على وقع قذائف الهاون احتضنت العاصمة الصومالية مقديشو قمة إقليمية رباعية، خلصت إلى الاتفاق على القيام بتحرك عسكري مشترك لإنهاء وجود حركة "الشباب" في جنوب الصومال، بعد طردها من ولايتي هرشبيلي وجلمدغ، وسط البلاد.
وبحث وزراء الدفاع في جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال، الثلاثاء الماضي، إمكانية دعم الجيش الصومالي من خلال حشد الجهود العسكرية والتنسيق الأمني لضرب جذور "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة".
وأعقبت ذلك قمة رئاسية، أول من أمس الأربعاء، استضافها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عقدت في مطار مقديشو المحصن أمنياً، بمشاركة رئيسي جيبوتي إسماعيل عمر غيله وكينيا وليام روتو ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.
وقال وزير الإعلام الصومالي داود أويس، في مؤتمر صحافي عقب انتهاء القمة، إن المباحثات كانت إيجابية، وركزت على دعم الصومال في حربه الشاملة ضد "الشباب"، وأن رؤساء الدول المجاورة (كينيا وجيبوتي وإثيوبيا) أشادوا بالتقدم الذي أحرزته الحكومة لإنهاء تمرد مسلحي الحركة.
محمود عبدي علي: مشاركة دول الجوار بالحرب ضمانة لاستمرارها
وأشار أويس إلى أنه تم الاتفاق على ضرورة التنسيق الأمني المشترك، وتشكيل آلية موحدة لمنع تمدد الإرهاب إلى دول الجوار، وضمان أمن حركة المرور والتجارة العابرة عبر الحدود، إلى جانب مضاعفة ومشاركة دول الجوار في العمليات العسكرية الجارية للقضاء على الإرهاب، من خلال بعثتها العسكرية المشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي (أتمس).
وعقدت هذه القمة وسط إجراءات أمنية مشددة شهدتها مقديشو، بعد هجوم بقذائف هاون على أحياء مجاورة للقصر الرئاسي تبنته حركة "الشباب"، من دون إيقاع ضحايا. وحاول مصدر أمني التقليل من أهمية الموضوع، عبر إشارته إلى أن ما شهدته العاصمة لم يكن بسبب هجمات بقذائف هاون، بل عبارة عن مفرقعات وضعت في بعض المناطق في العاصمة، ولم تسفر عن إصابات، وكان هدفها فقط زعزعة الأمن وبث الرعب.
ووفق محللين، تكمن أهمية مشاركة دول الجوار في الحرب ضد "الشباب" في توفير دعم لوجستي وعسكري للجيش الصومالي، والمشاركة في العمليات الأمنية الجارية ضد الحركة، ومنع تسلل مسلحيها إلى الدول المجاورة للصومال، بغية ترتيب صفوفها من جديد بعد هزيمتها العسكرية المرتقبة في جنوب البلاد. وكانت الحركة قد استطاعت في العام 2007 إعادة تشكيل صفوفها من جديد بعد انشقاقها عن "اتحاد المحاكم الإسلامية"، الذي هزم على يد القوات الإثيوبية في ديسمبر/ كانون الأول 2006.
أهمية مشاركة الدول الإقليمية بعملية ضد "الشباب"
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي محمود عبدي علي، لـ"العربي الجديد"، إن مشاركة الدول الإقليمية في العملية الأمنية المرتقبة ضد "الشباب" تعتبر أمراً في غاية الأهمية لعدة أسباب، أولاً، لصعوبة مواجهة الجيش الصومالي وحده الحركة في عقر دارها، خاصة في المناطق الجنوبية المتبقية في قبضتها.
ويشير علي إلى أن الأمر الثاني المهم هو ضمان عدم تسلل فلول مسلحي "الشباب" الى دول الجوار بعد إلحاق الهزيمة بها، إلى جانب الإسراع في عملية القضاء عليها، هذا بالإضافة إلى اختبار مدى جدية موقف تلك الدول الداعم للحملة العسكرية المستمرة ضد الحركة، وتعزيز الدعوات التي تطلقها الحكومة الفيدرالية للمجتمع الدولي لتوفير دعم أكبر.
ويعتبر علي أن التدخل العسكري البري، من قبل إثيوبيا وكينيا، في ولايتي جوبالاند وجنوب غربي الصومال، مؤشر قد يلفت انتباه المجتمع الدولي إلى الأزمة الأمنية في الصومال، وأن مقديشو وحدها لا تستطيع خوض غمار حرب مكلفة ولا تتوافر لديها إمكانيات عسكرية لإنهاء وجود "الشباب".
ويوضح علي أن مشاركة دول الجوار في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي استجابة فعلية لتزايد الخطر الأمني في المنطقة، وهو ما يمكن أن يحُد من هذا الأمر وينهي الخطر الأمني العابر للحدود الصومالية باتجاه تلك الدول.
ضمانة لاستمرار العمليات ضد "الشباب"
وحول جدوى وقوف الدول الإقليمية إلى جانب الحكومة الصومالية، يرى محمود عبدي علي أن مشاركة دول الجوار في الحرب ضد "الشباب" بمنزلة الضمانة لاستمرار العمليات العسكرية الجارية ضد الحركة، وأن المعركة ستنتقل من الأطراف إلى عمق المناطق التي تسيطر عليها، مشيراً إلى أن التدخل العسكري المحتمل من قبل إثيوبيا وكينيا مهم، بسبب عامل الحدود البري المشترك بين المناطق التي تنتشر فيها الحركة وكينيا وإثيوبيا.
وحول إمكانية إلحاق هزيمة عسكرية بالحركة قريباً، يقول علي إن هزيمة "الشباب"، التي تعد أقوى فرع لتنظيم "القاعدة"، ليس سهلاً، إلا أنه يشير إلى أنها لم تعد تشكل هاجس خوف كبيراً كما كانت عليه في السابق، خاصة بعدما كشفت المواجهات الأخيرة وسط البلاد عن ضعفها العسكري.
محمد فاتولي: التحدي الأبرز الذي تواجهه العملية العسكرية ضد "الشباب" هو ضعف قدرات الجيش الصومالي
ويوضح أن تدخل الدول المجاورة للصومال لا يستهدف إضعافها فقط بل هزيمتها بشكل نهائي، فطبيعة السياسة العسكرية الخارجية للدول الإقليمية قائمة على أن الصومال لا يقبل القسمة بين التنظيمات المتشددة والحكومة، مشيراً إلى أن التدخل الدولي والإقليمي في الحرب على الحركة أمر لا يمكن إخفاؤه، حيث تشارك حالياً المسيرات التركية والأميركية في المعارك ضد "الشباب".
ويعتبر أن إصرار الحكومة الصومالية وعزيمتها أقوى من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن المعركة مستمرة إلى أن تحقق أهدافها المتمثلة في القضاء النهائي على الحركة وتحرير المدن والقرى الكبيرة منها. وتعد القمة الرباعية في مقديشو الأولى التي تناقش الوضع الأمني في الصومال، ما يشير إلى أن خطر "الشباب" الأمني لا يقتصر على الصومال بل يمكن أن يلحق ضرراً كبيراً بأمن الدول المجاورة، وهو ما يدفعها إلى المشاركة في العملية العسكرية المرتقبة ضد الحركة جنوبي البلاد.
تهديد أمني للبلدان الأربعة
لكن ثمة تحديات كثيرة تحيط بالحملة العسكرية ضد "الشباب". وفي السياق، يقول الكاتب الصحافي محمد فاتولي، لـ"العربي الجديد"، إن وجود حركة "الشباب" في جنوب البلاد يمثل تهديداً أمنياً مشتركاً بين هذه البلدان الأربعة، ومن شأن تقويض نفوذها أن يساهم في تعزيز أمن المنطقة.
لكن فاتولي يشير إلى أن التحدي الأبرز الذي تواجهه العملية العسكرية ضد "الشباب" هو ضعف قدرات الجيش الصومالي، سواء من ناحية التنظيم والتنسيق أو غياب الدعم اللوجستي، وهو أمر يعتبر ضرورياً لاستمرار المعارك مستقبلاً.
ويلفت فاتولي إلى أن القمة الرباعية أكدت حرصها على دعم جهود الصومال لرفع حظر الأسلحة المفروض عليه من قبل مجلس الأمن الدولي بحلول نهاية 2023، وهو أمر يعتبر خطوة أساسية لتكثيف الضغط العسكري ضد حركة "الشباب".
وكان شيخ محمود قد بحث مع السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، بحضور السفير الأميركي لدى الصومال لاري أندريه في مقديشو، الإثنين الماضي، أهمية رفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الصومالي، ودعم الحكومة في القضاء على "الشباب".
وأشادت غرينفيلد بجهود الحكومة الصومالية لتحرير البلاد من قبضة الحركة، معربة عن دعمها للشعب الصومالي والحكومة الفيدرالية في الجهود الراهنة للقضاء على "الشباب".
هدف دول الجوار من العملية
يقول المحلل الأمني نور محمد جيدي، لـ"العربي الجديد"، إن دول الجوار تهدف من المشاركة في الحملة العسكرية الراهنة إلى الحفاظ على أمنها وعلاقاتها الاقتصادية مع الصومال، وإنعاش قطاع السياحة فيها الذي تضرر بسبب العمليات التي تنفذها "الشباب"، خاصة كينيا التي خسرت الكثير من السياح نتيجة الهجمات التي تشنها الحركة على المناطق الساحلية القريبة من الحدود الصومالية الكينية.
توقع محمد جيدي أن يمنع بسط الدولة نفوذها ونشر قوات الشرطة والجيش ظهور جماعات مسلحة
وحول الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها الحكومة الفيدرالية لضبط أمن المناطق المحررة خاصة وسط البلاد، وبعد انتهاء المعركة ضد "الشباب" في الجنوب، يرى جيدي أن من شأن توسيع نظام الحكم وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وإجراء مصالحة شاملة بين القبائل والعشائر في البلاد، وتطبيق العدالة، أن تساهم في عملية الاستقرار السياسي والأمني في البلاد بعد هزيمة "الشباب".
ويتوقع جيدي أن يمنع بسط الدولة نفوذها ونشر قوات الشرطة والجيش ظهور جماعات مسلحة كانت قد استغلت سابقاً الفراغ الذي عاشته البلاد بعد انهيار الدولة المركزية في العام 1991، حيث برزت مليشيات عشائرية وجماعات إسلامية مسلحة رفعت راية الحرب ضد الحكومات الانتقالية والفيدرالية بهدف تطبيق الشريعة وإقامة إمارة إسلامية.