قرارات مجلس النواب الليبي "الأحادية" تعمّق الفوضى

23 سبتمبر 2024
عقيلة صالح في سبها، 5 سبتمبر 2024 (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحركات مجلس النواب الليبي:** يقود عقيلة صالح مجلس النواب لاتخاذ خطوات أحادية، مستغلاً الانقسام داخل المجلس الأعلى للدولة، لمواجهة حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وتعزيز سيطرته.

- **أزمة المصرف المركزي:** تعاني ليبيا من أزمة بعد عزل محافظ المصرف المركزي وتعيين محمد الشكري، مما يزيد التوترات السياسية والاقتصادية، ويسعى مجلس النواب لتفعيل فرع المصرف في بنغازي.

- **مخاوف من تصعيد الصراع:** تحركات عقيلة صالح قد تؤدي إلى تصعيد الصراع وتعميق الانقسامات، مع مخاوف من سيطرة خليفة حفتر وأولاده، مما يهدد استقرار ليبيا.

يتجه مجلس النواب الليبي للانفراد بالمشهد السياسي في ظلّ استمرار الانقسام الحاد داخل المجلس الأعلى للدولة، وذلك لمواجهة خصومه السياسيين، فيما يعبّر مراقبون عن قلقهم من المخاطر التي قد تؤدي إليها خطواته.

وفي خضم دخول المفاوضات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن أزمة المصرف المركزي حالةً من التعثر والغموض، بسبب عدم اتفاق مجلس الدولة على رئيس موحد له حتى الآن (بين محمد تكالة وخالد المشري)، يستعد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وحلفاؤه للدفع بقرارات عدة وإجراءات إلى واجهة المشهد، بهدف قطع الطريق أمام التهديدات التي يرسلها خصومه في العاصمة طرابلس (لا سيما حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة)، وفقاً لمصادر برلمانية.

مجلس النواب الليبي يتحضر لمذكرة استفزازية

وبحسب معلومات أدلت بها مصادر لـ"العربي الجديد"، فإن من بين الخطوات التي يعتزم مجلس النواب الليبي اتخاذها، إصدار مذكرة يعدها أنصار عقيلة صالح تتضمن مقترحاً لتفعيل فرع المصرف المركزي في مدينة بنغازي، شرقي ليبيا، وإصدار قرار بإنشاء هيئة للمصالحة الوطنية. علماً أن ليبيا تعيش منذ منتصف شهر أغسطس/آب الماضي أزمة حادة بعد إصدار المجلس الرئاسي قراراً يقضي بعزل محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، وتعيين محمد الشكري مكانه، وهو الإجراء الذي رفضه مجلسا النواب والأعلى للدولة.

يعتزم برلمان ليبيا إصدار مذكرة لتفعيل فرع المصرف المركزي في بنغازي، وإصدار قرار بإنشاء هيئة للمصالحة الوطنية

وتهدف المذكرة الخاصة بتفعيل فرع المصرف المركزي في بنغازي إلى تضييق الخيارات أمام المجلس الرئاسي (برئاسة محمد المنفي) والحكومة في طرابلس، بعدما عجزا عن السيطرة الكلّية على المصرف في طرابلس وإعادة تفعيل منظوماته المصرفية الإلكترونية، وفقاً لمعلومات المصادر، كما أن إنشاء هيئة للمصالحة الوطنية يهدف إلى انتزاع ملف المصالحة الوطنية من المجلس الرئاسي، كون الملف يمثل أهم صلاحياته.

وبحسب المصادر نفسها، فإن عقيلة صالح والنواب الموالين له أجروا مشاورات عديدة غير رسمية طوال الفترة الماضية، لمناقشة سبل تفريغ المجلس الرئاسي من كامل صلاحياته، قبل أن ينطلق في أعمال مفوضية الاستفتاء التي أنشأها أخيراً لطرح القوانين والقرارات التشريعية التي قدّمها مجلس النواب الليبي على الشعب للاستفتاء عليها. وكان المنفي أصدر، في 7 سبتمبر/أيلول الحالي، قراراً قضى بتشكيل مجلس إدارة المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني. وبحسب القرار الذي صدر رغم ممانعة مجلس النواب، فإن المفوضية "تتمتع بالذمة المالية المستقلة، ولا يجوز التدخل في اختصاصاتها، وتختص بتنظيم الاستفتاء والاستعلام الوطني والإعداد له والإشراف عليه وفرز نتائجه وإعلانها".

وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على عقد مجلس النواب جلسةً، في 19 أغسطس الماضي، للموافقة على مذكرة أعدّها عدد من النواب وتقترح إنهاء ولاية المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة لانتهاء آجال اتفاق جنيف الذي تشكلا بموجبه، إلا أن صالح انتظر حتى مساء أول من أمس السبت لإصدار قرار أمر بتنفيذ ما تمّ التصويت عليه.

وبالتزامن، افتتح أعضاء المحكمة الدستورية العليا، يوم الخميس الماضي، مقر المحكمة في بنغازي، في خطوة تهدف إلى تفعيل قرار إنشائها الجدلي، الذي أعلن مجلس النواب الليبي عنه في عام 2021، وسط معارضة مجلس الدولة، وأصدر مجلس النواب في ديسمبر/كانون الأول 2022 قراراً بالتوافق مع مجلس الدولة بشأن عدم تفعيله.

تعليقاً على هذه التطورات، رأى الباحث في الشأن القانوني بلقاسم القمودي أن مجلس النواب الليبي مستمر في نهجه الأحادي باتخاذ القرارات والتشريعات من دون أي اعتبار للاتفاقيات السياسية والوثائق الدستورية التي تطالبه بضرورة التوافق فيها مع مجلس الدولة، معتبراً أن غرض مجلس النواب الأساسي دفع خصومه إلى اتخاذ إجراءات أحادية مماثلة بهدف تفريغ وثائق الاتفاقيات السياسية من قوتها القانونية، والإبقاء على قوة الإعلان الدستوري فقط الذي يتحكم فيه المجلس ويملك صلاحية تعديله كما يشاء.

فرصة للتحرك تفيد حفتر

وبحسب قراءة القمودي لـ"العربي الجديد"، فإن انقسام مجلس الدولة، الشريك الأساسي لمجلس النواب في إصدار القرارات وفقاً لاتفاق الصخيرات، بين رئيسين، محمد تكالة وخالد المشري، "منح عقيلة صالح فرصة التحرك بحرية، فالقرارات التي سيعارضه فيها تكالة، سيوافق عليها المشري"، مضيفاً أن "انقسام مجلس الدولة ساعد عقيلة صالح على تجاوز اتفاق الصخيرات وأصبح قادراً على الانفراد بإصدار القرارات، ولهذا اتجه مباشرة إلى اتفاق جنيف وأعلن انتهاء آجاله لإنهاء شرعية المجلس الرئاسي، ولتصبح كل القرارات التي صدرت وستصدر عن هذا المجلس غير شرعية".

أحمد العاقل: عقيلة صالح يقف بين مواجهة الرئاسي والحكومة في طرابلس وبين مخاوف تحيط به من جانب معسكر حفتر

وفيما وصف القمودي خطوات صالح بأنها "مجرد تشغيب (إثارة الاضطراب) سياسي، فهي لن تلقى أي قبول من الأطراف الأخرى"، اعتبر أن "التشغيب هو سلوك نجح عقيلة صالح في استخدامه مرات عدة، فهو دائماً ما يضع الأمور قيد التنازع والخلاف بين جميع الأطراف، ويمكن التساؤل مثلاً: كم مرة أصدر قراراً بإنهاء ولاية الحكومة في طرابلس؟ فما يهدف إليه هو التأزيم وتعميق الصراع لإطالة أمد المرحلة والبقاء".

وفيما رجّح القمودي أن تكون هذه الخطوات التصعيدية من جانب صالح على علاقة بأنباء عن استعداد المجتمع الدولي لدفع الأوضاع في البلاد نحو استئناف العملية السياسية، وعليه، لا بد له من الاستعداد وحشد أكبر عدد من أوراق التفاوض في يده، أعرب الأكاديمي والمهتم بالشأن السياسي أحمد العاقل، من جهته، عن مخاوفه من "انفلات زمام الأمور والسيطرة" من يد رئيس مجلس النواب الليبي.
ورأى العاقل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تداعيات أزمة المصرف المركزي "كانت أكبر من قدرة جميع الأطراف على استعادة توازنه، ومنهم عقيلة صالح الذي يطبع التسرع قراراته وعدم الدراسة الكافية خصوصاً، فهو بين مواجهة الرئاسي والحكومة في طرابلس وبين مخاوف تحيط به من جانب معسكر خليفة حفتر".

وفيما اعتبر العاقل أن قرار رئيس البرلمان نقل صلاحية القائد الأعلى للجيش إلى يده (صدر القرار مساء الخميس الماضي) يؤشر إلى مخاوفه من طغيان قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر وأولاده، وأنه يريد القول لهم إنه يملك القرار العسكري، فقد أشار إلى أن "مثل هذا القرار لا يقيم له حفتر وأولاده أي وزن، وعليه، قد تذهب قرارات عقيلة صالح الأخرى إلى طريق لا رجعة فيه وتؤسس لنذير الانقسام الفعلي في البلاد".

وشرح العاقل أن "عقيلة صالح لا يمكنه منع حفتر وأولاده من فعل أي شيء، فقد سبق أن شكّل الحكومة في بنغازي لإنهاء الحكومة في طرابلس، لكنها فعلياً تخضع لسيطرة حفتر وتحولت إلى واجهة سياسية له في بنغازي". وبرأيه، فإن "الخوف هو أن يؤدي تشكيل محكمة دستورية عليا إلى تحكم حفتر في دستورية كل القرارات والقوانين، والأكثر خطراً أن يكون تفعيل فرع المصرف المركزي باباً لسيطرة حفتر على الأموال، خاصة أنه من يسيطر على النفط، وهذا، وغيره، سيقابله الطرف الآخر في طرابلس بإجراءات قد تنتهي إلى التقسيم الفعلي".


 

المساهمون