بدأت اللجنة النيابية المكلفة بإعداد خارطة طريق للمرحلة المقبلة، أمس السبت، بالتواصل مع الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد لوضع تصور سياسي يمكن البناء عليه لرسم خارطة الطريق المقبلة، وسط تحالفات سياسية جديدة أفرزتها حالة التعثر والفشل التي واجهتها العملية الانتخابية التي كان من المفترض أن تبدأ في 24 ديسمبر/كانون الأول المنصرم.
وأفاد عضو مجلس النواب محمد سعيد لـ"العربي الجديد"، بأن اللقاءات بدأت بالفعل من خلال اتصالات أجرتها اللجنة مع أعضاء من المجلس الأعلى للدولة، وأعضاء من المجلس الرئاسي، مشيراً إلى أن اللجنة أمامها "عمل كبير وطويل نسبيا مقارنة بقصر الفترة المحددة لها".
وأضاف سعيد أنه "وفقا لقرار تشكيل اللجنة، فإن أمامها عشرة أيام فقط"، لافتاً إلى أن الوقت غير كافٍ بسبب النتائج المتراكمة والعميقة لفشل إجراء الانتخابات في موعدها. وتابع: "هناك عدد من الأحزاب السياسية ستتواصل معها اللجنة وهناك أيضا أطراف أخرى من بينها المترشحون للانتخابات"، في إشارة للإفرازات السياسية الجديدة على الساحة.
ويأتي قرار مجلس النواب، في 22 ديسمبر، تشكيل لجنة لإعداد خارطة طريق لما بعد 24 ديسمبر، كثاني إقرار ضمني بفشل تنظيم الانتخابات وفق أسسها السابقة، بعد ساعات من إقرار مفوضية الانتخابات بذلك، خلال بيانها في ذات اليوم، مقترحة تأجيل الانتخابات إلى يوم 24 يناير/كانون الثاني الجاري.
لكن الأطراف السياسية في البلاد استبقت الإقرار الضمني بفشل الانتخابات، بالبدء في تشكيل تحالفات ترسم خارطة قوة سياسية جديدة، لتنقل حالة الصراع السياسي لمستويات أخرى تختلف عن السابقة، إذ كان الصراع يعتمد على الحالة الجهوية بين الشرق والغرب وبخلفية عسكرية.
وفي 18 ديسمبر المنصرم، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، عن ترتيبات للقاء بينه وبين رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، لمعالجة الانسداد السياسي، بما فيه الانسداد الذي يواجه العملية الانتخابية.
وفي 21 ديسمبر الماضي، استضاف خليفة حفتر في بنغازي لقاء يجمع عددا من المترشحين للانتخابات الرئاسية، وكان من أبرز شخصيات اللقاء وزير الداخلية الأسبق بحكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، في وقت اعتبر فيه مراقبون أن غياب عقيلة صالح عن اللقاء في بنغازي دليل على عودة التوتر بينه وبين حفتر، وأيضا على تباعد بينه وبين باشاغا بعد أن كانا يشغلان قائمة واحدة خلال انتخابات السلطة التنفيذية التي أجراها ملتقى الحوار السياسي في فبراير/شباط الماضي.
ظهور سيف الإسلام يشكل معطى جديداً
من جهة أخرى، شكل ظهور سيف الإسلام القذافي، كمترشح للانتخابات الرئاسية، معطى جديدا في خارطة القوى السياسية الجديدة في البلاد، سيما ظهوره في الجنوب الليبي بعيدا عن مناطق سيطرة المعسكرين الكبيرين في البلاد، غرب وشرق البلاد.
واستفاد القذافي من زخم أنصاره الكبير الذي أظهرته الاحتجاجات الكبيرة التي رافقت محاولات مليشيات تابعة لحفتر منع محكمة سبها من النظر في طعن قدمه سيف الإسلام لها على إثر قرار مفوضية الانتخابات استبعاده من قوائم الترشح للسباق الانتخابي.
اتفاق على تنحية الدبيبة
وعلى الرغم من الخلافات بين مراكز القوى الجديدة، إلا أنها اتفقت حول ضرورة تنحية رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، كونه أقوى المنافسين للجميع في الانتخابات الرئاسية، ما شكل مركزا آخر من مراكز القوى الجديدة في خارطة التحالفات الجديدة، إذ استفاد الدبيبة من هشاشة وضع السلطة ومخاوف المجتمع الدولي من حدوث فراغ فيها.
وعاد الدبيبة ليتمركز في موقعه كرئيس الحكومة، وبدأت سلسلة من الاتصالات لبناء حلف خاص به، قد تكون أولى ملامحه عودة نائبه الأول، حسين القطراني، لممارسة عمله من طرابلس، بعد أشهر من الخصومة التي وصلت لحد تهديد الأخير بالانفصال وتشكيل حكومة موازية في شرق البلاد.
ووسط هذا المزيج الجديد والمعقد يرجح الباحث السياسي الليبي الجيلاني أزهيمة أن يبرز تياران مهمان في المرحلة المقبلة، وهما تيار خالد المشري وعقيلة صالح، وتيار خليفة حفتر وفتحي باشاغا، مؤكداً أن الحديث عن قرب لقاء المشري وصالح سيسرع خطوات التقارب أكثر بين حفتر وباشاغا.
ويبين أزهيمة، خلال حديثه لـ"العربي الجديد" رؤيته بشأن اختلاف التيارين في محتوى أجندتهما، مضيفاً: "تصريحات المشري أوضحت أن لقاءه المرتقب مع صالح سيتبنى اتجاها مضمونه معالجة الانسداد الحالي من خلال إعادة صياغة القوانين الانتخابية وسيكون ذلك وفقا لمصالحهما بالطبع".
وأضاف: "أما تقارب حفتر وباشاغا، فمن دفع به هو ظهور سيف الإسلام في الجنوب ومخاوف بناء تكتل سياسي وعسكري هناك، ولذا فهما يرتكزان على فرض نفسيهما في الواقع بناء على قواعدهما الشعبية والمسلحة في الغرب والشرق".
واعتبر أن الإشكال لا يتعلق بتحديد موعد جديد للانتخابات، سواء كان قريبا أم بعيدا، لكنه يتعلق باتفاق أقطاب القوى الجديدة على آليات تحفظ مصالحهم في العملية الانتخابية المقبلة، وهو ما يتطلب مفاوضات أطول من المتوقع، بحسب رأيه.
العامل الخارجي
ومن وجهة نظر أستاذ الدراسات الإقليمية والدولية بالأكاديمية الليبية، الدوكالي الهاين، فإن تشكيل خارطة القوى الجديدة يعد انعكاسا للمواقف الدولية التي لا تزال مختلفة حتى الآن بشأن شكل المرحلة السياسية الجديدة.
ويوضح الهاين رأيه بالقول لـ"العربي الجديد" إنه "من المستبعد أن تتخلى موسكو عن سيف الإسلام القذافي كورقة هامة في خضم التنافس الدولي في الملف الليبي سواء كانت هي من دفعت به أو هو من دفع بنفسه، كونه استطاع فرض نفسه في المعادلة الجديدة"، ويقابل ذلك التوجس الغربي من عودة سيف الإسلام والنظام السابق للمشهد السياسي.
ويؤكد الهاين أن العامل الخارجي سيظل المؤثر الرئيسي في توجيه مواقف الأطراف الداخلية، لافتاً إلى أن "تقارب حفتر وباشاغا لا يمكن فصله عن التقارب التركي الإماراتي المصري، كما لا يمكن فصل عودة سيف الإسلام بقوة للمشهد عن محاولات موسكو البحث عن موضع قدم راسخ في خارطة البلاد السياسية المقبلة".
وعلى الرغم من اعتقاد الهاين بأن يلقى تقارب حفتر وباشاغا دعما غربيا أيضا لمواجهة النفوذ الروسي، إلا أنه يرى أن الجميع سيتعامل مع خارطة القوى الجديدة بحذر، كونها تشكلت بشكل سريع وفق مصالح مؤقتة ما يجعلها هشة وسريعة التفكك، وبالتالي فالرهان عليها سيبقى صعبا، مما سينعكس سلبا على إحداث أي تقارب جديد في الساحة الليبية في وقت قريب.