"فورين بوليسي": سلاح العقوبات على الطيران المدني الصيني قد يردع بكين عن دعم روسيا عسكرياً
تعزز احتمالات إقدام الصين على تحالف وثيق مع روسيا، من مخاوف الغرب حيال التأثير الصيني على مسار الحرب الروسية في أوكرانيا، إذا ما أقدمت بكين على دعم موسكو بالسلاح، في ظل الزيارة التي يجريها الرئيس الصيني شي جين بينغ لموسكو ومباحثاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وفي هذا الصدد، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريراً عن أن الغرب قادر على ردع الصين بسلاح العقوبات على قطاع الطيران التجاري، لافتة في الوقت ذاته إلى أن فصل الطيران بين الغرب والصين ليس أمرًا حتميًا ولا مرغوبًا فيه، لكن احتمال قيام روسيا بإعادة تسليح نفسها بالأسلحة الصينية، قد يجعل التهديد بإعاقة صناعة الطائرات الصينية سلاحًا قويًا.
وقالت المجلة "إن قراراً صينياً بتزويد روسيا بالأسلحة من شأنه أن يغير العالم.. فقط الصين لديها المخزونات والقدرة الصناعية لتعويض خسائر روسيا المدمرة في المعدات في حربها ضد أوكرانيا"، في وقت يحذر فيه الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة غربيون آخرون القيادة الصينية من توفير التقنيات الفتاكة لروسيا.
وأشارت المجلة في تقريرها، إلى ما سمته نفوذاً غربياً يمكن أن يشكل أحد الخيارات لمنع خطوة كهذه، يتمثل في إيقاف صناعة الطائرات التجارية في الصين، وبالتالي توجيه ضربة ضد تطلعات بكين الاقتصادية والتكنولوجية المتعلقة بالنقل، كما ستكون ضربة كبيرة لهيبة الرئيس الصيني أيضًا، لأنه جعل الاكتفاء الذاتي التكنولوجي أولوية رئيسية للبلاد، على حد تعبير التقرير.
ووفق التقرير، فإن صناعة الطيران تشكل أساس البنية التحتية في الصين ووسيلة نقل أساسية للعديد من الصينيين من الطبقة المتوسطة. وحسب البنك الدولي، نمت حركة الركاب الجوية في الصين بأكثر من عشرة أضعاف بين عامي 2000 و2019، من 62 مليون مسافر إلى 660 مليون مسافر، وهذا ما أدى إلى جعل الصين زبونًا رئيسيًا للطائرات غربية الصنع، باستحواذها على 23 في المائة من إنتاج الطائرات العالمية، حسب بيانات نشرت في 2018.
وقال التقرير إن وسائل النقل التجارية الصينية الفاخرة والنقل الإقليمي المروحي التوربيني، والطائرات النفاثة الإقليمية، وطائرات الركاب، تعتمد بشكل كبير على التقنيات والأنظمة الغربية المستوردة، في حين يشكل تطوير بدائل محلية لهذه المكونات المستوردة وإنتاج طائرات صينية بحتة طريقًا طويلاً للغاية، إذا يعتمد منتجو الطائرات الحديثة على شراء أفضل التقنيات في فئتها من صناعة معولمة، ويعد الاكتفاء الذاتي وسيلة سيئة للغاية لإدارة صناعة الطائرات، حتى أن صناعة الطائرات الأميركية كانت منذ فترة طويلة مرتبطة بشركاء صناعيين في كندا وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة والعديد من البلدان الأخرى.
المحركات هي الحلقة الأضعف
ووفقا للتقرير فإن المحركات هي الحلقة الأضعف في خطط الطيران المدني في الصين، كون المحركات النفاثة تصنع في ثلاث شركات فقط، وهي "جنرال إلكتريك" و"رايثيون برات آند ويتني" في الولايات المتحدة، و"رولز رويس" في المملكة المتحدة، ولا توجد خيارات لمصادر أخرى.
وأشار التقرير إلى أن روسيا لا يمكن أن تصبح خيارًا لتوريد المحركات النفاثة للصين، كونها تعتمد اعتمادًا كليًا على الطائرات والمحركات الغربية، ولم تصنع سوى عدد ضئيل فقط من النماذج القديمة خلال العقود القليلة الماضية. كما منعت العقوبات الدولية، وهجرة الأدمغة أي فرص لصناعة محركات الطيران التجاري في روسيا التي تشكل الأنظمة العسكرية أولوية لديها، حسب تقرير "فورين بوليسي".
وتطرّق التقرير إلى محاولات صينية لتطوير محركات بديلة للمحركات المنتجة في الغرب، لكن مثل هذه الخطوة لن تتم دون الاعتماد بشكل كبير على التقنيات الغربية الرئيسية المستوردة، في حين أن كبار موردي المحركات لن يفكروا أبدًا في بناء محركات دون الاعتماد على موردين خارج بلدانهم الأصلية.
ولفت التقرير إلى أنه مع العقوبات الغربية أو بدونها، فإن أفضل سيناريو لتطلعات الصين في مجال الطيران هو محرك محلي الصنع من الدرجة الثانية سيكون متاحاً في منتصف عام 2030، لكن بشكل لا يقارن بالطرازات الغربية، وبموثوقية أقل، وحرق وقود أعلى وتكاليف تشغيلية عالية.
وتشكل طائرة MA700 الصينية، أحد الأمثلة التي أوردها التقرير على مدى ارتباط صناعة الطيران في الصين بالمحركات الغربية، ففي أيلول/ سبتمبر 2021، رفضت كندا بالاشتراك مع الولايات المتحدة منح تراخيص تصدير محرك شركة "برات ويتني" الأميركية، المستخدم في هذه الطائرة التي تضم 70 مقعدًا، ومنذ ذلك الحين، تم استبعاد طائرة MA700 فعليًا من خطط الطيران الصينية.
ونقلت المجلة في تقريرها عن محلل الطيران والدفاع ساش توسا، أن الصين أنفقت ما لا يقل عن 67 مليار دولار على برامج طائراتها على مدار العشرين عامًا الماضية، في صناعة فشلت مجازيًا وحرفيًا في الانطلاق.
وحسب التقرير فإن فشل الصين في إيجاد مسار مستقل في صناعة الطيران التجاري، سيعني أنه لن يكون أمامها خيار سوى الاستمرار في استيراد الطائرات الغربية من إيرباص وبوينغ، في ظل تعثر صناعة الطائرات الروسية أيضا. كما أنه لا يمكن لبكين الرد أو التأثير بخطوات معاكسة لأن الصناعة الصينية تلعب دورًا ضئيلًا في سلاسل التوريد الخاصة بصانعي الطائرات.
وقال التقرير إن المسؤولين الصينيين سيواجهون "يوم حساب" عندما يتم الكشف عن أن سياسات الاكتفاء الذاتي ضمن خطة الصين 2025 التي تبناها الرئيس شي جين بينغ محدودة للغاية، أو حتى خيالية تماما، على حد تعبير التقرير.
وأضاف: "سيكون أمام الصين خيار بسيط: إعادة التفكير في بيع الأسلحة لروسيا أو الاعتراف بأن خطط صناعة طيران وطنية تعتمد على نفسها لا يمكن الدفاع عنها، على الأقل خلال الـ 12 إلى 15 عامًا المقبلة".