تفرض عدة قضايا عالقة نفسها على العلاقات التركية المصرية، من دون أن يمنع ذلك استمرار النقاش بين الطرفين في إطار جولات المباحثات التي تجري بين ممثلين عن القاهرة وأنقرة.
وأبدت القاهرة أخيراً انزعاجها من اتفاق بين أنقرة وأديس أبابا على تزويدها بالطائرات المسيّرة. واستناداً إلى ما أوردته وكالة "رويترز" يوم الخميس الماضي، فإن مصر طلبت من الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية مساعدتها على تجميد صفقة تقوم بموجبها تركيا ببيع طائرات مسيّرة لإثيوبيا، فيما تسعى القاهرة لتضييق الخناق على أديس أبابا بسبب أزمة سد النهضة.
قائمة القضايا الأمنية بين القاهرة وأنقرة متخمة
في موازاة ذلك، وقّع وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري محمد شاكر، الأربعاء الماضي، مذكرة تفاهم مع وزارة البيئة والطاقة اليونانية، هي بمثابة اتفاق مبدئي للموافقة على الربط الكهربائي بين البلدين، وموافقة على دراسة الجدوى التي تم الانتهاء منها لإنشاء مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان عن طريق كابل كهربائي بحري يوفر ربطاً مباشراً لتبادل الكهرباء بين البلدين، ويمتد للسوق الأوروبية الموحدة، ويمر عبر قبرص، التي تعد شريكاً رئيسياً في مشروع الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا. ووقع الوزير المصري مع وزيرة الطاقة القبرصية ناتاشا بيلدس، في نيقوسيا أمس السبت، على مذكرة تفاهم لربط الكهرباء بين البلدين عبر كابل تحت البحر.
وقالت مصادر مصرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن قائمة القضايا محل النقاش على المستوى الأمني بين القاهرة وأنقرة متخمة، في وقت يتمسك كل من الطرفين بموقفه، مع إبداء استعداد لتقديم تسهيلات في قضايا غير جوهرية، مشيرةً إلى أن هناك أزمات يكون مسكوتاً عنها خلال جلسات النقاش لمنع زيادة قائمة مطالب الطرف الآخر. ولفتت المصادر إلى أن الملف الليبي هو الأكثر إلحاحاً من جانب مصر خلال المشاورات الجارية، فيما يعد ملف شرق المتوسط وتوقيع اتفاق ترسيم المياه الاقتصادية مع مصر الأهم للجانب التركي.
وأوضحت المصادر أن "تزويد أنقرة لأديس أبابا بالطائرات المسيّرة القتالية ليس بالأمر الملحّ بالنسبة للقاهرة راهناً، ويمكن تداركه لاحقاً. كما أن اللجوء لوساطة أميركية للضغط على أنقرة يعد أقل كلفة من طرحه على طاولة النقاش المباشر بين القاهرة وأنقرة، خصوصاً أن مصر من جهة غير مستعدة حالياً لتوقيع أية اتفاقات ثنائية مع تركيا بشأن شرق المتوسط، ومن جهة أخرى تضغط كون ملف انتهاكات الحكومة الإثيوبية بحق سكان إقليم تيغراي يحظى باهتمام كبير لدى الإدارة الأميركية". وتطالب القاهرة بإخراج "كافة المرتزقة والقوات الأجنبية" من ليبيا بأسرع وقت، فيما ترفض الاعتراف بالاتفاقية الأمنية الموقعة بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية السابقة، والتي تسمح بتواجد عسكريين نظاميين أتراك في ليبيا.
من جانبه، قال مصدر سياسي تركي إن أنقرة "حريصة على إقامة علاقات طبيعية مع الشعب المصري، للوصول إلى صيغة تضمن مصالح الشعبين". وكشف المصدر التركي المسؤول أن "اللقاءات الجارية بين البلدين بحثت الكثير من ملفات الخلاف، وتوصلت لتوافق حول بعضها، في حين لا يزال البعض الآخر محل نقاش، في ظل ارتفاع سقف المطالب المصرية في هذه الملفات". وأشار إلى أن "أنقرة أبدت أكثر من مرة، استعدادها لمساعدة القاهرة في ملفات داخلية وخارجية تؤرق الحكومة المصرية". وتابع: "وجدنا على سبيل المثال أن الحكومة في مصر ترفض بشكل قاطع مساعدة أي طرف للتوصل إلى أي تفاهم بشأن الأزمة السياسية الداخلية مع المعارضة المصرية"، في إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين".
تزويد أنقرة لأديس أبابا بالطائرات المسيّرة القتالية ليس بالأمر الملحّ بالنسبة للقاهرة راهناً
وقال المصدر: "كذلك عرضت أنقرة خلال لقاءات سابقة مع مستوى أمني بارز في مصر إمكانية القيام بدور في أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، استناداً إلى علاقات أنقرة مع أديس أبابا، وهو ما لم يلق حماسة مصرية". وأضاف أن "ما تطرحه أنقرة خلال اللقاءات مع المسؤولين المصريين ينطلق من أمر واقع على الأرض، في حين نرى أن مطالب كثيرة للقاهرة لا تستند إلى التقدير نفسه. فكيف يطلب منا الإخلال باتفاق رسمي موقع مع حكومة ليبية، معترف بها دولياً في حينه، وتلك الاتفاقية مودعة لدى الأمم المتحدة، وسحب كافة الخبراء الأتراك من ليبيا بدون أية ضمانات أولاً لتأمين مصالح تركيا، وثانياً بخروج باقي العناصر الأجنبية التي تتواجد بشكل غير شرعي عكس تواجد الخبراء الأتراك". وأكد المسؤول التركي أن أنقرة لا تزال تمد يدها للقاهرة، معتبراً أن التعاون بين البلدين سيكون أكثر إفادة لهما من أية أطراف أخرى، نظراً لما يملكه البلدان من تاريخ مشترك وإمكانات إقليمية، مشدداً على أن "الطرق المباشرة بين البلدين أكثر قدرة على تحقيق المصالح".