استمع إلى الملخص
- الأوروبيون يضغطون على حكوماتهم لمقاطعة إسرائيل كدولة فصل عنصري، مستلهمين من دعمهم لأوكرانيا، بينما تبدو السياسات العربية عاجزة عن التأثير أو تقديم الدعم لغزة.
- التساؤلات تتزايد حول غياب الإرادة العربية في مواجهة الجرائم الإسرائيلية، وسط دعوات لتفعيل السياسات الرسمية لوقف خذلان غزة ومواجهة التفلت الصهيوني.
في وداع العام 2024 أدار دنماركيون وسويديون، وأوروبيون آخرون، ظهورهم لمفرقعات استقبال العام الجديد 2025. تحت العلم الفلسطيني اعتبروا أن لا شيء يدعو للاحتفال باستمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة. وليس على سبيل الموضة يختار بعضهم ارتداء الكوفية الفلسطينية، بل تعبيرا صادقا عن التضامن مع فلسطين. وسواء كانوا من السويد والدنمارك أو من أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا وغيرها، فإنهم كغيرهم من العرب غير مصدقين أن العالم العربي عاجز عن وقف جرائم الحرب المرتكبة بحق أكثر من مليوني إنسان في غزة.
هم يعتبرون أن التضامن مع الضحية يستدعي مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي لكونها دولة فصل عنصري، ويمارسون ضغوطاً على المستويات الحاكمة في دولهم، متسائلين باستغراب عما إذا كان العرب بهذا الضعف. التضامن مع أوكرانيا يقدم عند بعضهم نموذجاً مستمراً لضغط الأغلبية على قرارات دولهم السياسية. هم لم يستقبلوا فقط 6 ملايين أوكراني، بل فتحوا خزائن المال ومخازن السلاح ومستشفياتهم لجرحى أوكرانيا، وغيره من دعم.
في مقابل ذلك، تبدو السياسات الرسمية العربية عاجزة عن التأثير وعن ترجمة تضامن شعوبها مع ضحايا الإبادة الجماعية في غزة، بل كأنها بلا حول ولا قوة لوقف حتى حرق المستشفيات والخيام، أو استقبالها جرحى القطاع. كما أن انتشار صور موت الأطفال برداً أو حرقاً تحت الخيام كأنها لا تعني سياسات أمة مترامية الأطراف، أقله لكسر حصار جائر على غزة. من حق العربي المقيم في أوروبا تخيل سياسات أوروبا لو أن قطاع غزة محاذ لحدود إسكندنافيا وغيرها. ومن حق متضامنين أوروبيين السؤال عن تغييب عالم عربي عن مآس تؤثر فيهم إلى حد إدارة الظهر لاحتفالات أعياد الميلاد.
الاضطرار إلى مقاربة سياسات أوروبا، المختلفة ثقافياً ولغوياً ومذهبياً، مع قضاياها ومصالحها، تحت طائلة المحاسبة الشعبية، يستدعيه ما يشبه اعتيادا رسميا - إعلاميا عربيا على صور العار التي يتفنن جنود صهاينة في تظهيرها، ومد اللسان لكل العرب ومصالحهم ومكانتهم. ذات الأسئلة والمقاربات طرحت حين ودع العرب عام 2023 لتعود مع بداية 2025، حيث حالة الانفصام بين السياسات الرسمية والشوارع العربية تتزايد مع اتساع العربدة الصهيونية.
غير صحيح أن السياسات العربية عاجزة تماماً عن إحداث فرق، أو إنهاء حالة لا مبالاة، وصولاً إلى تطبيق الصهيونية أهدافها في نكبة ثانية. فتغييب الإرادة في التأثير والفعل سيكون أثره كارثيا على الجميع، حتى وإن اعتقد البعض أنه بمنأى عن عربدة الإبادة الجماعية المتواصلة، بقصد تسيد الصهيونية لما يسمى "شرق أوسط جديدا".
من المحزن والمؤسف أن يضطر غير العرب إلى السؤال عن إرادة السياسات الرسمية العربية لوقف خذلان غزة، وإظهار بعض مخالبها، حتى ولو من منطلق براغماتي يخص مصالحهم، لمواجهة التفلت الصهيوني من تبعات كل الجرائم الموصوفة أمام المحاكم الدولية، ولقرع أجراس الإنذار بوجه حماة تلك الجرائم في واشنطن، بدل التساوق المجاني مع مشاريعها التطبيعية.