وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الإبادة الجماعية التي أودت بحياة قرابة مليون شخص في رواندا، أغلبهم من التوتسي وأشخاص من الهوتو وغيرهم من الذين حاولوا وقف الإبادة قبل 27 عاماً، بأنها واحدة من أبشع الفظائع في التاريخ الحديث، التي لا تزال حاضرة في الوجدان الجمعي الإنساني.
وجاءت تصريحات غوتيريس في "اليوم الدولي للتفكّر في الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا" على مدار 100 يوم عام 1994، تحت أنظار العالم. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 58/234 الصادر عام 2003، قد أقرت السابع من إبريل/ نيسان من كل عام، الذي يصادف بدء الإبادة الجماعية، يوماً دولياً للتفكّر فيها، وتأكيد ضرورة محاسبة المرتكبين. وأكد غوتيريس خلال كلمته التي ألقاها ضمن مراسم إحياء ذكرى الضحايا في الأمم المتحدة التي أقيمت في نيويورك عن بعد، بسبب إجراءات جائحة كورونا، وباشتراك أحد الناجين، ضرورة التضامن مع شعب رواندا واستخلاص العبر.
وحذّر من الخطر الذي تفرضه الجماعات المتطرفة ويواجهه الكثيرون في مناطق مختلفة من العالم. وقال إن الجماعات المتطرفة "تعزز صفوفها من طريق الاستقطاب والتلاعب السياسي والاجتماعي والثقافي. وتشكّل أعظم خطر تواجهه العديد من الدول في يومنا هذا". وأشار غوتيريس إلى التطور التكنولوجي "واستخدام الجماعات المتطرفة للتكنولوجيا لنشر أفكارها الخسيسة. وكيف يؤدي الانتقاص من إنسانية المجتمعات المختلفة والمحلية، كما التضليل الإعلامي، وإذكاء خطاب الكراهية ونشره إلى تأجيج أعمال العنف ضد هذه المجموعة أو تلك".
ثم ذكّر غوتيريس بأن جائحة كورونا كشفت عن الحاجة الماسة لسد الهوة ومعالجة التفاوت الذي زاد بعد انتشارها وتعمّق أكثر من ذي قبل. ولفت الانتباه إلى أن الأزمة الصحية العالمية أثرت سلباً في أوضاع حقوق الإنسان في الكثير من المناطق، وزادت من استغلال بعض الجهات لتلك الظروف، ما فاقم من التمييز والاستقطاب وعدم المساواة. وشدد في الوقت ذاته على أن هذه الظواهر يمكن أن تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف ونزاعات.
ثم ذكر غوتيريس بأن ما حدث في رواندا عام 1994 يظهر ما يمكن أن يحدث عندما "يسمح للكراهية بأن تسود، وأنّ من الضروري أن نعمل على ألا يعيد التاريخ نفسه، والتصدي للحركات التي تذكيها الكراهية وتشكل تهديداً عابراً للحدود". وختم غوتيريس بالحديث عن مقدرة شعب رواندا على إعادة إعمار بلاده والتقدم الذي أحرز منذ ذلك الوقت. وأشاد بالدور الذي لعبته المرأة في رواندا بإعادة إعمار البلاد، على الرغم من المعاناة الشديدة التي قاستها من عنف وتمييز بحقها. ولفت الانتباه إلى أن ستين بالمئة من مقاعد البرلمان في رواندا تشغلها اليوم نساء، ما يجعلها تحتل مكانة ريادية عالمياً.
يذكر أنه إضافة إلى قتل أكثر من مليون شخص في تلك الإبادة الجماعية ضد التوتسي، فإن حوالى 250 ألف امرأة اغتُصبت، ودُمرت البلاد والبنية التحتية وتشرد الملايين في بلد كان يعاني أصلاً من حرب أهلية آنذاك. وقامت رواندا بعملية طموحة من أجل تحقيق نوع من أنواع "العدالة والمصالحة" بعد الإبادة الجماعية. وبحسب "برنامج الأمم المتحدة للتوعية على الإبادة الجماعية ضد التوتسي"، فإنه في السنوات التي تلت تلك الإبادة الجماعية "اعتقل قرابة 120 ألف شخص، ووجّهت إليهم اتهامات بتحمّل المسؤولية الجنائية عن مشاركتهم في عمليات القتل". ومن أجل التعامل مع العدد الهائل من الجناة جرت متابعة الرد القضائي على ثلاثة مستويات: المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، ونظام المحاكم الوطنية، ومحاكم جاكاكا. وعلى الرغم من ذلك، فإن التقدم الذي أحرز في المحاسبة على المستوى الدولي يبقى محدوداً نسبياً كما المصالحة.
ووقعت الإبادة الجماعية تحت أنظار المجتمع الدولي، وتحديداً مجلس الأمن الدولي، حيث لم تتحرك الدول النافذة فيه كالولايات المتحدة وفرنسا. بل إن مجلس الأمن قلّص عدد قوات حفظ السلام من 2500 إلى 270 شخصاً، على الرغم من نداءات قائد قوات حفظ السلام، الكندي روميو دالير، وطلبه تعزيزها وتحذيره مما يحدث. بل إن بلجيكا سحبت قواتها من قوات حفظ السلام على الرغم من التحذيرات، بما فيها تلك التي أطلقها عدد من المنظمات الدولية بسبب ارتكاب مذابح ضد التوتسي والمعارضة في مناطق عديدة، وقبل بدء تنفيذ الإبادة الجماعية في السابع من إبريل/ نيسان عام 1994. وأشار عدد من التقارير والإصدارات إلى أن فرنسا لعبت دوراً مهماً، وعلى أكثر من صعيد، بسبب دعمها للهوتو الذين نفذوا تلك الإبادة، بل حتى لاحقاً في الحيلولة دون تحقيق المحاسبة الجنائية على مستوى دولي واسع، وبشكل أفضل.
وحول العبر التي استخلصتها الأمم المتحدة المتعلقة بإخفاقاتها والدور السلبي الذي لعبته؛ قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في تصريحات لـ"العربي الجديد" في نيويورك: "إن الدور الذي لعبته الأمم المتحدة تم الوقوف عنده وتحليله وتشريحه في تقرير مؤثر، صدر بعد الإبادة بسنوات وبطلب من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، كوفي آنان. وأعتقد أن واحدةً من العبر هي إطلاع مجلس الأمن على ما يجب أن يعرفه وليس ما يرغب بمعرفته، أي أن لا نقوم برقابة ذاتية، وأن نتأكد أننا نركز على حماية المدنيين. وأعتقد أننا نرى أن قوات حفظ السلام منذ الإبادة تقوم بذلك". وأضاف في هذا السياق: "على سبل المثال، عندما كانت هناك ملاحقات للمدنيين في عودة الحرب الأهلية في جنوب السودان قامت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بفتح مواقعها للمدنيين وحمايتهم. وكان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون واضحاً جداً في إعطاء التعليمات لقادته على الأرض بفعل ذلك والتركيز على إنقاذ الناس".