توحي تحركات قوات النظام السوري في الجنوب باستعدادها لشنّ هجوم على الريف الشرقي من محافظة درعا الذي يضم فصيل اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، والذي أُسِّس بإشراف روسي ويضم عناصر فصائل المعارضة في الجنوب السوري، عقب تخلي الولايات المتحدة عنهم وإجبار المنطقة على الدخول بمصالحة قسرية مع قوات النظام عام 2018 بشروط.
يومها مُنِحت المنطقة نوعاً من الحرية في إدارة شؤونها بضمانات روسية. لكن سرعان ما جرى التراجع عن الأمر لصالح إعطاء النظام الضوء الأخضر ليستعيد السيطرة على تلك المنطقة تدريجياً، من خلال حملات أمنية وعسكرية وفرض تسويات جديدة على سكانها. وكان أشهرها الحملة العسكرية التي شنّتها قوات النظام منتصف عام 2021 على درعا البلد مركز محافظة درعا، وانتهت بالسيطرة على المدينة بعد حصارها وقصفها بالصورايخ، لتتوالى بعدها العمليات على ريف درعا الغربي، التي أُخضِع معظم مناطقها لسيطرة النظام.
وبالتوازي مع التمدد التدريجي لقوات النظام في محافظة درعا، عملت الأجهزة الأمنية عبر تجنيد أذرع محلية لها في أرجاء المحافظة كافة، على إشاعة الفوضى وتنفيذ تصفيات استهدف معظمها عناصر المعارضة الذين أجروا تسويات مع النظام. وقوبل ذلك بتنفيذ مجموعات محلية، تعمل سراً، تصفيات لعناصر من النظام ومتعاونين معه، لتسود حالة من الفوضى وفقدان الأمن في معظم أرجاء المحافظة.
وبدأت تظهر بين الحين والآخر خلايا لتنظيم داعش، يتهم أهالي المنطقة النظام بدعمها، بهدف خلق ذرائع إضافية لتنفيذ اقتحامات. كذلك، إن اشتهار محافظة درعا بالملاءة المالية، بسبب وجود عدد كبير من سكانها مغتربين في دول الخليج العربي منذ فترة ما قبل الثورة واعتماد معظم سكانها في معيشتهم على أموال هؤلاء المغتربين، دفع النظام إلى ابتزاز سكان معظم المناطق مادياً بطلب مبالغ طائلة مقابل التوقف عن عمليات ملاحقة معينة، أو الإفراج عن معتقلين، أو إلغاء عملية اقتحام لإحدى البلدات.
إن هذه الحالة من الفوضى الممنهجة من قبل قوات النظام، مع إحكام سيطرتها على المناطق المحاذية للحدود مع الأردن، وبشكل خاص مدينة درعا، مكّنها من فتح معبر نصيب مع الجانب الأردني بشكل منضبط، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية من خلاله، وحوّل المنطقة برمتها إلى بيئة مناسبة لتجارة المخدرات وترويجها في المنطقة، وتهريبها عبر الحدود الأردنية التي أحكم النظام سيطرته عليها، الأمر الذي يجعل من الجنوب السوري بوضعه الفوضوي الراهن ورقة مساومة وابتزاز حتى للدول المتضررة من تجارة المخدرات ومن حالة الفوضى. كذلك، إن هدف التحرك الأخير لقوات النظام يبدو قصّ ما بقي من مخالب اللواء الثامن، بعد تراجع دوره وتخلي الروس عنه.