قراءة نسوية في المسار الانتخابي التونسي: برلمان ذكوري وتقوية نفوذ الرئيس
قدّمت منظمات تونسية قراءة نقدية للمرسوم عدد 55 ومسار القانون الانتخابي، مؤكدة أن الاقتراع على الأفراد معمول به، ولكن وفق شروط ومعايير لم تتوفر في تونس، ولم يتم احترام تقسيم الدوائر، مشيرة إلى أن البرلمان المقبل سيكون برلماناً ذكورياً ومشتتاً.
وعرضت المنظمات، ومنها جمعية "أصوات نساء"، و"الديناميكية النسوية"، بالشراكة مع "مراقبون" و"البوصلة" و"الجمعية التونسية للقانون الدستوري"، اليوم الأربعاء، دراسة حول "المرسوم عدد 55 لسنة 2022 - رجوع عن مكتسبات حقوق النساء ومساس بمبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات".
وقالت عضو الجمعية التونسية للقانون الدستوري إقبال بن موسى إنه "لم يفاجئهم أن يصدر رئيس الجمهورية قيس سعيّد تنقيحاً للقانون الانتخابي بطريقة فردية، ودون حوار جدي حوله، بل هذا خير انتهاج لسياسة فرض الأمر الواقع من خلال مسار غير تشاركي بدأ منذ 25 يوليو/تموز"، مؤكدة أن "الرئاسة حاولت إقناع الداخل والخارج بأن المسار كان تشاركياً عبر تنظيم استشارة وطنية، شارك فيها أقل من 6 بالمائة من التونسيين، وأفضت إلى نتائج لم يحترمها رئيس الجمهورية إلا في الجوانب التي تخدم مشروعه الشخصي".
وأوضحت أن "تنقيح القانون الانتخابي هو آلية لتكريس تصورات الرئيس للمشهد السياسي التونسي، من خلال سلطة تنفيذية قوية بيد رئيس الجمهورية وغير خاضعة للمساءلة أو المحاسبة، وسلطة تشريعية موزعة بين مجلسين، ويحمل قانون انتخابها أسباب ضعفها، من خلال نظام اقتراع على الأفراد في بيئة لا تخلو من الجهويات".
وأشارت إلى أن "حجب التمويل العمومي عن الحملات الانتخابية يجعل غير المدعومين مالياً غير قادرين على الترشح أو القيام بحملة تنافس أصحاب الوجاهة المالية والجهوية، ويثني الشباب عن المشاركة في الحياة العامة لبلادهم"، مؤكدة أن "المرسوم لا يخلو من خروقات تمس مبادئ وحقوق دستورية كالمساواة وحق الترشح".
وأكدت أستاذة القانون العام هناء بن عبدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الاقتراع على الأفراد معمول به في بلدان ديمقراطية عدة، لكن لا بد من شروط وجب توفرها أولاً، وهناك مخاطر متعددة تترتب عليه، ما يفرض قرارات ضرورية للحماية وإنجاح هذا الخيار".
وفي ما يتعلق بشروط الترشح للانتخابات، فهناك بعض الجوانب الإيجابية، كشرط الاستظهار بدفع الضرائب مثلاً، ولكن المرسوم لا يخلو من إشكاليات، حيث تم التراجع عن التناصف بين النساء والرجال، وفي ذلك مساس بالفصل 51 من الدستور، وفق بن عبدة، التي أشارت أيضاً إلى أن "المرسوم يقصي أيضاً الشباب مقابل فتح الباب لأصحاب الوجاهة والنفوذ والمال، لأن الشاب لن يجد 400 تزكية بيسر".
وأوضحت أن "الاقتراع على الأفراد طريقة موجودة في بلدان ديمقراطية ومبنية على ثنائية حزبية، ولكن كل طريقة يجب أن تتلاءم والبيئة التي توجد فيها، ففي تونس الاقتصاد غير مهيكل، وهناك لوبيات اقتصادية ضمن الاقتصاد الموازي، وأصحاب الوجاهات المالية هم الذين يسيطرون على مستوى الجهات"، مؤكدة أن "سحب الوكالة ممكن على المستوى المحلي، ويبين مدى الالتزام بالوعود الانتخابية، ولكن على المستوى الوطني هذا غير ممكن".
ضرب التناصف
من جهتها، لفتت عضو جمعية النساء الديمقراطيات نبيلة حمزة إلى أنه "بهذا القانون الانتخابي الحالي والاحتقان الحاصل في عدة جهات، والوضع العام المتأزم في البلاد، فإن كل هذا يهدد المسار الانتخابي في تونس، في ظل غياب تام للتشاركية، وحذف كل مكاسب حقوق الانسان في توطئة الدستور".
وأضافت في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العنصر النسائي كان دائماً ممثلاً، ولكن القانون عدد 55 ضرب التناصف الأفقي والعمودي، وهو ما سيفرز برلماناً ذكورياً بامتياز، وخصوصاً أننا أصلاً في مجتمع ذكوري، وهو ما سيعمق الهوة بين النساء والرجال في مواقع اتخاذ القرار والتشريع"، مضيفة أن "تونس في فترة تراجع كبير للمكتسبات، رغم الأثر الكبير للتناصف على المشهد السياسي السابق، وتمثيل المرأة في انتخابات 2014".
وأشارت إلى أنه حصلت إضافة في المجالس البلدية، ووصلت نسبة تمثيل النساء فيها إلى 46 بالمائة، مؤكدة أن الحصول على 20 منصب رئيسة بلدية كان مهمّاً وشكّل نقلة نوعية، ولكن تم للأسف نسف كل ما تحقق.
واعتبرت أن "تمثيل النساء في اتخاذ القرار يجب أن يكون كمشرعات لا كمزكيات"، مبينة أنه لم يتم دفع النساء للشأن العام، وهناك خلل كبير جداً، والبرلمان المقبل ذكوري بامتياز".
أمّا عضو منظمة بوصلة يسرى الخضراوي، وإذ تذكّر بأن الاقتراع في القانون الجديد أصبح على الأفراد وليس على القائمات، رغم أن السابق كان يتيح التعددية والتناصف وتمثيل المرأة والشباب، وهو ما برز في الانتخابات التشريعية والبلدية السابقة، تؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخاب على الأفراد لن يضمن كل ذلك، لأن المجتمع التونسي غير جاهز لبروز برلمان تعددي"، مبينة أنه حصل تقسيم اعتباطي للدوائر الانتخابية.
ولفتت إلى أن "مسألة التزكيات ومعضلة الـ400 تزكية ستخلق إشكالات عدة خصوصاً في الخارج، ففي الأميركيتين مثلاً، يصعب جمع 400 تزكية يفترض جمعها من المكسيك إلى واشنطن، فهذا مستحيل لوجستياً"، مؤكدة أن آلية سحب الوكالة هي عبارة عن عملية ابتزاز جديدة للنواب، ولا يحق لهيئة الانتخابات الموافقة أو الرفض لأن دورها تقني لا سياسي".