يتحضر الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف ورئيسة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبان، اليوم الأربعاء، لمناظرة تلفزيونية وحيدة بينهما، ستجري مساء، وتبثها قناتا "تي أف 1" و"فرانس 2"، وذلك قبل أربعة أيام من الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، المنتظرة الأحد المقبل.
ويتواجه المرشحان للرئاسة في ظرف فرنسي دقيق يشهد تراجعاً لدى الرأي العام الفرنسي لـ"شيطنة" اليمين المتطرف، مقابل رغبة لديه في محاسبة سياسييه التقليديين، مع تراجع القدرات الشرائية للفرنسيين وقلقهم من المستقبل، وسط حالة ضمور لدى الحزبين التقليديين، الحزب الاشتراكي و"الجمهوريون" (اليمين)، اللذين لم يتمكن أي منهما من بلورة برنامج واضح للحكم قادر على استعادة طروحاته الأيديولوجية بتحديث مقنع وذي مصداقية للفرنسيين.
يتواجه المرشحان للرئاسة في ظرف فرنسي دقيق يشهد تراجعاً لدى الرأي العام الفرنسي لـ"شيطنة" اليمين المتطرف
وتأتي المناظرة قبل أيام من الدورة الثانية، التي لا تزال نتائجها غير مضمونة للرئيس، والتي قد تحمل مفاجأة من العيار الثقيل، وهي وصول مرشحة عن اليمين المتطرف إلى الإليزيه. ويعتبر فريق ماكرون، بحسب ما رشح في الإعلام الفرنسي اليوم، أن لا شيء محسوماً بعد، على الرغم من تقدم الرئيس - المرشح البسيط في استطلاعات الرأي على منافسته، كما يعتبر أن نسبة الامتناع عن التصويت ربما تكون كارثية عليه، ما يستوجب عليه وضع كل ثقله في المناظرة التي تهدف إلى تدعيم تحشيد ناخبيه وإقناع المترددين.
إيمانويل ماكرون في موقع الدفاع
وتعتبر المناظرة حاسمة بالنسبة للرئيس الفرنسي وزعيم حزب "الجمهورية إلى الأمام" الوسطي أيضاً لأنه ينبغي عليه أن يدافع عن سجل خمس سنوات من عهده، لم تكن مرضية لنسبة كبيرة من الفرنسيين، وتخلّلها حراك "السترات الصفراء" الاجتماعي، والذي عبّر عن نفسه بتظاهرات واحتجاجات اتسمت أحياناً بالعنف، اكتسحت المدن الفرنسية، اعتراضاً على سياسات ماكرون الاقتصادية.
وإذ تواجه فرنسا مرحلة تضخم وانكماش اقتصادي قاسية، يفترض بماكرون خلال المناظرة عرض خطة واضحة للانتقال إلى المرحلة المقبلة من عهده، إذا فاز بالرئاسة، في مواجهة مرشحة من اليمين المتطرف تمكنت من التقدم في استطلاعات الرأي أخيراً، بفضل تراجعها عن الخطاب المتشدد لصالح ملامسة المشاغل الحياتية للفرنسيين. ويعول ماكرون على "سجلّه الأوروبي"، حيث اعتبر خلال السنوات الماضية من أبرز الزعماء في أوروبا المدافعين عن أهمية الوحدة والاستقلالية الأوروبية، والمهددة بفعل تنامي تيارات اليمين المتطرف في القارة، والمعادية لفكرة الوحدة الأوروبية.
من جهتها، تتحضر لوبان جيّداً لمناظرة اليوم، بعدما أخفقت في عام 2017 بمواجهة ماكرون في المناظرة التلفزيونية التي جمعتهما في ذلك العام عندما تأهلا أيضاً للدورة الثانية من الرئاسيات. وكانت تلك المناظرة الأولى الرئاسية في فرنسا، التي يشارك فيها مرشح رئاسي لليمين المتطرف، بعدما رفض جاك شيراك عام 2002، المشاركة في مناظرة تلفزيونية مع والد مارين لوبان، جان ماري لوبان، حين تأهلا معا للدورة الثانية من انتخابات الرئاسة. وكان ذلك العام هو الأول الذي يشهد انتقال اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية، حيث تمّ إلغاء المناظرة للمرة الأولى منذ عام 1974، تاريخ البدء بإجرائها.
ستسعى لوبان للرد على الهجمات الشخصية والسياسية للرئيس، فيما سيحاول ماكرون الدفاع عن سجلّه الرئاسي
وفي افتتاحية لها، اليوم الأربعاء، اعتبرت صحيفة "لوفيغارو" أن المناظرة التي تجري اليوم، هي لـ"تقليص الرفض الشعبي" لكلا المرشحين، مقارنة ذلك بالمناظرة التي جرت في 1974 بين المرشحين للرئاسة آنذاك، فاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران، حين تبارزا على "احتكار قلوب الفرنسيين"، بحسب تعبير الصحيفة. ورأت الصحيفة أن على ماكرون "تبرير ولايته الأولى"، تماماً كما فعل الرئيس جيسكار ديستان في المناظرة الثانية له مع ميتران، عام 1981، عندما تحول، بحسب تعبير المرشح الاشتراكي ميتران، إلى "رئيس سلبي".
لوبان... من دخيلة مرفوضة إلى دخيلة مقبولة
وستسعى لوبان، خلال المناظرة، للرد على الهجمات الشخصية والسياسية للرئيس، ومنها محاولة جرّ فرنسا إلى حمائية اقتصادية ربما تكون مكلفة للفرنسيين، وانعزالية سياسية، تطبيقاً لطروحات اليمين المتطرف الفرنسي الذي لا يخفي رغبته بإخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. وتتسلح لوبان، في هذه المناظرة، بتحولها من "دخيلة مرفوضة" في عالم السياسة الفرنسي، إلى "دخيلة" مرحب بها شعبياً. وأفاد فريقها الاستشاري، وسائل الإعلام الفرنسية، اليوم، بأنها تتدرب جيّداً من أجل المناظرة، للجم انفعالاتها التي كانت سبباً في فشلها خلال مناظرة 2017.
في غضون ذلك، خرجت اليوم، الأربعاء، ملامح محاولة مساومة يبدو أن الجناح الآخر لليمين المتطرف الفرنسي، المتمثل بتيار الصحافي المثير للجدل إيريك زيمور (حزب الاسترداد)، المرشح الرئاسي الذي لم يتخط في الدورة الأولى عتبة الـ7 في المائة، يحاول فرضها على لوبان، قبل الدورة الثانية، لمنحها أصواته.
ودعا قادة حزب زيمور مارين لوبان للبحث عن أصوات اليمين المتطرف واليمين التقليدي للفوز، بدلاً من مطاردة أصوات اليسار واليسار الراديكالي الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون (حصل على أكثر من 20 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى). واعتبرت ماريون ماريشال، ابنة شقيقة مارين لوبان، والتي كانت قد غادرت "التجمع الوطني" إلى حزب زيمور، أن مارين لوبان لديها فرصة كبيرة بالفوز، داعية عبر محطة "بي إف أم تي في"، لإنشاء تحالف كبير بين جميع الأحزاب من اليمين واليمين المتطرف. وترتبط المساومة بتصريحات كثيرة لم يتوقف فريق زيمور عن إطلاقها، لجهة رغبته بالحصول على مواقع وزارية، أو حتى رئاسة الوزراء، إذا ما تمكن من التحالف مع لوبان وإيصالها إلى الإليزيه.
(العربي الجديد)