يكثف قائد أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة، مع قرب موعد الاستفتاء على مسودة الدستور في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من لقاءاته مع قيادات المناطق العسكرية، حيث يلقي باستمرار خطابات تتضمن توجيهات سياسية حول الدستور.
وتقرأ في الخطوة رسائل سياسية موجهة إلى أطراف عدة، علاوة على أنه يمكن وضعها في سياق محاولة الجيش للتأثير في الموقف والتوجه العام للناخبين، ما يجدد النقاش حول الدور السياسي للجيش ومدى حقيقة استبعاده من الشأن السياسي.
ومنذ بدء الحملة الانتخابية، سجل حضور قوي ولافت لقائد الجيش في المشهد، وتوالت خطاباته التي بلغت ثمانية خطابات، بينها أربعة خطابات متتالية خلال الأيام الأربعة الأخيرة، تضمنت كلها، إضافة إلى مسألة دور الجيش في تأمين الاستحقاق الانتخابي، توجيهات سياسية ذات علاقة بالاستفتاء الشعبي والمضمون الإيجابي للدستور، بحسبه.
وقال شنقريحة، خلال زيارته أمس الأحد إلى قيادة المنطقة العسكرية الرابعة بورقلة جنوبي الجزائر، إن "إنجاح هذا الموعد الهام، المتمثل في الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، يستدعي منا كجزائريين التحلي أكثر من أي وقت مضى بنكران الذات وتحكيم صوت العقل وترجيح كفة المنطق السليم والمتزن".
وخلال زيارته الأول من أمس السبت المنطقة العسكرية الثانية في وهران غربي الجزائر، أبلغ قادة المنطقة والضباط أن الجيش يقدر أن الدستور هو الأولوية الراهنة، وقال إن "وضع البلاد على السكة الصحيحة يستوجب بالضرورة تحديد الأولويات، ولا شك أن الأولوية التي تفرض نفسها، في هذه المرحلة الحاسمة التي تمر بها الجزائر، هي أولوية التعديل الدستوري المطروح للاستفتاء الشعبي، والعودة للشعب ليعبر بصوته وبكل حرية وسيادة عن قناعته تجاه التعديلات الدستورية المطروحة".
وأوضح أن الدستور الجديد يفتح الباب للمرة الأولى للجيش لإمكانية "المشاركة في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في مهام حفظ السلم خارج الحدود الوطنية، وذلك بقرار من رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، وبعد مصادقة ثلثي أعضاء البرلمان بغرفتيه، وبشكل يسمح بأن يكون لنا خيارات من أجل الحفاظ على مصالحنا الاستراتيجية والحيوية".
ويفهم من كل هذه التصريحات، سواء تلك التي تثمن مضمون الدستور وتطرح إيجابياته، أو تلك الداعية إلى مشاركة شعبية كبيرة في الاستفتاء، أن الجيش انخرط من جهته في الحملة الانتخابية للدستور، إذ لا يفوت قائد الجيش فرصة زياراته وخطبه التي ينقل مضمونها على مختلف القنوات الرسمية والمستقلة، للدعوة إلى مشاركة شعبية كبيرة في الاستفتاء.
وقال شنقريحة خلال زيارته الخميس الماضي إلى قيادة القوات البرية إنه "على يقين تام أن هذا الشعب الأبي سيخرج بقوة يوم الفاتح من نوفمبر القادم، للمشاركة في الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، وسيدلي بصوته السيد بخصوص التعديلات المقترحة". كما اعتبر، خلال زيارته إلى المنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة شرقي الجزائر، أن "واجب الوطنيين المخلصين اليوم، وفي طليعتهم الجيش، هو المساهمة الفاعلة في إنجاح الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور لتحقيق التغيير المنشود".
تعليقاً على ذلك، يرى المحلل السياسي، إسماعيل تامة، أن هذه الخطابات لا يمكن إخراجها من السياق الانتخابي، وسعي الجيش للعب دور في توجيه الرأي العام والناخبين لدعم الدستور.
وقال تامة في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "هذه الخطابات لا تنفصل عن خطابات قائد الجيش السابق (أحمد قايد صالح)"، قبل أن يضيف "لاحظنا منذ بدء الحملة الانتخابية بدء خطاب النفير العام، وأعتقد أن تكثيف قائد الجيش لخرجاته وخطاباته في الفترة الأخيرة، يسعى إلى التعبئة الشعبية لصالح الاستفتاء والدستور، بمعنى معركة نسبة المشاركة ومعركة أعلى نسبة تصويت بنعم".
وتابع قائلا إن الخطابات تحاول أن تبعث إشارات، "الأولى معني بها الخارج، بما يفيد بأن كل ما يتم تنفيذه من مسار سياسي يجري في ظل انسجام تام بين الجيش والرئيس، والثانية معني بها قطاع واسع من الجزائريين المترددين بأن الجيش موافق على هذا المسار ويحميه ولا تمكن مقاومته، وتكون المعارضة ومكونات الحراك الرافضة للدستور معنية برسائل قائد الجيش بأن الدستور قضية الجيش أيضا ولا تعني السلطة السياسية فقط".
تدخل في الشأن السياسي
من جانب آخر، تقود خطابات قائد الجيش الأخيرة إلى مستوى آخر من النقاش حول استمرار تدخل الجيش وتطرقه لقضايا تخص الشأن السياسي، برغم الخطاب الرسمي الذي يزعم استبعاد الجيش عن السياسة، وتصريحات قائد أركان الجيش نفسه التي سبق وأكد فيها التزام الجيش بحدود مهامه الدستورية من دون أي تدخل في الشأن السياسي.
ويعتقد الباحث محمد بلعالية، والذي يعد دراسة أكاديمية حول "الجيش وتمدين السلطة في الجزائر"، أن خطابات قائد الجيش "تبين أن الجيش مؤسسة من المؤسسات الحيوية للدولة، ويعتبر نفسه معني بشكل مباشر بكل المسارات والخيارات السياسية والأحداث المحورية، ولذلك لا يمكن، بحكم طبيعة نشوء وتركيبة النظام السياسي في الجزائر، ألا يعلق الجيش على قضية بحجم الدستور".
وأوضح "أن مرحلة استبعاد الجيش بالكامل عن الخوض في الشؤون السياسية ما زالت بعيدة عن التحقيق في الجزائر لاعتبارات عديدة، أهمها عدم استقرار النظام السياسي، وبسبب عدم الاستقرار فإن الجيش يقدم موقفه دائما لتثبيت وضع أو توجه".
لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة باتنة شرقي الجزائر، عبد الله راقدي، يطرح مبررات توحي بتفهم موقف الجيش وتدخله في الشأن السياسي، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "الحديث عن المؤسسة العسكرية وعلاقتها بالفعل السياسي وكما هو حاصل في معظم دول العالم تحصيل حاصل، في الجزائر أعتقد أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي تحظى بنوع من الأمان لدى قطاع من الشعب".
وتابع قائلا "المؤسسة العسكرية تريد بمواقفها المعلنة وبطريقة ما أن تعطي ضمانات، الأمر الآخر أن الجزائر تحت المجهر وأي فشل في تمرير الدستور معناه الدخول في مرحلة جديدة سيطغى عليها الكثير من الشك والضبابية تضيع معها مصداقية السلطة، وطبعا نتيجتها المزيد من الضعف الذي يفتح الباب أمام نتائج مريبة وفوضى على الطريقة الليبية، وربما الوقوع تحت ضغوطات التطبيع مع إسرائيل".
كما أعرب عن اعتقاده بأن "مؤسسة الجيش تدرك أن الفشل مكلف جدا، وتدخلها في الشأن السياسي في هذه المرحلة، وفي الدستور، يمكن اعتباره درءا لمخاطر لا يراها عموم الشعب، لأن العامل الخارجي حاسم ومحدد في خطابات المؤسسة العسكرية في الجزائر".