في مساء الخميس 12 يناير/ كانون الثاني الحالي اقتحمت عشرات الآليات العسكرية الإسرائيلية بلدة قباطية جنوب مدينة جنين، شمال الضفة الغربية المحتلة، بهدف محاصرة منزل يتحصن فيه المقاوم عبد الهادي فخري نزال، الذي خاض اشتباكاً مسلحاً عنيفاً مع قوة من وحدة "اليمام" المتخصصة بتنفيذ الاغتيالات، وارتقى نزال شهيداً في المواجهة التي أسفرت عن استشهاد الشاب حبيب كميل ابن البلدة أيضاً.
ويبدو أن الاحتلال يخشى بشكل واضح أن تتسع رقعة المقاومة المسلحة إلى شباب قباطية، لذا أصبحت البلدة في بؤرة الاستهداف الإسرائيلي.
نزال، الذي لم يبلغ بعد التاسعة عشرة من عمره، كان قد تحرّر من سجون الاحتلال الإسرائيلي قبل عدة أشهر فقط، بعد أن أمضى فيها سنة ونصف سنة، وسريعاً ما انضم إلى المجموعات المقاومة في بلدته، وشارك في عمليات إطلاق النار تجاه أهداف عسكرية إسرائيلية، ما جعله ضمن قائمة المطلوبين لدى الاحتلال.
وفي منتصف ليلة أمس الجمعة اقتحمت قوات كبيرة بلدة قباطية وداهمت نحو أربعين منزلاً في البلدة، التي يزيد عدد سكانها عن خمسة وعشرين ألف نسمة، واعتقلت عدداً من الشبان، وأجرى ضباط الاحتلال جلسات تحقيق ميدانية مع آخرين وكانت لغة التهديد والوعيد هي السائدة فيها.
يقول الناشط السياسي ثامر سباعنة، لـ"العربي الجديد"، إن "تاريخ قباطية حافل بالتضحيات منذ عقود طويلة، وقد قدمت نخبة من أبنائها شهداء فيما يقبع العشرات خلف قضبان سجون الاحتلال".
ويتابع "منذ اندلاع الثورة وقباطية معقل للفدائيين، منها خرج أول من قتل حاكماً عسكرياً بريطانياً من رجالات ثورة القسام، وفيها قُتل أول عميل للاحتلال في الانتفاضة الأولى، ومنها كانت أولى العمليات الاستشهادية التي زلزلت الاحتلال رداً على مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1995، وفيها اختبأ الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومهندس كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس الشهيد يحيى عياش، وهناك سلسلة طويلة من المقاومين من مختلف الفصائل الفلسطينية الذين يشهد لهم بالبسالة والتضحية".
وتقع قباطية على بعد 9 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة جنين، وتُعتبر أكبر التجمعات السكنية في المحافظة، في بطن واد وتنتشر بيوتها على قمم وسفوح عدد من الجبال، ويقول سباعنة إن الطبيعة الجغرافية لقباطية تلعب دوراً كبيراً في تحديد طريقة تعامل أهلها مع الاحتلال: "لا أحد ينكر أن كون البلدة مبنية على جبال، ويعمل معظم أبناؤها في مهنة مناشير الحجر والرخام، قد انعكس على تكوينهم، وجعلهم أكثر ندية وعناداً في مواجهة الظلم".
ويشير سباعنة إلى أن الترابط الاجتماعي الذي تشتهر به قباطية انعكس على العمل الوطني، "هناك تضامن غير مسبوق مع عوائل الشهداء، وكلما ارتقى أحدهم تهب البلدة للوقوف مع ذويه، وعندما ينفذ أحدهم عملية فدائية، فإن الدماء تغلي في عروق أبناء جيله ويسيرون على دربه".
وعن غاية الاحتلال من وراء تركيز عملياته مؤخراً على قباطية، يؤكد سباعنة، وهو أيضاً أسير محرر، أمضى نحو عشر سنوات متفرقة في سجون الاحتلال، أن الاحتلال يسعى جاهداً إلى منع نقل تجربة نابلس وجنين إلى بقية مناطق الضفة الغربية، لذلك فهو يتحرك فوراً لملاحقة وقتل واعتقال المقاومين وفكفكة كل المجموعات العسكرية التي تتشكل هنا وهناك، "وهذا ما يجري في قباطية، فهناك نواة عمل مقاوم مشهود له، واستطاع المقاومون تنفيذ عمليات إطلاق نار تجاه قوات الاحتلال التي تقتحم قباطية والبلدات والقرى المجاورة".
ويوافقه الرأي الناشط محمد نزال، إذ يلفت إلى أن بلدة قباطية تقع على الطريق الرابط بين مدينتي نابلس وجنين، وبالتالي فإنه من السهولة بمكان لشبابها التأثر بما يجري في كلا المدينتين، والأخطر عند الاحتلال هو إمكانية تواصلهم مع عرين الأسود في نابلس أو كتيبة جنين، وبالتالي نقل التجربة إلى قباطية وانخراط المئات فيها، لذلك فهو يشن عمليات عسكرية، يستخدم فيها أقصى درجات العنف والقوة المفرطة، بشكل مستمر منذ عدة أسابيع بحق البلدة، مدللاً على ذلك بقتله للشاب حبيب كميل لمجرد أنه كان بالقرب من المنزل الذي كان يتحصن به الشهيد نزال، رغم عدم تشكيله أي خطر على جنود الاحتلال.
ويلفت نزال إلى أنه خلال ما عُرف بانتفاضة الطعن، التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قدمت بلدة قباطية 9 شهداء ارتقوا جميعاً في 6 عمليات بطولية في مناطق مختلفة من فلسطين المحتلة، أبرزها عملية (الفدائيين الثلاثة) بالقدس المحتلة، التي نفذها الشهداء أحمد زكارنة ومحمد كميل وأحمد أبو الرب، وأسفرت عن قتْل مجندة إسرائيلية وإصابة عدد آخر.
وكانت بداية العمليات التي انطلقت من قباطية هي عملية الشهيد أحمد كميل، حيث حاول القيام بعملية طعن على حاجز الجلمة القريب من جنين، قبل أن يتم إطلاق النار عليه من جنود الاحتلال ويستشهد على الفور.
وفي عملية مشابهة حاول الشاب قاسم سباعنة ابن البلدة تنفيذ طعن على حاجز زعترة العسكري جنوب نابلس، وذلك بعد قيادته دراجة نارية وحيازته سكيناً واتجاهه بسرعة نحو جنود الاحتلال قبل إطلاق النار عليه ليرتقي شهيداً.
وخلال فترة وجيزة، التحق بهم الشهيد محمود نزال لدى محاولته تنفيذ عملية طعن على حاجز الجلمة أيضاً، كما نفذ الشهيدان محمد ونور سباعنة عملية طعن مزدوجة بالقرب من حاجز حوارة العسكري جنوب نابلس، أدت إلى إصابة اثنين من جنود الاحتلال، واستشهاد الشابين.
وخلال الانتفاضة الأولى (1987-1994) تعرضت قباطية للحصار ومنع التجول من قوات الاحتلال لأكثر من 45 مرة، وفي إحدى المرات دام الحصار 40 يوماً متواصلاً، بينما بلغ مجموع أيام منع التجول ما يزيد عن 250 يوماً.