- لجنة الحقوق والحريات استمعت لممثلين حكوميين يؤكدون على أهمية القانون لضبط تأثير الجمعيات في الحياة العامة والسياسية، مع تشديد الرقابة على الجمعيات بتمويل أجنبي.
- المجتمع المدني يعارض بقوة القانون الجديد، معتبرًا إياه محاولة لقمع الفضاء المدني والأصوات المعارضة، حيث أعلنت جمعيات بارزة ومنظمات مدنية رفضها للمقترح الذي يستهدف بشكل أحادي المجتمع المدني.
شرعت لجان البرلمان في تونس منذ الاثنين الماضي، في تنظيم جلسات سماع لتمرير قانون الجمعيات الجديد، على الرغم من رفض طيف واسع من الجمعيات النص المقترح الذي تمت صياغته بشكل أحادي من دون إشراكها، والذي عدّته تهديداً لحق التنظيم والعمل المدني. وهاجم رئيس تونس قيس سعيّد، خلال كلمة ألقاها في افتتاح مجلس الأمن القومي، الاثنين الماضي، الجمعيات "التي تتلقى تمويلاً أجنبياً"، واصفا القائمين على عدد من الجمعيات الناشطة في مجال الهجرة (من دون أن يسميها) بـ"الخيانة والعمالة للخارج". وشدّد سعيد على أنه "لا مجال لأن تحل الجمعيات محل الدولة في إيواء المهاجرين". وكان سعيّد قد هاجم في خطابات سابقة الجمعيات، معتبراً أن "عدداً منها يمثل واجهة للأحزاب تسهل تدفق المال السياسي من الخارج لبث الفوضى".
وشرعت لجنة الحقوق والحرّيات، في سماع ممثلين عن وزارة المالية في تونس حول مقترح القانون الأساسي الخاص بتنظيم الجمعيات، فيما وجهت دعوات للاستماع إلى رئاسة الحكومة ووزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية والهيئة الوطنية للمحامين. وأكد ممثلو وزارة المالية "أهمية مقترح القانون باعتبار دور الجمعيات في التأثير على التوجهات السياسية والحياة العامة". وأوضحوا أن "للوزارة رقابة خاصة على الجمعيات ذات التمويل الصغير"، ولفتوا إلى أن "عمل الجمعيات التي تتلقّى التمويل الأجنبي منصوص عليه في الفصل 102 من القانون الأساسي المتعلّق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، ويجوز بمقتضاه للوزير المكلّف بالمالية إخضاع الذوات المعنوية التي يُشتبه في ارتباطها بأشخاص أو تنظيمات أو أنشطة لها علاقة بالجرائم المعنية بقانون الإرهاب إلى ترخيص مسبق، فيما يتعلّق بقبول أي تحويلات مالية واردة عليها من الخارج".
طلال الفرشيشي: المقترح الجديد تمت صياغته بشكل أحادي وفردي ولم يتم إشراك الجمعيات
وكان 10 نواب قد قدموا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مقترح قانون تنظيم الجمعيات، ولكن مجموعة من جمعيات المجتمع المدني، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، واتحاد الشغل ونقابة الصحافيين، ومنظمات حقوقية، عبّرت في بيان مشترك في 13 ديسمبر الماضي عن رفضها لهذا المقترح، واعتبرته تهديداً لحرية عمل الجمعيات ومحاولة لمحاصرة الفضاء المدني في تونس وعمل الجمعيات. وأكدت تمسكها بالمرسوم 88 الصادر في 2011 كإطار قانوني لتنظيم الجمعيات، معتبرة أن المرسوم وغيرها من النصوص القانونية المنطبقة على عمل الجمعيات كفيلة بضمان شفافية نشاطها وتسييرها وتمويلها.
مقترح قانون الجمعيات
بدوره، أكد المدير التنفيذي لمنظمة أنا يقظ، طلال الفرشيشي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المقترح الجديد تمت صياغته بشكل أحادي وفردي ولم يتم إشراك الجمعيات"، معتبراً أن "سياسة الدولة اليوم هي سياسة الفكر الواحد، حتى أن المجلس التشريعي يشك أن له السلطة والاستقلالية لسنّ مشروع يخالف الرئيس، فهو سيكون مشروع الرئيس في كل الحالات، وليس مفاجئاً أو غريباً ألا يتم إشراك المجتمع المدني، إذ سبق للرئيس أن نظم استشارة حول الدستور من دون استشارة المجتمع المدني وإشراكه، وحتى اللجان التي اختارها وأعدت مقترحاً للدستور لم يتم اعتمادها وتم الاعتماد في الأخير على مشروع الرئيس". ورأى الفرشيشي أن "هناك استهدافاً ممنهجاً للمجتمع المدني، مع استهداف الأصوات العالية الناقدة في الجمعيات عبر المرسوم 54 والاستنطاقات والتحقيقات، واليوم هناك ممثلو جمعيات يتم التحقيق معهم بسبب علاقتهم بأطراف أجنبية معترف بها من قبل السلطات الرسمية، وهي بدورها تتعامل معها، أو لتلقي تمويل أجنبي بعلم المصرف المركزي التونسي بعد المشاركة في طلب عروض تنافسية بكل شفافية". واستغرب "اتهام الجمعيات من رئيس الدولة في ما يتعلق بالتزود بالتمويل الأجنبي، الذي يعد عملية معقّدة تمر عبر عدة مراحل وإجراءات منظمة بالقانون وتعتمدها هياكل الدولة نفسها".
ولفت الفرشيشي إلى أن "اعتبار السلطة التنفيذية والتشريعية أن مرسوم الجمعيات المطبق اليوم مرسوم خطير، هو زوبعة في فنجان، فالإشكال ليس في الجمعيات بل في ممارسة الرقابة من قبل السلطة، فالمرسوم 88 يمكّن السلطات في تونس من ممارسة رقابتها على الجمعيات، سواء رئاسة الحكومة أو المصرف المركزي أو المصارف والمحافظ والقضاء، وبالتالي فالتعلل بغياب الرقابة لتغيير القانون غير مبرر". واعتبر أن "أسباب تغيير القانون وهمية خلقتها مجموعة من السياسيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية وعدد من ممثلي السلطة التشريعية، لاستهداف كل صوت في المجتمع المدني يمكن أن يهدد المستقبل السياسي لهذه الأطراف".
من جهته، اعتبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد، الناصر الهرابي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المقترح الذي قدّمته مجموعة من النواب مرفوض، ولا يرقى إلى مستوى مسودة، وقد اجتمع ممثلو عدد من الجمعيات ومكونات المجتمع المدني وتم الاتفاق على رفض المقترح، لأنه لا يراعي دور المجتمع المدني كقوة فاعلة في التنمية وفي البيئة وفي الانتخابات وفي حقوق الإنسان وعديد المجالات، وفي قدرتها على تشغيل العديد من الشباب الحاصلين على شهادات عليا". وأضاف أن "المقترح لا يحترم حرية التنظيم والتكوين وخيارات هذه الجمعيات وأهدافه، معتبراً أن "المقترح قُدّم في ظرف استثنائي تعيشه البلاد من دون أي تشاركية في صياغته أو التفكير فيه، كخبراء ومختصين أو مجتمع مدني وسياسي، فهذا المقترح أحادي الجانب أدرج بشكل فردي في مجلس النواب".
الناصر الهرابي: أسباب تغيير القانون وهمية خلقتها مجموعة من السياسيين بمن فيهم رئيس الجمهورية
تهديدات قانون الجمعيات
وأوضح الهرابي أن "هناك تهديدات يمثلها هذا المقترح الأحادي، ومنها المخاوف من العودة إلى نظام التراخيص في تشكيل الجمعيات كما كان سابقاً قبل الثورة أو سحب التراخيص بسبب مواقف ممثلي هذه الجمعيات، على خلفية تصريحات مخالفة للسلطة أو الذهاب نحو قطع التمويل الأجنبي، الذي يمثل شريان عمل هذه الجمعيات على الرغم من أنه مراقب اليوم بالقوانين السارية والمرسوم 88 ينظم كل ذلك. وهناك العديد من الهياكل الرقابية من المصرف المركزي ولجنة التحاليل المالية ورئاسة الحكومة وسجل المؤسسات ومحكمة المحاسبات وغيرها".
وأفاد بأنه "تم وضع جميع الجمعيات في الخانة نفسها، فليس هناك فراغ تشريعي حقيقة، بل هناك ضمانات وهناك رقابة ونحن نطالب بزيادة آليات الرقابة، وفي الواقع ليس كل الجمعيات ناشطة فعدد 26 ألفاً لا يعكس الحقيقة، وهو ليس سبباً لوضع نص جديد أقل جودة وضمانات من المرسوم 88". وحسب آخر تحديث عن موقع إفادة (مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات، التابع لرئاسة الحكومة التونسية)، هناك 25029 جمعية مدرجة في السجل الوطني. وصُنّفت الجمعيات في تونس حسب مجالات عملها إلى عدة فئات على غرار الجمعيات الثقافية والفنية التي تمثل أكبر عدد بـ4957 جمعية، ثم الجمعيات الناشطة في المدارس وعددها 4588 جمعية، والجمعيات الرياضية وعددها 3181 جمعية، والجمعيات الخيرية الاجتماعية وعددها 2756 جمعية.