لم يمنع التنكيل والاعتداء الإسرائيلي، الذي أدى، صباح اليوم الجمعة، لإصابة أكثر من 150 شخصا، فضلا عن اعتقال 450 آخرين، عشرات آلاف الفلسطينيين من العودة إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه بعد أقل من ساعة على انتهاء اقتحام جنود الاحتلال له، حيث قدرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس عدد المصلين بنحو 50 ألفًا.
بعد الصلاة لم يهدأ غضب المصلين تجاه ما جرى، حينما حولت قوات الاحتلال المسجد الأقصى إلى ما يشبه "ساحة حرب"، وخرج المصلون بتظاهرة ضخمة في ساحات المسجد الأقصى، وهتفوا بشعارات مؤيدة للمقاومة الفلسطينية ولغزة ولحركة "حماس" وقائد جناحها العسكري محمد الضيف، مرددين "حط السيف قبال السيف واحنا رجال محمد ضيف"، و"مشان الله يا غزة يلا"، و"بالروح بالدم نفديك يا أقصى".
وبحسب تقديرات دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، فإن حوالي 50 ألفًا أدوا صلاة الجمعة، رغم تضييق الاحتلال وانتشار قواته في محيط أبواب المسجد الأقصى، فيما اعتقلت قوات الاحتلال 450 مصليًا واقتادتهم بحافلات إلى مركز للاستجواب يتبع لما يسمى "حرس الحدود الإسرائيلي" قرب بلدة العيسوية. وأصيب 153 مصليًا، أدخل منهم ثمانية لغرف العناية المكثفة، و5 لغرف العمليات، بحسب تصريح صحافي لمدير التمريض في مستشفى المقاصد بالقدس سليمان تركمان.
ويأتي ذلك وسط تخوفات من اقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى وذبح قرابين فيه، ما يعني مزيدًا من التصعيد. ورغم إعلان حكومة الاحتلال عن منع ذلك، اعتقلت شرطة الاحتلال بالقرب من باب المغاربة مستوطنًا يحمل خروفًا وأخرجته من المسجد الأقصى لدى محاولته إدخاله.
ولم يكد المعتكفون والمرابطون في المسجد الأقصى يؤدون صلاة الفجر حتى دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالمئات من عناصرها إلى بوابات المسجد وساحاته الداخلية، حيث كان المئات من الشبان ينتظمون في حشد كبير ويطلقون هتافاتهم فداء للأقصى وهتافات التأييد للمقاومة في قطاع غزة، ورفع بعضهم يافطة كبيرة تعلن تضامن المقدسيين ومساندتهم لجنين ومقاومتها.
لم تدم طويلاً وقفة تلك الحشود التي ضمت أكثر من 30 ألف مصل حتى بدأ جنود الاحتلال في الاستعداد للهجوم على حشود الشبان الذين شرعوا قبل ذلك بوضع المتاريس لصد أي اقتحام لشرطة الاحتلال، انطلاقاً من توعد جماعات "الهيكل المزعوم" بتقديم القربان، اليوم الجمعة، والقمة الحاخامية في الأقصى في مطلع رمضان.
وقال شهود عيان لـ"العربي الجديد"، إن "جنود الاحتلال شرعوا بمهاجمة الشبان والاعتداء عليهم دون مبرر، في حين كانت مجموعات أخرى تتصدى لقوات الاحتلال بالمفرقعات النارية رداً على قنابل الغاز والدخان والرصاص المغلف بالمطاط الذي تتسلح به شرطة الاحتلال".
وبادرت شرطة الاحتلال إلى الهجوم لتفريغ الأقصى استخدمت فيه قنابل الغاز والصوت بكثافة والأعيرة المغلفة بالمطاط من مسافات قريبة موقعة عدة إصابات.
كما اعتلت قوات الاحتلال سطح المسجد القبلي وكسرت نوافذ الزجاج ليطل منها قناصتها على المعتكفين داخل المسجد ويطلقوا عليهم نيران أسلحتهم، ما أوقع عدداً كبيراً من الإصابات. وغطت سحب دخان قنابل الغاز المسيل للدموع ساحات المسجد الأقصى.
وأجمع المصلون الذين كانوا في المسجد الأقصى وكانوا شهودا على ما جرى في أحاديثهم لـ"العربي الجديد"، على أن حجم القوات وجهوزيتها المستنفرة كانت تؤشر إلى ما جرى لاحقا من اعتداء على المصلين، علما أن أكثر من 40% من المصابين كانوا من كبار السن.
وقال المسعف نضال حجازي، لـ"العربي الجديد"، إن العديد من زملائه المتطوعين تعرضوا لاعتداء جنود الاحتلال الذين حاولوا منعهم من تقديم الإسعافات الأولية، علماً أن نساء أصبن وفتية صغارا وكانوا يعانون إثر الضرب بالهراوات. كما كان للطواقم الصحافية نصيب من هذه الاعتداءات التي أدت لإصابة بعضهم.
ووفق أحد حراس الأقصى (فضل عدم ذكر اسمه)، في حديث لـ"العربي الجديد"، فقد تجدد اعتداء جنود الاحتلال واقتحامهم للأقصى ثلاث مرات متتالية في الفترة الصباحية، وتم إخلاء جميع الساحات من المصلين بالقوة وإخراجهم من هناك، في وقت كانت فيه قوات كبيرة تغلق أبواب المسجد القبلي على المصلين وتمطر المئات ممن كانوا بداخله بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، ما تسبب بوقوع مزيد من الإصابات وتضرر نوافذ المسجد، حيث تعمد الجنود إطلاق الرصاص عليها وتحطيمها.
وأكدت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس على لسان مديرها الشيخ عزام الخطيب أن ما جرى اليوم عدوان خطير من قبل قوات الاحتلال التي تعاملت بقسوة بالغة مع المصلين واعتدت على النساء والأطفال وكبار السن وحراس الأقصى، وأصابت العديد منهم بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط.
وأعاد اقتحام الأقصى، اليوم الجمعة، إلى الأذهان مشاهد المواجهات والاقتحامات السابقة في مطلع انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، وما أعقبها من اقتحامات لاحقة.