على الرغم من حالة السكون المصرية على المستوى الرسمي بشأن ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، وغيابه عن أحاديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكبار مسؤولي الدولة المعنيين، أخيراً، في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الإثيوبية اضطرابات داخلية عنيفة، كشفت مصادر دبلوماسية غربية رفيعة المستوى في القاهرة عن تطورات جديدة بشأن الأزمة قد تنذر بتصعيد محتمل بين مصر وإثيوبيا.
زيارة فيلتمان مرتبطة بالملء الثاني والثالث لسد النهضة
وكشفت المصادر الغربية، لـ"العربي الجديد"، عن زيارة للمبعوث الأميركي إلى منطقة القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، إلى العاصمة المصرية القاهرة، نهاية شهر يناير/كانون الثاني الحالي، بناء على اتصالات مصرية أميركية متعلقة بتطورات أزمة سد النهضة، وتطورات الأوضاع في الجارة الجنوبية السودان.
وأوضحت المصادر الغربية ذات الاطلاع على أزمة سد النهضة، أن الزيارة المرتقبة لفيلتمان تأتي بناء على رغبة مصرية، لحث الإدارة الأميركية على لعب دور حاسم بعد وصول معلومات للقاهرة من أطراف ذات صلة بالأزمة، متعلقة بتأكيد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، عزم حكومته استكمال الملء الثاني للسد، بالإضافة إلى الشروع في المرحلة الثالثة من الملء.
وهذا الأمر ينذر بكارثة حال حدوثه، لما سيخلفه من عجز فادح في المياه يصعب تعويضه أو التعامل معه من جانب مصر.
الزيارة المرتقبة لفيلتمان تأتي بناء على رغبة مصرية
وأكدت المصادر، عدم تمكّن إثيوبيا من تنفيذ كامل عملية الملء الثاني في يوليو/تموز الماضي، بسبب عيوب فنية في إنشاءات السد، حالت دون اكتمال عملية الملء، إذ كان مقرراً ملء 13.5 مليار متر مكعب من المياه.
وهو ما أكدته مصر، في وقت سابق، متحدثة عن أن أديس أبابا لم تخزن أكثر من 4 مليارات متر مكعب في الملء الثاني الذي استمر لمدة أسبوعين فقط، ليصل إجمالي ما تم حجزه خلف السد حتى الآن إلى نحو 8.5 مليارات متر مكعب فقط.
اتهامات إثيوبية لمصر بدعم متمردي تيغراي
وبحسب المصادر الدبلوماسية الغربية، فإن التسريبات الإثيوبية بشأن عملية الملء الثالث المقررة في يوليو المقبل، تأتي رداً على ما تصفه دوائر في أديس أبابا بدعم مصري واسع لمتمردي إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا في مواجهاتهم مع القوات الحكومية.
وأشارت إلى أن لدى الحكومة الإثيوبية تأكيدات بشأن الدعم المصري للمتمردين على مستويات متعددة، على الرغم من الصمت المصري إزاء الأحداث التي شهدتها إثيوبيا أخيراً.
وقال أحد المصادر، إن ما تعتزم إثيوبيا الإقدام عليه خلال عملية الملء الثالث، ليس له مبرر مقنع، خصوصاً أن استكمال الكمية التي كانت مقررة في الملء الثاني، تكفي لتشغيل توربينات توليد الكهرباء، وهو ما يعني أن هناك مساحة للمرونة يمكن التعامل بها، خصوصاً في ظل حساسية الأمر بالنسبة لدولتي المصب، مصر والسودان.
الجدول الزمني لملء سد النهضة الإثيوبي
ووفقاً للجدول الزمني المعلن من الجانب الإثيوبي خلال مراحل تفاوض سابقة مع مصر والسودان، من المقرر أن يقوم الجانب الإثيوبي، بملء خزان السد بنحو 74 مليار متر مكعب، خلال فترة زمنية تتراوح بين 5 و7 سنوات.
وتشهد السنة الأولى تخزين 4.9 مليارات متر مكعب من المياه لتصل إلى ارتفاع يوازي أدنى نقطة على جدار السد، مما يسمح لإثيوبيا باختبار أول مجموعة من التوربينات التي تولد الطاقة الكهربائية، وذلك في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط إجمالي التدفق السنوي للنيل الأزرق 49 مليار متر مكعب من المياه.
أما في السنة الثانية، فكان من المقرر أن يتم تخزين نحو 13.5 مليار متر مكعب أخرى، ليصل إجمالي الكمية المخزنة بعدها إلى 18.5 مليار متر مكعب.
لم تتمكن إثيوبيا من تنفيذ كامل عملية الملء الثاني في يوليو/تموز الماضي
ووفقاً للتصميم المعلن من جانب الحكومة الإثيوبية، من المقرر أن يبلغ ارتفاع السد 170 متراً (558 قدماً)، وعرضه 1.800 متر (5.906 قدماً)، على أن يكون له محطتان لتوليد الطاقة الكهربائية؛ على جانبي قناتي تصريف المياه.
ويحتوي تصميم السد على 16 وحدة كهربائية، قدرة كل منها 350 ميغاوات، عبارة عن 10 توربينات على الجانب الأيسر من قناة التصريف، و6 توربينات على الجانب الأيمن، مما يجعل سد النهضة في المرتبة الأولى أفريقياً والعاشرة عالمياً في قائمة أكبر السدود إنتاجاً للكهرباء.
وفي 19 يوليو/تموز الماضي، قال وزير المياه والري الإثيوبي آنذاك، سيلشي بيكلي، إن بلاده أكملت مرحلة الملء الثاني لسد النهضة، مضيفاً في الوقت ذاته "هذا يعني أن لدينا الآن كميات المياه الضرورية لتشغيل المحطتين"، وهو ما يكفي ليبدأ مشروع السد في توليد طاقة كهربائية.
وعلى الرغم من ذلك، لم تبدأ منذ ذلك الحين أي عمليات لتوليد الكهرباء من السد، ما اعتبره خبراء مصريون دليلاً على عدم صحة المزاعم الإثيوبية.
وفي وقت سابق، صرحت الولايات المتحدة الأميركية، بأن ملء إثيوبيا للسد سيشكل مصدر توتر متزايد، وحثت الأطراف على الامتناع عن اتخاذ أي خطوة أحادية الجانب.
تداعيات سد النهضة على مصر
في غضون ذلك، كشف تقرير حكومي مصري، أخيراً، حدود الآثار والتداعيات السلبية المحتملة لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، على الدولة المصرية.
وحدد تقرير التنمية البشرية في مصر لعام 2021 والصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جوانب أزمة المياه العذبة في مصر وتحدياتها المستقبلية، خصوصاً في ما يتعلق بقضية سد النهضة.
وذكر التقرير أن عملية ملء السد ستحدث تأثيراً خطيراً في مدى توافر المياه بمصر، كما ستؤدي إلى خفض نصيب الفرد من المياه، ومن ثم ستؤثر في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ولا سيما في حال ملء إثيوبيا خزان السد على نحو غير متعاون.
لدى الحكومة الإثيوبية تأكيدات بشأن الدعم المصري لمتمردي تيغراي
وأورد التقرير أنه في حال استغرقت عملية الملء 5 سنوات فقط، كما خططت إثيوبيا، سيزيد معدل النقص التراكمي لمياه السد العالي بأسوان إلى 92 مليار متر مكعب، موزعة على مدى سنوات عدة. وأكد التقرير أنه سرعان ما سينخفض منسوب المياه في بحيرة ناصر إلى 147 متراً، فيتعذر تعويض المفقود من المياه.
واستطرد التقرير أنه سيكون لملء سد النهضة وتشغيله تأثير سلبي على إنتاج السد العالي من الطاقة الكهرومائية، فمثلاً بحال استغرقت عملية ملء سد النهضة 5 سنوات، ستصل التكلفة المرتبطة بانخفاض إنتاج السد العالي من الطاقة الكهرومائية بعد 10 سنوات من عملية الملء إلى نحو 16.4 مليار دولار، مما يعيق قدرة مصر على ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة، على خدمات الطاقة الموثوقة والمستدامة.
ووفقاً للتقرير، تستخدم المياه لإنتاج 12726 جيغاوات في الساعة من الطاقة الكهرومائية، تمثل 5.6 في المائة من إجمالي الكهرباء المولدة، ويبلغ إجمالي قدرات الطاقة الكهرومائية 2832 ميغاوات، ويحظى السد العالي بالنصيب الأكبر منها.