تماهيا مع سلسلة التقدمات التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف في شمال أوروبا، سواء السويد التي أصبحت حكومتها تعتمد على الأصوات البرلمانية لحزب له جذور بين النازيين الجدد، أو فنلندا التي يشارك فيها اليمين في الائتلاف الحكومي، جاء الفوز الكبير لحزب "من أجل الحرية" الذي يقوده الزعيم الشعبوي المناهض للإسلام خيرت فيلدرز في الانتخابات البرلمانية الهولندية، عقب فرز شبه كامل للأصوات، وهذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها حزب يميني متطرف بهذه الانتخابات، مما دفع "أسوشييتد برس" لوصف هذا التحول بـ "المذهل في أمة اشتهرت ذات يوم بأنها منارة للتسامح".
هذه النتائج يمكن فهمها في ضوء إعلان رئيس الوزراء المنتهية ولايته مارك روته في يوليو/تموز الماضي، سقوط حكومته بسبب خلافات "لا يمكن التغلّب عليها بشأن الهجرة"، إذ يبدو جليا أن الناخبين الهولنديين وجدوا ضالتهم في فيلدرز وحزبه الذي ينضح بكراهية الأجانب والمهاجرين ويدعو إلى مكافحة الهجرة عبر إعادة مراقبة الحدود الهولندية، واحتجاز وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وإعادة طالبي اللجوء السوريين، وإعادة العمل بتصاريح العمل لمواطني الاتحاد الأوروبي.
"ترامب هولندا" الموالي لإسرائيل والمعادي للاتحاد الأوروبي
ولد فيلدرز في مدينة فينلو الهولندية في عام 1963، وحين بلغ السابعة عشرة من عمره سافر إلى دولة الاحتلال وهو اليهودي من جهة أمه، وعمل في مزرعة تعاونية "كيبوتس" بحسب "رويترز"، وهذا ما يفسر على نحو ما ولاءه المطلق لدولة الاحتلال وعلاقته القوية بمسؤوليها، وحتى حين أظهرت النتائج الحالية للانتخابات تصدر حزبه نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مقطع فيديو يظهر فيه فيلدرز وهو يحتفل بهذه النتائج وخلفه العلم الإسرائيلي، كما أنه يؤيد نقل سفارة هولندا إلى القدس وإغلاق البعثة الدبلوماسية الهولندية في رام الله.
وفي يونيو/حزيران 2010 طالب فيلدرز حكومة بلاده والاتحاد الأوروبي بإلغاء اعترافهما بالأردن لأن "الأردن هو فلسطين، وتسمية الأردن فلسطين من شأنها أن تنهي أزمة السلام في الشرق الأوسط بإيجاد وطن بديل للفلسطينيين"، مضيفا أن "إسرائيل يجب أن يكون لها موقع خاص ومميز في العلاقات الهولندية الدولية، لأنها تقاتل نيابة عنا في القدس التي إذا ما سقطت في يد المسلمين فسيأتي الدور على أثينا وروما، لذلك فإن إسرائيل هي الجبهة المركزية في الدفاع عن الغرب الحر ضد بربرية الأيديولوجيا الإسلامية". حسب زعمه.
كانت المرة الأولى التي يصل فيها فيلدرز إلى مجلس النواب عام 1998 ممثلا عن حزب "الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" ذي التوجه الليبرالي المحافظ، لكنه ما لبث أن أعلن انفصاله عن الحزب إثر خلاف بشأن موقفه من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، ليعلن عام 2006 تأسيس حزبه الخاص اليميني المتطرف "من أجل الحرية"، الذي نجح في الحصول على تسعة مقاعد برلمانية في الانتخابات خلال العام نفسه، ومنذ ذلك الحين يعارض حزبه بشكل عام سياسات الاتحاد الأوروبي ويدعو هولندا لخفض مدفوعاتها له، بل إنه دعا في برنامجه الانتخابي إلى إجراء استفتاء على خروج هولندا من الاتحاد، مثلما عارض تقديم بلاده الأسلحة لأوكرانيا، قائلا: "إن هولندا أولى فيها لتتمكن من الدفاع عن نفسها"، وكشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية أنه يتعاطف مع نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا ينفي إعجابه برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، اليميني المتطرف.
ويطلق على فيلدرز لقب "ترامب هولندا"، في إشارة إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فهما وفقا لمجلة "بوليتيكو" الأميركية، يمتلكان الموهبة نفسها في استغلال حالة الجدل المُثارة حولهما للهيمنة على وسائل الإعلام وجذب الأنظار بما يصُب في صالح الأجندة الخاصة بكليهما.
لا للإسلام.. لا للهجرة
يعرف عن فيلدرز مواقفه وتصريحاته المعادية للإسلام، ووفقا لما نقلته صحيفة "لوموند" فقد عبر عن نيته عرض صور كاريكاتورية للرسول محمد عليه السلام، أثناء الوقت الذي يخصصه التلفزيون الهولندي للأحزاب السياسية، وذلك تحت ذريعة الدفاع عن حرية التعبير، بعدما رُفض السماح له بعرضها داخل قبة البرلمان، وقال في بيان بعثه للصحيفة: "الطريقة الوحيدة لكي نوضح للجهاديين بأننا لن نركع أمام العنف والإرهاب هي أن نقوم تحديداً بما يسعون إلى منعنا من القيام به"، ولا يخفي فيلدرز سعيه الدؤوب لحظر القرآن الكريم داخل هولندا، حيث يشبهه بكتاب "كفاحي لأدولف هتلر، فضلاً عن مطالبته الدائمة بوقف هجرة المسلمين إلى هولندا وإغلاق كل المساجد، ودعوة حزبه لحظر الحجاب في الأماكن العامة.
وفي عام 2009، رفضت الحكومة البريطانية السماح له بزيارة البلاد بعد دعوة تلقاها من أحد أعضاء مجلس اللوردات، لعرض فيلمه الذي تبلغ مدته 15 دقيقة بعنوان "فتنة"، والذي ينتقد القرآن ويصفه بأنه "كتاب فاشي"، وقالت الحكومة البريطانية في حينها إنه يشكل تهديدًا "للوئام المجتمعي وبالتالي الأمن العام"، حيث أثار الفيلم احتجاجات عنيفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي في عام 2008 لربطه آيات قرآنية بلقطات لهجمات إرهابية. وفي عام 2014، أعلنت وزارة الخارجية الهولندية أن المملكة العربية السعودية "تنوي" فرض عقوبات اقتصادية على هولندا إثر صدور تصرفات مسيئة للإسلام من قبله، كما قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل ثلاث سنوات شكوى قضائية جنائية لدى القضاء التركي ضدّه، حيث نشر الأخير صورة كاريكاتيرية يظهر فيها أردوغان وهو يرتدي عمامة على شكل قنبلة، وكتب تحتها "إرهابي"، كما نشر صورة لسفينة تغرق بينما ترفع العلم التركي، وكتب تحتها: "مع السلامة أردوغان، اطردوا تركيا من حلف شمال الأطلسي".
بصورة مستمرة ، يعلن فيلدرز خوضه حرباً لا هوادة فيها ضد الهجرة وما يسميه بـ"أسلمة هولندا"، وفي عام 2016 دانته محكمة هولندية في أعقاب تقدم نحو 6400 شخص بشكاوى للشرطة ضده لتصريحات أدلى بها أثناء حملته خلال الانتخابات المحلية في لاهاي، وفي ذلك التجمع الانتخابي سأل فيلدرز أنصاره عما إذا كانوا يريدون مغاربة أكثر أم أقل في هولندا، عندها هتف أنصاره: "أقل.. أقل"، فابتسم قائلا: "سنعمل على تحقيق ذلك"، كما وصف المغاربة خلال العام ذاته بـ "الحثالة".
كل هذه المواقف والخطابات المناهضة للإسلام تدفع المسلمين في هولندا اليوم إلى اعتبار انتصار حزبه مثيراً للذعر والخوف والقلق من فترة مقبلة تبدو صعبة.