإن "اليسار المتطرف" الذي يقصده وزير الداخلية هو التيار الذي يمثله زعيم حزب "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون، المناهض لخطاب العنصرية والإسلاموفوبيا، وهذا كان كافياً لاتهامه بالتواطؤ مع "الإسلام الراديكالي"، حتى أن وزير التربية الوطنية، جان ميشيل بلانكير، يسعى إلى حل "اتحاد الطلبة" في فرنسا، وهو منظمة طلابية جل أعضائها من اليسار وعدد كبير منهم من المسلمين الفرنسيين، يتهمها الوزير بزرع أفكار انفصالية ونشر "الإسلام الراديكالي" في الجامعات.
أما في ما يخص "المتعصبين البيض"، فتوجه انتقادات كثيرة إلى درمانان لعدم طلبه محاسبة، أو حل تجمعات عنصرية مثل "جيل الهوية"، وهي جماعة يمينية متطرفة مقرها فرنسا، تدعو علانية إلى طرد المهاجرين والمسلمين من فرنسا، كما أنها تقود حملة لاستهداف قوارب المهاجرين في البحر قبل وصولها إلى أوروبا.