اتهم المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اليوم الثلاثاء، حكومة الوحدة الوطنية بتسليم المواطن الليبي أبوعجيلة المريمي للسلطات الأميركية، فيما أجرى مستشار الأمن القومي، إبراهيم بوشناف، اتصالاً هاتفياً بالسفارة الأميركية لبحث "الإجراءات المتعلقة بظروف" احتجاز المريمي، واصفاً إياه بـ"الأسير".
وأكدت وزارة العدل الأميركية احتجاز المريمي، وقالت إنها تتوقع "أن يمثل لأول مرة أمام المحكمة الجزئية الأميركية لمنطقة كولومبيا".
ومنذ سنة 2020، يواجه رجل المخابرات الليبية المتقاعد تهما في أميركا بتصنيع القنبلة التي أدى انفجارها لإسقاط طائرة الخطوط الأميركية "بانام" فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام 1988، ووفاة 270 شخصا، بينهم 190 أميركيا.
وحمل المجلس الأعلى للدولة، في بيان، حكومة الوحدة الوطنية "المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية الناجمة" عن تسليم المريمي، واصفاً تسليم مواطن ليبي بـ"مجحف ومخجل"، دون المزيد من التفاصيل.
وجدد رفضه محاولة إعادة إحياء قضية لوكربي و"اختطاف" المريمي، مشيراً في الوقت نفسه إلى إقفال ملف قضية لوكربي من الناحيتين: السياسية والقانونية، بحسب نص الاتفاقية المبرمة مع الولايات المتحدة سنة 2008.
وشدد المجلس على رفضه فتح الملف من الجهات المحلية وإرجاعه إلى الواجهة مرة أخرى، وذلك لافتقاره لأي مبررات سياسية وقانونية، على حد تعبير البيان، مؤكداً على "عدم التزام ليبيا بكل ما يترتب على هذا الإجراء من استحقاقات".
وكانت السلطات الأميركية قد وجهت إلى المريمي لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2020 اتهاماً باحتمال تورطه في تفجير طائرة "بان آم" فوق لوكربي، مستندة إلى تقارير تشير إلى مسؤوليته عن صناعة القنبلة المستخدمة في إسقاط الطائرة.
ودعا المجلس الأعلى في بيانه مجلس النواب والمجلس الرئاسي والنائب العام إلى "التضامن معه لاتخاذ الإجراءات المناسبة" لإنهاء ما وصفه بـ"العبث"، مطالباً الجهات الأمنية ذات الاختصاص بتوضيح حالة اختفاء المريمي في ظروف اعتبرها "غامضة".
وكشفت عائلة أبوعجيلة المريمي، في وقت سابق، عن أنه اعتقل، يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجرى احتجازه.
وأوضح ابن شقيق المريمي أنه يناهز الـ80 عاماً من العمر، وكان طريح الفراش ساعة اعتقاله، حيث يعاني من مرض مزمن، وأشار إلى أن أنهم فوجئوا بخبر تسليمه إلى الولايات المتحدة الأميركية.
في السياق، قال مستشار الأمن القومي الليبي، إبراهيم بوشناف، إنه تلقى اتصالات هاتفياً من السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نور لاند، أمس الإثنين، لـ"بحث تداعيات ملف احتجاز" المريمي لدى الولايات المتحدة.
وقال بوشناف، في تدوينة على حسابه على "فيسيوك"، اليوم الثلاثاء، إنه ونورلاند ناقشا "كافة الإجراءات المتعلقة بظروف الاحتجاز"، دون أن يكشف عن تفاصيلها.
ونقل بوشناف عن السفير الأميركي أن "تصريحات ستصدر في وقت لاحق اليوم عن وزارة العدل الأميركية ووزير الخارجية أنتوني بلينكن" حيال القضية، وأنه يطمئن الليبيين بأن الولايات المتحدة الأميركية "تحترم السيادة الليبية خلال سير الإجراءات القانونية".
وكان بوشناف قد نشر خلال الساعات الماضية على حسابه الخاص تفاصيل سابقة حول مسار قضية لوكربي وطريقة إغلاقها في اتفاق رسمي بين الدولة الليبية والولايات المتحدة الأميركية، واصفاً المريمي بعدما أعلنت السلطات الأميركية وجوده على أراضيها بـ"الأسير".
وقال بوشناف، في تدوينة على حسابه الرسمي على "فيسبوك": "ليس لنا في هذا المقام إلا تذكير المسؤولين الأميركيين بتعهداتهم وتشريعاتهم الصادرة بالخصوص"، مؤكداً أن نصوص الاتفاق الليبي الأميركي تحتم على واشنطن التزامها بـ"الإنهاء التام لأي مطالبات مستقبلية".
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تداولت وسائل اعلان ليبية ودولية أنباء اختفاء المريمي من منزله في طرابلس، وسط أنباء أخرى تشير إلى إمكانية تسليمه من حكومة الوحدة الوطنية للولايات المتحدة الأميركية.
واكتفت الحكومة في طرابلس آنذاك بإعلان وزارة العدل فيها التأكيد أن ملف قضية لوكربي قد "أقفل بالكامل من الناحية السياسية والقانونية"، مشيرة إلى نص الاتفاقية التي أبرمت بين الدولة الليبية والولايات المتحدة الأميركية في أغسطس/آب 2008، مؤكدة أيضاً أن ملف لوكربي لا يمكن إثارته من جديد ولا يمكن العودة إليه.
لكن من الظروف التي أحاطت باختفاء المريمي منتصف نوفمبر دفعت العديد من الأطراف الليبية إلى اتهام الحكومة في طرابلس بمسؤوليتها عن مصيره وإمكانية وقوفها وراء مساع لتسليمه للولايات المتحدة الأميركية، ومنها تصريحات وزيرة الخارجية بالحكومة، نجلاء المنقوش، في نوفمبر 2021، لشبكة "بي بي سي" البريطانية، أبدت خلالها استعداد الحكومة للتعاون في ملف القضية، وتحدثت عن إمكانية تسليم مشتبه به مطلوب من قبل الولايات المتحدة، وقالت إن حكومتها "منفتحة تماماً على التعاون مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بتسليم المطلوبين".
واتهمت أطراف ليبية عديدة حكومة الوحدة الوطنية بتسليم المريمي لواشنطن، وطالبت بضرورة الكشف عن ملابسات تسليمه، من بينها 88 نائباً طالبوا، في بيان، أمس الإثنين، رئاسة المجلس بالدعوة لجلسة "طارئة" لمناقشة قضية تسليم المريمي، كما طالبوا مكتب النائب العام بالتحقيق في الحادثة للكشف عن الجهة المتورطة في تسليم المريمي، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمتابعة القضية داخلياً وخارجياً.
واعتبر بيان أعضاء مجلس النواب أن "تسليم أي مواطن ليبي لدولة أجنبية خارج إطار القانون جريمة نكراء ومخالفة لكل الأعراف والمواثيق المحلية والدولية"، وأن "إعادة فتحها تعد تخلياً عن المواثيق والعهود الدولية، وتعد تعدياً سافراً من الحكومة الأميركية واستغلالاً سيئا للظروف التي تمر بها ليبيا".
ولم تعلن الحكومة في طرابلس عن أي موقف حيال هذه الاتهامات، كما لم يتلق "العربي الجديد" أي رد من جانب مسؤولي الحكومة الذين اتصل بهم للحصول على تعليق على الموضوع.