دعا الرئيس التونسي، قيس سعيد، اليوم الإثنين، وزيرة العدل إلى اقتطاع أيام من رواتب القضاة، ولوح بتوقيع عقوبات أخرى بعد أن بدأوا إضراباً يستمر أسبوعاً احتجاجاً على خطوته المثيرة للجدل بعزل العشرات منهم، في تصعيد للأزمة السياسية الخانقة التي تعصف بالبلد.
وفي أول رد على هذا القرار، استنكرت جمعية القضاة التونسيين، مساء اليوم، تصعيد رئيس الجمهورية وقراره اقتطاع أيام الإضراب من رواتب القضاة.
وبحسب صفحة رئاسة الجمهورية على "فيسبوك"، أكّد سعيد لدى استقباله وزيرة العدل ليلى جفال، على أن المرفق العمومي للدولة لا يمكن أن يتوقّف، وعلى ضرورة اقتطاع أيام العمل واتخاذ جملة الإجراءات الأخرى المنصوص عليها بالقانون حتى لا يتكرّر المساس بمصالح المتقاضين.
وقال عضو المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيبن، رضا بوليمة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنهم"كانوا مستعدين منذ البداية لهذه التطورات بعد تنفيذ قرارات المجلس الوطني للجمعية بتعليق العمل والإضراب بالمحاكم، وهذا النضال له ضريبته، والرئيس إن أراد الاقتطاع فليكن له ذلك وطالما أن قضيتهم عادلة فإنهم سيواصلون النضال".
وأوضح بوليمة أن "لكل نضال ثمناً، والإضراب حق دستوري وهم متمسكون به"، مؤكداً أن "من حقهم التنظم والإجتماع وخوض كافة الأشكال الاحتجاجية بما في ذلك تعليق العمل، وسيواصلون الإضراب، وعلى رئيس الجمهورية توضيح المقصود بالإجراءات القانونية المنصوص عليها".
ولفت إلى أنهم" توجهوا بدعوة لرئيس الجمهورية لتجنيب تونس منزلقات خطيرة والتراجع عن الإعفاءات التي حصلت بشكل تعسفي والمس باستقلالية القضاء" ، مذكراً بأن "هذه الخطوة حرمت القضاة المعزولين من التظلم وتقديم الطعون رغم أنه حق أساسي ومبدئي، مشيراً إلى أن هذا الحق فوق دستوري ولا يمكن أن يحرم أي شخص من ممارسة حقه في الطعون القضائية، ولذلك سيتم مواصلة تعليق العمل، ونسبة نجاح الإضراب اليوم ناهزت مائة بالمائة في جل المحاكم، وتم تعليق العمل في أغلب محاكم الجمهورية وفي جميع اختصاصات القضاء العدلي والاداري".
كذلك نقلت "رويترز" عن رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمادي، قوله إن 99 بالمئة من القضاة شاركوا في الإضراب، مضيفاً أن هذه النسبة "قياسية" رغم ضغوط السلطة التنفيذية على القضاة.
وجدد الحميدي التأكيد على أن الإضراب سيستمر "طالما لم يتراجع رئيس الجمهورية عن قرار إقالة 57 قاضياً". كما نقلت "رويترز" عن مراسلها أن قاعات المحاكم كانت مغلقة بمحاكم العاصمة تونس.
عشرات المحامين التونسيين يوقعون عريضة لمساندة القضـاة
أعلن أكثر من 100 محام تونسي عن تمسّكهم "بمبادئ المحاماة وقيمها وثوابتها"، مذكرين بأن المحاماة التونسية وبنصّ الفصل 105 من الدستور، "تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات"، وأن "تاريخها هو شاهد على نضالات نسائها ورجالاتها في الذود عن استقلالية السلطة القضائية والتصدّي لمشاريع السيطرة عليها وإخضاعها لخدمة شبكات الفساد السياسي والمالي".
وجاء في العريضة: "باعتبارنا شركاء في إقامة العدل، نعبّر عن دعمنا المطلق للقرارات المتخذة من الهياكل التمثيلية للقضاة وذلك لمواجهة الهجمة المسعورة لرئيس الدولة على السلطة القضائية والتي تهدف لإحكام سيطرته عليها لمواصلة تنفيذ مشروعه السلطوي وتصفية خصومه السياسيين".
ورأى المحامون أنفسهم أن "الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء 57 قاضيًا يفتقد لأدنى الضمانات القانونية وهو استهداف بالخصوص حق الدفاع بحرمان القضاة من حقهم في الدفاع عن أنفسهم بواسطة محامين قبل اتخاذ أي إجراء تأديبي بحقهم، معتبرين أن هذا الأمر هو في حكم العدم قانونًا".
كذلك شددوا على أن "الأمر الرئاسي المذكور هو خطوة جديدة من رئيس الدولة للسيطرة على السلطة القضائية وموقع النيابة العمومية منها بالخصوص، وهو يفتح الباب لبثّ مناخات الخوف والإرباك في العمل القضائي بما يعدم شروط المحاكمة العادلة. ونلاحظ أن قائمة الإعفاءات تضم عدداً هامّاً من قضاة مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية والتصدي لشبكات الفساد المالي والأمني".
كما دعا المحامون، زملاءهم في مختلف الجهات إلى "إسناد القضاة والدفاع عن حقوقهم المكفولة بالدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية، وذلك انتصاراً لقيم المحاماة ومبادئها في الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية"، مؤكدين "أن في الدفاع عن السلطة القضائية دفاع عن المحاماة بالضرورة".