أعاد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأسبوع الماضي، فتح ملف قانون المحكمة الاتحادية العراقية العليا، والذي تأجل مشروع تعديله لأكثر من 8 سنوات بسبب خلافات سياسية.
وتتركز هذه الخلافات بالمجمل على الزج برجال دين في هيئة المحكمة، وانقسام القوى السياسية حول الخطوة التي يرى بعضهم أنها تتجه بالدولة إلى مزيد من التديّن وتبعدها عن روح الدولة المدنية التي نص عليها الدستور.
فُتح ملف قانون المحكمة الاتحادية العراقية آخر مرة عام 2019، وبعد أشهر من الشد والجذب السياسي، انتهت إلى تأجيل الملف حتى الدورة البرلمانية المقبلة، أي الدورة الحالية.
وأنهت الأخيرة عملياً أكثر من 16 شهراً من عمرها، وسط رصيد منخفض للغاية من مشاريع القوانين التي صوّت عليها البرلمان، بسبب مساحة الخلافات الكبيرة حول أغلبها.
والأسبوع الماضي، قال السوداني، في بيان، إنه كلّف مستشاره للشؤون الدستورية حسن الياسري بتأليف لجنة تضم ممثلين عن رئاسة الجمهورية والأمانة العامة لمجلس الوزراء، لإعادة النظر في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا، والذي سبق أن أعدته الحكومة عام 2015 وأحالته إلى مجلس النواب.
جدل حول مشروع قانون المحكمة الاتحادية العراقية
وتعتبر الفقرة الثالثة في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العراقية الأكثر جدلاً. وتنص على "تعيين فقهاء بالشريعة الإسلامية"، كأعضاء مراقبين لسير العمل القضائي وإبداء وجهة نظر الدين، فيما يتم اختيار هؤلاء من خلال الوقفين السني والشيعي، اللذين يبديان ملاحظاتهما المتعلقة بطريقة اختيار رئيس وأعضاء المحكمة أيضاً.
وتدعم هذه الفقرة القوى السياسية المنضوية في "الإطار التنسيقي"، فيما يعتبر مؤيدو هذا التعديل أن الأمر يعود لوجود "قضايا يجب ألا تخالف الشريعة الإسلامية".
بالمقابل تتحفظ القوى السياسية الكردية والعربية السنية وممثلو الأقليات وقوى مدنية في العراق، على الزج بفقرة تتعلق برجال الدين في موضوع قضائي يستند لقوانين ودستور الدولة، خصوصاً أن العراق بلد متعدد الأديان والطوائف، ومثل هذه الإضافات إلى أهم سلطة قضائية بالبلاد، يعني توجها جديدا إلى الدولة الدينية.
ويفتح وجود أغلبية برلمانية لقوى "الإطار التنسيقي"، المجال أمام الأغلبية هذه المرة، وهو ما يفسر سبب تقديم السوداني لمشروع قانون المحكمة الاتحادية العراقية مرة أخرى للعمل عليه، قبل إرساله إلى البرلمان للتصويت، على الرغم من وجود مشاريع أكثر أهمية، من بينها تعديل قانون العفو العام، وتعديل قانون الأحوال المدنية وقوانين أخرى مهمة.
تجنّب التدخل السياسي في قانون المحكمة الاتحادية العراقية
وقال مستشار قانوني في رئاسة الوزراء العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "أبرز التعديلات التي تنوي الحكومة إجراءها على قانون المحكمة الاتحادية قبل إعادة إرساله إلى البرلمان، هو حصر ترشيح أعضاء المحكمة من خلال دور القضاء بالمحافظات، ومن خلال الاقتراع".
يأتي ذلك لمنع أي تدخل حزبي و"التأكيد على استقلالية المحكمة الاتحادية العليا وعدم خضوعها لأية جهة".
لكن المستشار نفسه، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، عاد للحديث عن أن "التعديل ينوي حفظ التوازن في تمثيل كل الطوائف ضمن أعضاء المحكمة الاتحادية". ورداً على كيفية معالجة مسألة اعتماد القرعة في اختيار عضوية المحكمة من القضاة العراقيين والحديث عن تمثيل كل المكونات في المحكمة قال: "هناك آلية معينة".
مصدر: التعديل على القانون تضمن أن يكون دور فقهاء الشريعة الإسلامية استشارياً
وأوضح أن التعديل تضمن أن يكون دور فقهاء الشريعة الإسلامية استشارياً لا تنفيذياً، بمعنى أنهم يبدون رأيهم من دون أن يكون لهم الحق بالتصويت على القرار مع باقي أعضاء المحكمة الاتحادية"، مضيفاً أن "هذه النقطة تخضع للنقاش حالياً ولم يتم حسمها حتى الآن".
وكشف أن "أطرافاً سياسية سنية وكردية أبلغت السوداني أنها لن توافق على أي تعديل يوسع صلاحية المحكمة الاتحادية داخل العملية السياسية"، مشددة على ضرورة حصر عملها "في القضايا الدستورية والفصل بين السلطات".
وتتلخص مهام المحكمة الاتحادية العليا بـ"الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والأنظمة والتعليمات والقرارات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية" في بغداد، وتشمل السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.
يأتي ذلك إلى جانب "الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، وفي المنازعات التي تنشأ بين الأقاليم والمحافظات"، بالإضافة إلى "الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، وفي تنازع الاختصاص في ما بين الهيئات القضائي للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم".
وأنشئت المحكمة عام 2005، ومقرها في بغداد، وتتألف من رئيس وثمانية أعضاء، فيما تختص بالفصل في النزاعات الدستورية، وتعتبر قراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة. ورغم أن الدستور العراقي أقرّ بأن تكون هذه المحكمة مستقلة، إلا أن الأحزاب النافذة تناوبت على طرح قضاة يمثلونها.
كذلك فإن قراراتها أحاطها الكثير من التشكيك واتهامات الميل السياسي، خلال أزمات عديدة شهدتها البلاد، كان آخرها اتهامات وجهها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، وزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، للمحكمة بالانحياز السياسي لصالح قوى "الإطار التنسيقي".
تعديلات لا تزال غامضة
عضو اللجنة القانونية في البرلمان، عارف الحمامي، قال لـ"العربي الجديد"، إن البرلمان "لم يتلق بعد التعديل الجديد على قانون المحكمة الاتحادية، ولا يعرف ما هي تعديلات الحكومة على القانون". وأضاف أن "تمرير القانون يجب أن يكون عبر الاتفاق السياسي، فالتصويت على هذا التعديل يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان".
وأوضح أنه "لا يوجد أي طرف سياسي يملك هذا العدد، ما يؤكد أن الاتفاق السياسي هو ما سيفصل بتعديل هذا القانون من عدمه خلال المرحلة المقبلة".
حقي: المطلوب قانون يبعد المحكمة عن أصابع الأحزاب السياسية
من جهته اعتبر عضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لا ينبغي الاستعجال بالحكم على الموضوع قبل ظهور النسخة الجديدة من مشروع القانون، مضيفاً أن "استمرار حشر فقرة لعلماء الفقه الإسلامي، يعني أنه لا شيء تغير في مسودته".
وبرأيه فإن "المطلوب قانون يبعد المحكمة عن أصابع الأحزاب السياسية لا أن يتم وضع المحكمة تحت أيديهم".
وتابع: "نحن وكل القوى المدنية الأخرى غير متفائلين، ونرى أن خطوات السوداني انعكاس لرغبات الإطار التنسيقي، لكن مع ذلك بانتظار النسخة الرسمية من مشروع القانون".
بدوره قال عضو "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وفاء محمد كريم، لـ"العربي الجديد"، إن "أي تعديل يجب أن يعرض على القوى السياسية للاطلاع عليه ودراسته بشكل جيد، ولا يمكن القبول بتعديل كهذا دون الاتفاق عليه"، مضيفا أن "الفقرات التي ستُضاف هي ما تحدد إمكانية تمريره في البرلمان أم لا".
الخبير بالقانون العراقي، عدنان الشريفي قال إن "المحكمة الاتحادية تشكلت بموجب قانون رقم 30 الصادر قبل إقرار الدستور (عام 2005)، واستمرت بمهامها وفق هذا القرار لغاية الآن، لذا فإن القانون المطروح حالياً سينظم عمل المحكمة الاتحادية ويحدد صلاحيات رئيسها التنظيمية فقط".
وبيّن الشريفي في تصريحات صحافية أواخر العام الماضي، أن "قانون المحكمة المطروح هو تنظيمي لآلية عمل القضاة ومن يرشحهم"، إذ يتم ترشيحهم حالياً "من مجلس القضاء الأعلى ويصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بتعيينهم".
لكن في القانون المطروح يكون التصويت لاختيارهم من قبل البرلمان، "وإذا حدث هذا فسيخضع قضاة المحكمة للخلافات السياسية والمحاصصة، وهذه أزمة"، مشدداً على ضرورة "إبقاء القضاء بعيداً عن السياسة".
ولفت إلى أن "تشكيل السوداني للجنة تضم رئاسة الجمهورية وأمانة مجلس الوزراء، لتعديل قانون المحكمة الاتحادية من دون وجود المحكمة، هو خطأ كبير"، متسائلاً: "ما علاقة هذه الجهات بقانون المحكمة الاتحادية".
ورأى أن "الأجدر بالحكومة أن تطلب من المحكمة إرسال مسودة القانون، وبعدها تحوّل الحكومة المسودة لمشروع قانون وترسله للبرلمان، لأن المحكمة هي الأدرى بالقانون وتعرف المشاكل ومواضع الخلل القانونية".