كشفت مصادر سياسية عراقية بارزة في العاصمة بغداد، اليوم الإثنين، لـ"العربي الجديد"، عن بدء قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" الجنرال إسماعيل قاآني جولة حوارات مع عدد من قادة الكتل والأحزاب السياسية وزعماء الفصائل المسلحة في العاصمة بغداد منذ عصر أمس الأحد، نقل خلالها رسائل عدة تتركز على وجوب تفكيك الأزمة الحالية ووجوب منع تكرار المواجهات أو الاحتكاك المسلح بالشارع مرة أخرى.
زيارة قاآني الجديدة إلى العراق، والتي بدأت من مدينة كربلاء ثم سامراء وبغداد منذ عدة أيام وفقاً لمصادر سياسية متقاطعة في بغداد، تتزامن مع تواجد القيادي في "حزب الله" اللبناني محمد كوثراني أيضاً.
وقال عضو بارز في تحالف "الفتح" لـ"العربي الجديد"، إن الحراك الحالي بعد انتهاء مراسم زيارة الأربعين الدينية يهدف لمنع أي تصعيد قد يحدث مرة أخرى بين طرفي الصراع المتمثل في "التيار الصدري" وقوى "الإطار التنسيقي".
وأكد أن المسؤول الإيراني إسماعيل قاآني كان تواجده خلال الأيام الماضية "شخصياً لإجراء زيارة دينية لعدد من المراقد المقدسة، لكنه عاد إلى بغداد، نهار الأحد، وبدأ بعقد اجتماعات مع كتل وأحزاب سياسية مختلفة".
وبحسب العضو البارز في التحالف، فإن هناك أهدافا للقاءات قاآني مع القيادات السياسية، وهي التهدئة وحث قوى الإطار على عدم التصعيد مع التيار، ووقف الحرب الإعلامية الحالية التي عاودت منذ يومين الارتفاع بعد تهدئة استمرت عدة أيام.
أكد سياسي آخر مقرب من تحالف "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، أن إيران تسعى لترسيخ الاستقرار السياسي في العراق، ومنع أي انتكاسة جديدة كما حصلت في البصرة والمنطقة الخضراء من مواجهات مسلحة، مشيرًا إلى أن هناك دفعا كبيرا منها لتشكيل حكومة، لكن ليس على حساب ليّ أذرع أي طرف سياسي بما فيها "التيار الصدري".
وتحدث السياسي عن إمكانية تغيير محمد شياع السوداني مرشح الإطار لرئاسة الحكومة، بأي مرشح آخر، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.
اجتماعات قاآني مع القوى السياسية الكردية
من جهة أخرى، كشف القيادي عن توجه قاآني لعقد اجتماعات مع القوى السياسية الكردية من أجل حثها على الإسراع بتسمية مرشح موحد لهم لمنصب رئاسة الجمهورية، وحتى لا يكون الخلاف الكردي – الكردي هو المعرقل لعملية تشكيل الحكومة الجديدة.
ويتضاعف القلق في الشارع العراقي من استمرار الأزمة السياسية الأطول في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد دخول المليشيات والجماعات المسلحة الحليفة لإيران على خط الأزمة، بالاصطفاف مع قوى "الإطار التنسيقي" ضد "التيار الصدري".
"تدخل يعمق الخلاف والصراع"
من جهته، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة السياسية في العراق وصلت لمرحلة معقدة جداً وحلها غير ممكن من خلال التدخل الخارجي، بل إن هذا التدخل "ربما يعمق الخلاف والصراع".
وبيّن الشريفي أن حل الأزمة السياسية في العراق يتطلب تقديم تنازلات ما بين أطراف الصراع والخلاف (التيار الصدري والإطار التنسيقي)، مشيرًا إلى أن حوارات قاآني لن تغير الكثير من المواقف، خصوصاً أن إيران فقدت الكثير من سيطرتها على بعض قرارات الكتل والأحزاب العراقية.
وأضاف الخبير في الشأن السياسي العراقي أن "الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا في المواقف، خصوصاً مع قرب نزول جمهور تشرين إلى الشارع، وهذا ما سيدفع أنصار التيار للنزول مجدداً لمنع الإطار من تشكيل أي حكومة جديدة".
وتتلخص محاور الأزمة العراقية حالياً في إصرار قوى "الإطار التنسيقي" على استئناف جلسات البرلمان ومعاودة عمله بشكل كامل، كما تتمسك بانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي.
في المقابل، يرفض "التيار الصدري" ذلك، ويصر على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال 9 أشهر، كما يطرح تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة.
كذلك يرفع مطلباً آخر هو تعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي تولت فعلياً منذ عام 2005 اختيار أعضاء هذه المحكمة، (عددهم 11 عضواً) بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية، إلى جانب ذلك، عدا عن رفض التيار تعديل قانون الانتخابات.
البرلمان سيعقد أولى جلساته في الأيام المقبلة
في السياق ذاته، قال عضو مجلس النواب محمد الصيهود، لـ"العربي الجديد"، إن "الأيام المقبلة قد تشهد أولى جلسات البرلمان، لترتيب العمل السياسي والشروع بتشكيل الحكومة الجديدة".
وأضاف الصيهود، أن "أبواب الكيانات السياسية، لا سيما (الإطار التنسيقي)، لا تزال مفتوحة لـ(التيار الصدري)، الذي لا بد أن يكون جزءاً من الحل، وليس جزءاً من الأزمة"، معتبراً أن عملية تشكيل الحكومة قد تستغرق أكثر من شهرين.
من جهته، اعتبر عضو "التيار الصدري" عصام حسين، أن عودة التيار ونوابه المستقيلين إلى البرلمان العراقي، "من المستحيلات"، عازيا ذلك إلى أن "الصدر لا يريد أن يُشارك في صناعة فساد جديد يقع العراقيون ضحيته، بالتالي فإن ما يصدر عن البرلمان والكتل السياسية التي تستعد لاستئناف عملها ومفاوضاتها لتشكيل الحكومة، ستتحمل مسؤولية الإخفاق في المستقبل لوحدها".
وأكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الصدر وضع تحت يد بعض الكيانات السياسية الوطنية خريطة طريق ومنهاجاً من أجل تصحيح عمل البرلمان والحكومة والدولة كحالة شاملة، إلا أن غالبية الأحزاب لا تزال تصر على الاستمرار بنهج المحاصصة الطائفية، لذلك فإن التيار لا يريد الاشتراك في ذلك".
"بداية لمرحلة سياسية حساسة"
بدوره، رأى المحلل السياسي والباحث علي البيدر، أن عقد جلسة جديدة للبرلمان يعني بداية مرحلة سياسية حساسة جديدة، لأنها تمثل قمة الاستفزاز للتيار وزعيمه الصدر، خصوصاً أن الإطار هو الذي يقود البرلمان في هذه المرحلة، بعدما بات الكتلة الكبرى.
وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التيار أمامه خيارات عدة، وهو يعمل في منطقة غير متوقعة، بالتالي فإن فشل الحوار مع الصدر وعقد جلسة رغماً عنه، سيؤدي إلى مشاكل لا يمكن التنبؤ بها".
وتعول القوى السياسية على عدة نقاط، في محاولة لتمرير اتفاق وسط تدعمه بعثة الأمم المتحدة في العراق، قائم على حكومة العام الواحد، عبر تشكيلة وزارية مهمتها تنظيم انتخابات جديدة في موعد لا يتخطى ديسمبر/ كانون الأول العام 2023، إلى جانب اختيار رئيس وزراء غير محسوب على أي من خصوم الصدر الرئيسيين، وهم نوري المالكي، وقيس الخزعلي، وعمار الحكيم.
وخلال هذه الفترة يتولى البرلمان مهمة إعادة النظر ببنود الدستور التي تسببت بالأزمة، وفقاً لنائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في أربيل.