قال القيادي في قبيلة الهوسا السودانية، عبد العزيز النور، إنهم مع الصلح مع قبيلة البرتا وبقية المكونات بإقليم النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد، وذلك بعد مضي أسبوع على الاشتباكات القبلية التي أدت إلى مقتل وجرح عشرات الأشخاص، وما صاحبها من توترات، محدداً عدة شروط لتحقيق ذلك.
وأوضح النور، الذي يرأس حالياً لجنة عليا لإدارة الأزمة الأخيرة من طرف قبليته، في حوار مع "العربي الجديد" اليوم الخميس، أنهم مع الصلح القبلي بينهم وبين قبيلة البرتا وبقية المكونات، لأجل فتح صفحة جديدة من التعايش السلمي، ورتق النسيج الاجتماعي وتحقيقاً للأمن والطمأنينة في الإقليم وفي البلاد عامة.
ويشترط النور لذلك الصلح الذي تتوسط فيه حالياً زعامات قبلية قدمت للنيل الأزرق من مختلف بقاع السودان، ويترأس وفدها زعيم قبيلة البطاحين الشيخ منتصر الشيخ خالد، السماح برجوع أكثر من 20 ألف نازح فروا من مناطقهم أثناء الاشتباكات القبلية، وتأمينهم من أي اعتداءات جديدة حتى يتمكنوا من الزراعة بدخول فصل الخريف.
وأشار إلى أن التحقيقات المطلوبة لمعرفة مدى صحة وجود مزيد من الجثث المتعفنة في المنازل والقرى التي هجرها أصحابها بعد النزاع.
والأسبوع الماضي وبداية الحالي، قُتل ما لا يقل عن 105 أشخاص وأصيب أكثر من 200 في إقليم النيل الأزرق، بعنف قبلي بين الهوسا والبرتا، وتبادل الطرفان الاتهامات بالتسبب في الاشتباكات.
وعن ذلك، قال النور إن الأوضاع في إقليم النيل الأزرق بدأت تسير نحو الهدوء والطمأنينة خلال الأيام الماضية، وذلك عقب وصول وفد من زعماء القبائل السودانية للتوسط بين القبيلتين، مصحوباً بإجراءات أمنية للقوات النظامية. وأوضح أنه لم يتبق سوى إعادة النازحين وهم موجودون الآن أمام بوابة قيادة الجيش في المنطقة وفي مدارس حكومية.
جذور تاريخية
وقبيلة الهوسا واحدة من القبائل السودانية التي هاجرت من غرب أفريقيا قبل مئات السنين، واستوطنت في مناطق متفرقة بالسودان مثل النيل الأزرق، وكسلا، والجزيرة، وسنار، والنيل الأبيض، ودارفور، والخرطوم، وليست هناك إحصاءات رسمية بتعدادهم، لكنهم أظهروا في الأيام الماضية حشوداً ضخمة أثناء احتجاجهم على العنف في النيل الأزرق.
وللأزمة الأخيرة جذور تاريخية، ويوضح عبد العزيز النور أن التعايش السلمي ظل هو نمط الحياة السائد في المنطقة منذ مئات السنين، متهماً جهات سياسية، رفض تسميتها، بالوقوف خلف النزاعات الأخيرة، إضافة لرفض مجموعات قبلية لهم تنظيم أنفسهم إدارياً ومجتمعياً من خلال منع النساء من العمل في المنازل، ومن التسول في الطرقات.
وتابع النور "لأن تلك المجموعات تظن أن الهوسا إذا نظمت نفسها سوف تحكم الإقليم، وهذا اعتقاد غير صحيح"، مشيراً إلى أن "الخلافات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تحكم الإقليم، تسببت كذلك في تغذية الصراع، عدا فشل اتفاق السلام (تم توقيعه في 2020) في تحقيق التطلعات المرجوة".
كما لم يستبعد المتحدث ذاته وجود أجندات خارجية تسعى لفرض حكم ذاتي بإقليم النيل الأزرق، قائلا إن تلك الجهات، التي لم يسمها، "وجدت أن الهوسا بمثابة حجر عثرة أمام هذا التوجه".
ويستنكر النور بشدة أي نظرات دونية لقبيلة الهوسا والتشكيك في هويتها وسودانيتها، "لأن ذلك التشكيك لا يصدر إلا من نفوس متخلفة لديها فكر بدائي، لأن القبلية موجودة قبل مئات السنين، ولديها أغلبية في أحياء تاريخية معروفة حتى في الخرطوم العاصمة".
وأضاف "وللقبيلة تأثير حتى في مجالات الفن والرياضة والمجتمع، وشاركت في مختلف الأحداث السياسية.. وهي التي فتحت طريقاً قاريا هو طريق الحج الغربي، ولها مساهمتها في مشروع الجزيرة الزراعي وفي بناء خزان سنار وخزان الروصيرص ومشروعات أخرى عديدة".
وشدد على ضرورة وجود صيغة وطنية للتعايش في السودان تقوم على حقوق وواجبات المواطنة وتعديل قوانين ملكية الأرض، أو ما يسمى في السودان بـ"الحواكير"، مع الاحتفاظ بكل الموروثات التاريخية والثقافية ولكل قبيلة بحقوقها.
وبشأن تقييمهم التعاطي الحكومي مع الأزمة منذ مراحلها الأولية، أبان النور أن مشكلة الحكومة الأساسية هي في عدم الاستجابة للتحذيرات التي وصلت إليها منذ وقت مبكر بخصوص وجود حملات تحريض واسعة ضد قبيلة الهوسا.
وقال النور إن السلطات تجاهلت كل المؤشرات إلى حرب أهلية، مضيفا "وكعادة كل الحكومات السودانية، لم تتدخل إلا بغرض إطفاء الحريق من دون أن تتخذ قبل ذلك إجراءات السلامة".
النور: "العسكر لن يستطيعوا حكم السودان وحدهم"
ومضى يقول: "وحتى حينما جرى الاعتراض على قيام إمارة خاصة بالهوسا في النيل الأزرق كترتيب داخلي والمطالبات بإلغائها، قلنا للحكومة فليحدث العدل بين الجميع، وليس لدينا مانع من حل كل الإمارات القبلية وعددها 7 ليتساوى الناس في الظلم".
وفي رده على سؤال عن نية العسكر استغلال الأزمة وغيرها من الأزمات القبلية لفرض سيطرتهم كلياً على مقاليد السلطة بحجة فرض الأمن وحسم الفوضى، يرد النور بقوله: "إذا صح ذلك أو لم يصح، فإن العسكر لن يستطيعوا حكم السودان وحدهم، إذ لا بديل لكل السودانيين في المرحلة الراهنة سوى المصالحة الوطنية التي يجب أن تشمل الجميع".
وحول مصير احتجاجاتهم الحالية، يؤكد النور أن "القبيلة أوصلت تماماً رسالتها إلى كل السودانيين، حاكمين ومحكومين، وأن كل شئ سينتهي بالتعبير السلمي والتضامن الإنساني، وسيعملون مع غيرهم لإنهاء خطاب الكراهية وضبط النفس".
وعاد ليشدد على ضرورة وجود "رؤية قومية لبناء دولة سودانية حديثة تستوعب الجميع على أساس المواطنة، ويتساوى فيها الكل في الحقوق والواجبات، ويُحترم فيها التنوع القبلي، مع تمثيله في مؤسسات الدولة، وكذا القسمة العادلة للسلطة والثروة".