فلسطين في الكونغرس الأميركي: أصوات مُتعاطفة تلاحقها "أيباك"

21 فبراير 2024
طليب ونواب من فريق "سكواد" أمام الكونغرس، 8 نوفمبر (سلال غونيز/الأناضول)
+ الخط -

يسود اعترافٌ في الولايات المتحدة بأن البيت الأبيض والكونغرس لم يتوافقا يوماً على أمرٍ كما فعلا تاريخياً لدعم إسرائيل. لكن اليوم ثمّة أمل للفلسطينيين، رغم الوضع الذي أصبح أكثر تعقيداً بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. إذ يلوح تبدلٌ ولو طفيفٌ في واشنطن، وبعيداً عن الشارع، يوحي بأن هناك أخيراً فوق تلّة "كابيتول هيل" في قلب العاصمة واشنطن من يُصغي لطرفٍ غير إسرائيل.

وتبدو الأمور في الكونغرس الأميركي شديدة التعقيد بعد 7 أكتوبر، تاريخ هجوم حركة "حماس" على مستوطنات غلاف غزة، والحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع التي تلته. فمن جهة، ازداد الاصطفاف في العاصمة الأميركية إلى جانب إسرائيل، بعد هجوم "حماس"، وتعرض الصوت الفلسطيني للكثير من التحريض عليه داخل الكونغرس الذي كانت قد انتزعت عضويته أول نائبة أميركية فلسطينية، هي رشيدة طليب، في عام 2018.

في المقابل، يقول رأي متفائل إن ما بعد 7 أكتوبر ليس كما كان قبله داخل الكابيتول. فبعدما كان الجميع هناك، تاريخياً، يشيحون آذانهم لدى سماع كلمة "فلسطين"، وخصوصاً الجمهوريين، وجاءت رئاسة دونالد ترامب لتوجد صيغاً أكثر مكراً للالتفاف على الصراع، عادت القضية الفلسطينية إلى صلب الاهتمام الرسمي. وحصل ذلك حتى في عهد جو بايدن، "المتصهين" منذ 40 عاماً، وكونغرسٍ لا يتجاوز فيه عدد المتضامنين مع غزة، اليوم، إذا ما احتسبوا بين مؤيدين ومتضامنين ومتعاطفين ومستمعين بخجل، الـ60 عضواً، بين نواب وشيوخ، وذلك من أصل 535 عضواً.

من بين المؤيدين لحقوق الفلسطينيين قّلة في مجلس الشيوخ، وفي مجلس النواب هم خصوصاً أعضاء فريق "السكواد"

ولا يأتي التفاؤل من فراغ. فكل مواقف الكونغرس الأميركي من القضية الفلسطينية، منذ عام 1948، لم تحمل أي إيحاء بأن هذا الجسم التشريعي المكمّل للسلطة التنفيذية في واشنطن قد ينطق يوماً بكلمةٍ غير إسرائيل. إذ إن حماية هذا الكيان لم تشكّل طوال عقود فقط قضية أمن قومي أميركي، بل نابعة أيضاً من عنصرية غربية تاريخية تجاه العرب، وتداخل مصالح الغرب الاستراتيجية مع الشرق الأوسط، معطوفة على إرث الاستعمار والحروب والحرب الباردة، وحروب العرب مع إسرائيل، وصولاً إلى 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وخطر إيران و"وكلائها"، كما تسمّيهم واشنطن، فضلاً عن نفوذ اللوبيات والأموال والشركات، لتتحكم كلّها بعقول أعضاء الكونغرس الأميركيين ومصير الفلسطينيين.  

أما التفاؤل فله أسبابه، أولها تبدل المزاج الشعبي الأميركي، حتى لو أن ترجمته لم تصل كثيراً إلى الأعضاء المنتخبين. وثانياً، استنفار لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) وشركائها، منذ أعوام، وقد عزّزه 7 أكتوبر، في محاولة لإبعاد داعمي الفلسطينيين عن الكونغرس، وأغلبهم من التقدميين. هذا الاستنفار قد يُصعّب مهمة الفلسطينيين داخل الكابيتول، لكنه دليل على حجم التغيير.

ويشرح العارفون من داخل الولايات المتحدة سبب استنفار اللوبي الإسرائيلي، وهو أن رقم الـ60 عضواً من المتعاطفين مع الفلسطينيين، ولو من أصل 535، مقبول جداً مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقود. ويقول أحد الناشطين الفلسطينيين من داخل الحزب الديمقراطي، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "كان حلماً اللقاء قبل 35 عاماً بعضو أو عضوين في الكونغرس. اليوم نحن كجالية فلسطينية نستطيع أن نصنّف حوالي 60 منهم أصدقاء ومتعاطفون معنا ولو بدرجات متفاوتة".

أسماء مألوفة في الكونغرس الأميركي

منذ أن جعل الرئيس الديمقراطي هاري ترومان الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل في عام 1948، لم يتوقف سيل القوانين في الكونغرس التي حمت ظهر إسرائيل، وحاربت منظمة التحرير الفلسطينية، وجماعة مقاطعة الاحتلال (بي دي أس)، وحاصرت الفلسطينيين في مسارات للسلام، احتكرتها واشنطن وأحبطتها تل أبيب، وصولاً إلى تجريم معاداة السامية وربطها بانتقاد الصهيونية وإسرائيل، ومعاقبة حركات المقاومة التي يراها الفلسطينيون حقّاً لهم وتصنفها واشنطن "إرهابية". وبعد 7 أكتوبر، حين تناغم الكونغرس والبيت الأبيض و"الفيتو الأميركي" في مجلس الأمن لإسناد إسرائيل، صرخ النائب التقدمي في مجلس النواب جمال بومان بأن قانوناً لإبداء الدعم لإسرائيل أصبح طبقاً أسبوعياً يُعرض على التصويت في الكابيتول، فـ"متى يحين الوقت لنصوّت من أجل الفلسطينيين؟".

ومرّر مجلس الشيوخ، في 13 فبراير/ شباط الحالي، قراراً يمنح 14.1 مليار دولار مساعدات لإسرائيل في حربها على غزة، بانتظار تمريره في مجلس النواب (لم يمرّر بعد حتى تاريخ 20 فبراير). وفي 19 أكتوبر، مرّر "الشيوخ" بموافقة 97 عضواً (من أصل 100)، مقابل صفر اعتراض، قراراً يؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويدين هجوم "حماس"، ويعيد التأكيد على أن الولايات المتحدة "تقف جاهزة لدعم إسرائيل بالتجهيزات الطارئة أو أي احتياجات أمنية ودبلوماسية واستخبارية أخرى". وقال رئيس الأغلبية الديمقراطية في المجلس تشاك شومر إن "7 أكتوبر سيكتب في التاريخ كيوم عار". وفي 17 يناير/ كانون الأول الماضي، أفشل "الشيوخ" مشروع قرار تقدم به السيناتور بيرني ساندرز لتجميد المساعدات الأمنية لإسرائيل حتى التحقيق بممارسات الجيش الإسرائيلي في غزة. ودعم المشروع 11 سيناتوراً ديمقراطياً فقط.

يقرأ اللوبي الإسرائيلي المتغيرات على الساحة الأميركية مع صعود التقدميين في الكونغرس

في المقابل، كانت البيانات والرسائل إلى بايدن أكثر ما استطاع فعله المتعاطفون مع غزة، ومنهم من فعل ذلك استجابة لضغط الرأي العام، وفقط بمنشورات على "إكس". وحين أيّد 49 ديمقراطياً في "الشيوخ" من أصل 51 عضواً ديمقراطياً، الشهر الماضي، بياناً فقط، يؤكد على ضرورة حلّ الدولتين، قدّمه السيناتور بريان شاتز (يهودي)، قامت قيامة الجمهوريين. لكن السيناتور الديمقراطي تيم كين تجرأ وحمّل حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية جزءاً من مسؤولية التدهور الأمني الحاصل. وشاتز وكاين من القلائل الذين يجاهرون بموقف سياسي أكثر اعتدالاً داخل الكونغرس حيال الصراع. وقد صوّت 44 عضواً فقط في مجلس النواب لصالح بيان مماثل الشهر الماضي.

ومن بين من يسيرون عكس التيار قّلة في مجلس الشيوخ، وفي مجلس النواب هم خصوصاً أعضاء فريق ما يعرف بالـ"سكواد" (الزمرة أو العصابة) التقدميين، مثل ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، جمال بومان، إلهان عمر، كوري بوش، أيانا بريسلي، كريغ كازار، ديليا راميريز، وأندريه كارسون. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني فقط 24 نائباً ديمقراطياً، من أصل 435، وقّعوا على رسالة لبايدن طالبوه فيها بالدعوة لوقف إطلاق النار في غزة، على اعتبار أن "ما نفعله اليوم سيؤسس لسلام دائم في المستقبل". وعلى رأس الموقعين النائبة عن مينيسوتا بيتي ماكوليم (قدّمت مراراً مشروع قانون لمراقبة الدعم العسكري لإسرائيل قبل 7 أكتوبر)، ومارك بوكان، براميلا جايابال، سامر لي، جوناثان جاكسون (ابن القس جيسي جاكسون)، وباربارا لي. أما طلب تسهيل إيصال المساعدات دون وقف إطلاق النار، فقد نجح بجمع تواقيع 130 عضواً في الكونغرس، من النواب والشيوخ مجتمعين.

هذه الأسماء وغيرها، والكثير منها من الأقليات، أصبحت مألوفة للفلسطينيين في الولايات المتحدة، كما أصبحت أهدافاً لـ"أيباك". وهناك أيضاً أعضاء كونغرس يهود أدانوا هجوم "حماس"، وأكدوا على حقّ إسرائيل بالدفاع عن نفسها، لكن بعضهم رافض لسلوك اليمين المتطرف الإسرائيلي و"الشيك المفتوح" من بايدن لحكومة بنيامين نتنياهو. من بينهم السيناتور جون أوسوف، المعروف برفضه لتوسع الاستيطان في الضفة الغربية. وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في نوفمبر الماضي، فقد بدأ 3 نواب يهود في الكونغرس الأميركي، من أصل 35 نائباً وعضو "شيوخ" يهود، "يلمحون إلى أن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يجب أن يبقى مفتوحاً"، وهم أوسوف، بيكا بالينت ودين فيليبس.

ويقول رئيس "المجلس الفلسطيني في الولايات المتحدة" US Palestinian Council، جون ضبيط، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الناشطين الفلسطينيين في الولايات المتحدة يعملون منذ بدء الحرب كخلية نحل لإيصال أصواتهم لمراكز القرار ووقف حرب الإبادة في غزة.

وهذا المجلس هو المؤسسة الفلسطينية الوحيدة في الولايات المتحدة المسجلّة قانونياً وفقاً للمادة C4501، لتمثيل مصلحة الجالية الفلسطينية (عددها حوالي مليون نسمة) لدى الجهات الرسمية، وقادرة على أن تكون "لوبي"، أي جماعة ضغط، والوصول إلى السياسيين.

ويقرّ ضبيط بأنه لم يدعوا إلى الكونغرس بعد 7 أكتوبر (ذكر الإعلام الإسرائيلي أنه بعد 7 أكتوبر لم يتجاوز الفلسطينيون الذين استضافهم الكونغرس في جلسات الاستماع التي عقدها بشأن حرب غزة نسبة واحد في المائة). علماً أن المجلس بحسب ضبيط كانت له اجتماعات قبل 7 أكتوبر، في مقر وزارة الخارجية، ومع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ودعم حملات مرشحين ديمقراطيين للرئاسة والكونغرس، وضبيط نفسه هو عضو في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي عن ولاية أيوا. لكنه يلفت إلى أن الاتكال اليوم هو على "أصدقاء" الفلسطينيين داخل المجلس. ويقول: "نحن اعتمادنا أن يأخذوا السردية منا، ويوصلوها إلى هناك".

ويقول ضبيط لـ"العربي الجديد"، إن اجتماعات عدة عقدت أخيراً ضمّت الجالية الفلسطينية والعربية، لافتاً إلى أن القرار حتى الآن هو بعدم التصويت لبايدن لولاية ثانية، لأن "صوتنا لا يجب أن يكون رخيصاً"، لكنه يؤكد أنهم سيصوتون بكثافة في انتخابات الكونغرس.

ويعترف ضبيط بأن مهمة إيصال الصوت الفلسطيني إلى الكونغرس، وفي الولايات المتحدة عموماً، ليست سهلة، لكنهم اليوم يعوّلون على الجيل الأميركي الشاب المعني كثيراً بمسألة حقوق الإنسان. ويقول حول ذلك إن "الأغلبية اليوم في الكونغرس من كبار السن ومن سيذهبون إلى التقاعد، ونحن نسعى للاستثمار في الشباب". وعن تجربته، يشرح أنه لدى وصوله إلى الولايات المتحدة قبل 35 عاماَ، "كنا نهاجم بمجرد أن نلفظ كلمة فلسطين، ما حفزّنا للعمل من أجل تغيير هذا السلوك، واليوم أصبحت فلسطين جزءاً من برنامج الحزب الديمقراطي". لكن برأيه، أحداث 7 أكتوبر عقّدت الأمور.

"أيباك" تستنفر

وتتربص "أيباك" في موسم الانتخابات الأميركية (5 نوفمبر) بفريق التقدميين في الكونغرس وبكل المرشحين المعاكسين لما تعمل من أجله تاريخياً، أي التكامل وتبادل المنافع الدائم بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وقال المتحدث باسم اللجنة التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1953، مارشال ويتمان، أخيراً، في بيان، إن "الأميركيين في كل أنحاء البلاد يدعمون بشدّة الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل، والجمهوريين، ويعملون لهزيمة المرشحين المعادين لإسرائيل"، مضيفاً أن "ناشطينا متحمسون جداً، نظراً للظروف الاستثنائية التي تحيط بهذه الانتخابات بالنسبة للحركة المؤيدة لإسرائيل".

ضبيط: اجتماعات عدة عقدت أخيراً ضمّت الجالية الفلسطينية والعربية، والقرار هو بعدم التصويت لبايدن لولاية ثانية

ويقرأ اللوبي الإسرائيلي المتغيرات على الساحة الأميركية مع صعود التقدميين، لكن حجم تظاهرات دعم غزة أحدثت أيضاً صدمة بشرية للجنة، ما جعلها تُفعّل كل أدوات الضغط، ومنها تحريك ماكينتها المالية لمحاربة "التغييريين".

ويرجّح أن تصرف "أيباك" عشرات ملايين الدولارات في هذا الموسم الانتخابي، مصوبّة على الحزب الديمقراطي، ونائب واحد جمهوري هو توماس ماسي. وماسي الوحيد في مجلس النواب الذي صوّت في مايو/ أيار الماضي، ضد قانون يدين محاربة السامية، وفي نوفمبر الماضي، كان مع طليب الوحيدين اللذين صوّتا ضد قانون "يؤكد حق إسرائيل في الوجود ويعتبر رفض ذلك أحد أشكال معاداة السامية"، كما كان الجمهوري الوحيد الذي صوّت في 25 أكتوبر الماضي، ضد مشروع يدين هجوم "حماس"، و"يؤيد إسرائيل فيما تدافع عن نفسها ضد الهجوم البربري لحماس" (صوّت 9 ديمقراطيين ضدّه فقط).

فتح صندوق المال "المشبوه"

ولا يقتصر نشاط "أيباك" على الإعلانات التشهيرية بالتقدميين. فلمعاكسة استطلاعات الرأي التي تؤكد رفض أكثر من 50 في المائة من الناخبين الديمقراطيين لإدارة بايدن للصراع، تراهن مجدداً على فتح صندوق لجنتها السياسية التي استحدثتها في عام 2021 (super pac)، "مشروع الديمقراطية الموحدّ" (United Democracy Project)، علماً أنها تقول إنها استخدمت في عام 2022 المال السياسي للمرة الأولى في التمهيديات الديمقراطية عبر هذه اللجنة، وتتفاخر بأن 90 في المائة ممن دعمتهم فازوا. وتصف تقارير إعلامية هذه اللجنة بأنها باتت أقوى من لوبي السلاح الفردي في الولايات المتحدة (إن آر إيه). ويجدر التذكير بأن ديمقراطيين في ميشيغن، هما ناصر بيضون وهيل هاربر، أعلنا أخيراً أن "أيباك" أو مانحاً لها اقترح على كل منهما الترشح هذا العام ضد رشيدة طليب في الولاية بتمويل سخي.

ومع أن التقدميين يبقون داخل الحزب الديمقراطي، الأكثر جذباً لجيل الشباب، فإن استهدافات "أيباك" لم تقتصر عليهم. ففي 2022، جنّدت كل طاقاتها لإلحاق الهزيمة بالنائب اليهودي أندي ليفين عن ميشيغن (كان رئيساً لكنيس يهودي)، الذي تقدّم في 2021 بمشروع قانون لـ"حلّ الدولتين". وقد هُزم بالفعل.

ولا تعمل "أيباك" منفردة، بل تساندها جماعات أخرى مشابهة في محاربة الديمقراطيين المعارضين لسياسات إسرائيل، مثل "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل" (دي أم أف آي). وحتى منظمة "جي ستريت" الموالية لإسرائيل، لكن التي تصف نفسها بالليبرالية والداعية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والمعارضة للاستيطان، وهي مجموعة ضغط وتجمع التمويل أيضاً للمرشحين، لم تعلن دعمها بعد 7 أكتوبر لوقف إطلاق النار بغزة. في المقابل، تقف في وجه هذه اللوبيات منظمات أخرى، مثل justice democrats (ديمقراطيون للعدالة)، التي أطلقت حملة شرسة للتنديد بـ"المال المشبوه" من "أيباك" داخل الكونغرس، محذرة من إيصال أعضاء إليه بأموال هذه اللجنة.

وبحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في 10 يناير الماضي، فإن أموال "أيباك" ساهمت في رفع مستوى الدعم لإسرائيل في الكونغرس مع بداية الحرب، وفي أول 6 أسابيع منها، وأن أعضاء الكونغرس الذين يأخذون أموالاً أقل من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، هم الأكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين. ووفق بياناتها، فإن 9 في المائة من أعضاء الكونغرس فقط هم داعمون للفلسطينيين، وهذا رقم تتوافق عليه مواقع عدة تلاحق أعداد أعضاء الكونغرس حتى الآن المطالبين بوقف إطلاق النار في غزة.

لكن دعم "أيباك" حمل مفاجآت، إذ بينما كانت تعوّل على أعضاء في الكونغرس سخت عليهم، جاءت مواقفهم محبطة لها، كالسيناتور ديك ديربين (إيلينوي)، الذي يتلقى من هذا اللوبي أكثر مما تتلقى إليزابيث وارن أو ساندرز، وكان في 1982 أول مرشح لـ"أيباك" لمجلس النواب يلحق الهزيمة بمرشح نائب في الانتخابات في ولايته، لكنه كان أول سيناتور يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وذلك في 2 نوفمبر الماضي. وعلّق قائلاً: "لنواجه الأمر. لقد امتد ذلك (الصراع) لعقود. نحتاج إلى حلّ في الشرق الأوسط يمنح بعض الأمل للمستقبل".

فرانك: لحصول التغيير، ينبغي على الكونغرس تمرير مشروع قانون يقول صراحة إنه لا حلّ عسكرياً للصراع

رغم ذلك، لا يزال الشرخ كبيراً بين موقف الكونغرس الداعم بأغلبيته لإسرائيل ومواقف الأميركيين الذين انتخبوا أعضاءه، لكنه شرخ يتأثر بوطأة ضغط الشارع، كما يقول ناشطون. إذ بينما كان 4 أعضاء من "الشيوخ" فقط قد طالبوا حتى نوفمبر الماضي بوقف إطلاق النار في غزة، هم ديربين ووارن وجيف ميركلي وبيتر ويلش، ارتفع العدد اليوم إلى 25، بحسب موقع "وين ويذاوت وور". وبحسب موقع "حزب عائلات العمل" (حزب ثانوي في الولايات المتحدة)، فإنه بحلول 15 فبراير الحالي، أصبح هناك 68 عضواً في الكونغرس دعوا إلى وقف إطلاق النار، سواء بتقديم مشروع قرار أو بيانات أو تعليق على "إكس".

وتقول إيمان عابد – طومسون، المنسقة والمديرة لـ"الحملة الأميركية من أجل حقوق الفلسطينيين"، والتي تعمل مع الجماعات المؤيدة لفلسطين، لـ"العربي الجديد": "من يُحدثون التغيير ليسوا أعضاء الكونغرس، بل الأشخاص الذين انتخبوهم". وتضيف: "الضغط المتواصل من خلال التظاهرات، وحملات الدعم في كل أنحاء البلاد، أجبرت المُنتَخبين على الخروج عن الصمت، حتى من هم تاريخياً صامتون". وتلفت إلى أن "هذه الحركة مدفوعة من قبل أشخاص حول العالم لن يتوقفوا حتى يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار، وحرية لفلسطين". وتضيف: "نعلم أن تحرّرنا الجماعي سيحصل عمودياً، ومن الأرض إلى أعلى".

لكن الأستاذ في البلاغة والتواصل السياسي والمحاضر في جامعة أوريغون ديفيد آي فرانك يميل إلى عدم الإفراط في التفاؤل بإمكانية رؤية الكونغرس قريباً وقد مرّر قانوناً لوقف الحرب. ويفرّق فرانك، في حديث لـ"العربي الجديد"، بين الرأي العام الأميركي، الذي يتبدل ليصبح ضد إسرائيل، وبين "حرب الانتقام" التي تديرها إسرائيل على غزة، وموقف الكونغرس والسلطة التنفيذية اللذين يواصلان دعم إسرائيل بمواجهة كل الانتقادات. ويستبعد جداً أن ينضم نواب وأعضاء شيوخ أكثر إلى الداعين القلائل لوقف الحرب.

وبرأيه، فإن بايدن "يحدث بعض الضجيج دعماً لحقوق الفلسطينيين، لكنه يبقى كلاماً، فيما لا يزال الفلسطينيون يموتون نتيجة حملة القصف الاستراتيجية الممولة من ضرائب الأميركيين". ولحصول التغيير، فإنه "ينبغي على الكونغرس تمرير مشروع قانون يقول صراحة إنه لا حلّ عسكرياً للصراع"، وأن "يصّر الكونغرس على المحاسبة بهجوم 7 أكتوبر، ويطلب وقفاً لإطلاق النار في غزة، ويتمسك بوضع إطار سياسي يفعّل المساواة بين الشعبين، مع إقرار خطة مارشال ضخمة للفلسطينيين"، وفق رأيه.

المساهمون