قيس سعيّد... و"جمهورية كن فتكون"

05 مايو 2022
أعلن سعيّد أنه سيتم إقرار الدستور عن طريق الاستفتاء (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

لم يتردد الرئيس التونسي قيس سعيّد في الإعلان، في كلمة ألقاها من قصر قرطاج، مساء الأحد 1 مايو/أيار الحالي، في أنه سيشكل لجنة "بهدف الإعداد لتأسيس جمهورية جديدة، تنهي أعمالها في ظرف وجيز، في ظرف أيام معدودات". 

ولفت إلى أن "الدستور المقبل سيتم إعداده، ثم إقراره عن طريق الاستفتاء". وأضاف أن "اللجنة ستتشكل من هيئتين، إحداهما ستخصص للحوار"، لافتاً إلى أن المنظمات الوطنية الأربع ستكون ممثلة في الحوار، لكنه لن يضم معارضيه، كما سبق أن تحدث سابقاً. 

والمنظمات المقصودة هي التي كانت نظمت حوار 2013، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال)، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهيئة المحامين. 


لا تزال قوى المعارضة تبحث ردها على هذا التطور في الأزمة التونسية

وأعلن سعيّد أنه سيعرض ما تم إعداده على الشعب في استفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل، مشدداً على أن "الحوار لن يكون كالحوارات سابقاً، وسيكون مفتوحاً لمن انخرطوا صادقين في حركة التصحيح التي انطلقت في 25 يوليو الماضي، ولن يكون مفتوحاً لمن باعوا أنفسهم ولا وطنية لهم"، وفق تعبيره.

الجمهورية الجديدة خلال أيام

ويُفهم من هذا الكلام أن الجمهورية الجديدة، الثالثة، ودستورها، ستكون جاهزة في غضون أيام، ما يعني أنها جاهزة أصلاً، فيما تبدو القوى المعارضة في حالة ذهول إلى حد الآن، ولا تزال تبحث ردها على هذا التطور في الأزمة التونسية، في ظل غموض المشروع الذي يطرحه سعيّد.

وعلّق مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس، الدكتور مهدي مبروك، بأن هذه تسمى "جمهورية كن فتكون". وقال، لـ"العربي الجديد": "يبدو أن سعيّد مصمم تماماً على المضي قدماً في مشروعه الهلامي، وهو لا يبالي بكل تنبيهات لوحة القيادة، وهذا يعني أنه إما لا يدرك رسائلها أو لا تعنيه أصلاً". 

تقارير عربية
التحديثات الحية

وأضاف مبروك: "كان فشل الاستشارة كافياً له حتى يتريث، غير أنه يمر إلى السرعة القصوى، غير مكترث بالرسائل التي تبعثها لكل عقل حصيف. وعلى عكس دلالاتها، يمضي سعيّد في تركيز مشروعه، ضارباً بما تم التوافق عليه في مثل هذه الحالات، عرض الحائط، أي التشاور مع الأحزاب والنخب. ولكنه يعتقد أنه يحتاج إلى هذه الأجسام الوسيطة، وهو الذي اجتباه الله وعلمه ما في صدور شعبه".

وأوضح مبروك "أنه (سعيّد) يعلم ما يريد الشعب، لذلك هو لا يحتاج إلى أن يعود إلى الأحزاب أو غيرها، من أجل معرفة توجهات الشعب ومواقفه. ولذلك حين أشار في خطاب ليلة العيد (الفطر) إلى هذه المسائل، فإنه يتحدث عن منظمات وطنية تذهب معه إلى تجسيد إرادة الشعب التي عبر عنها في الاستشارة. لذلك فإن المسائل لديه واضحة، وما المطلوب سوى المضي قدماً وبسرعة في إرساء الجمهورية الثالثة". 

جمهورية سعيّد جاهزة

وأشار مبروك إلى أن "زمن الرئيس فلكي، لأنه مطلع على نوايا الشعب، وهو لا يحتاج إلى الانتظار، ولن يجد، كما يعتقد، أي مقاومة. لذلك فالطريق السريع مفتوحة له ليفعل ما يريد". وذكر أن "الجمهوريات كما عرفناها تقتضي عقوداً وعقوداً حتى تتجسد وتترسخ، لأنه عمل دؤوب وشاق يحتاج إلى إقناع ومشاورة وبرامج وخطط، غير أن جمهورية الرئيس سعيّد هي جمهورية جاهزة لشعب ينتظرها بكامل رضاه وسلبيته (صمته)". 

من جهته، قال أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي في كلية الحقوق والعلوم السياسية ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، شاكر الحوكي، لـ"العربي الجديد"، إن "سعيّد بصدد فرض مشروعه الذاتي والشخصي على الناس والدولة والشعب، وما يقوم به خطير جداً". 

الدساتير توضع بطريقتين

ولفت إلى أن "الدساتير توضع بطريقتين، الأولى عن طريقة المِنحة، وهذا دستور غير ديمقراطي طبعاً، فمثلا محمد الأمين باشا باي (الملك التونسي سابقاً) كلف لجنة بصياغة دستور عن طريق المنحة". وتابع أنه في "سنة 1959 كلف "الباي" المجلس القومي التأسيسي المنتخب بكتابة الدستور بمقتضى أمر عليّ، وتم اعتباره وقتها دستوراً مستجيباً للمعايير الدولية". 

وبيّن الحوكي أنه "عندما يتعلق الأمر بجمعية تأسيسية، أو جمعية وطنية، شرط أن يكون أعضاؤها منتخبين، فإنها تعطينا بشكل آلي دستوراً ديمقراطياً، وعندما يتعلق الأمر بمنحة، كما في عديد الدول، فهو لا يعتبر دستوراً ديمقراطياً". 

شاكر الحوكي: سعيّد بصدد فرض مشروعه الشخصي على الناس والدولة والشعب
 

وأشار إلى أنه "لا يمكن الحديث عن ديمقراطية، والدستور جاهز، ومشروع سعيّد جاهز منذ 2012، وهو يكتبه بنفسه". ولفت إلى أنه "ينتظر أن يشمل تغييرات بأن تكون مدة العهدة الرئاسية 7 سنوات، وأن يدخل فيها دون عملية انتخابية. كما ينتظر ألا يكون خاضعاً لأي رقابة وممسكاً بكل السلطات، وأن يكون دستورا على قياس قيس سعيّد كما يريد أي مستبد". 

وفي ما يتعلق برد فعل المعارضة على هذه التهديدات الخطيرة التي ستعصف بكامل العملية الديمقراطية، قال الحوكي إن "المعارضة تعتبر أن (حركة) النهضة هي قضيتها وليس سعيّد، وهذا ما لم تفهمه النهضة أيضاً. وربما كان من الأفضل أيضاً أن تنسحب النهضة خطوة إلى الوراء، ولكنها تبحث عن تزعّم المعارضة". 

تمترس كل طرف في المعارضة

ولفت إلى أن "كل طرف يريد أن يتمترس في موقعه، فيما تزداد سيطرة قيس سعيّد، الذي يستثمر في الوقت وفي الخلافات". كما أن "الإعلام قام بدور سلبي جداً، ومن المفروض أن يدخل في مشروع وطني وألا يشيطن الثورة والدستور ويضعف موقف الديمقراطيين". 

وبيّن الحوكي أن "المعارضة تخشى أن تعود النهضة، ولا تريد أن تقدم لها هدايا، بينما النهضة في المقابل ما زالت متمسكة بأن يكون لها دور، على الرغم من حجم المعارضة الكبير لها منذ سنوات وليس الآن فقط، ولذلك لم تكن قادرة على أن تحكم في السابق، وربما عليها أن تفكر بطريقة مختلفة وتتراجع خطوة إلى الوراء". 

وقال إن "هناك خشية من ألا تنجح جبهة الخلاص في تجميع كل المعارضة، وألا تسمح بالانفتاح على بقية مكونات المشهد المعارض".

وكشف الحوكي، لـ"العربي الجديد"، أن عدداً من الشخصيات الوطنية بصفاتهم القانونية (محامون في أغلبهم) تستعد للإعلان عن لجنة وطنية للدفاع عن النواب الملاحقين أمام القضاء التونسي. وتضم اللجنة، بالإضافة إليه، كلا من المحامي والوزير الأسبق عياشي الهمامي رئيساً، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، ورئيس حزب التكتل خليل الزاوية، والأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، والعميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني، والقيادي المستقيل من حركة النهضة سمير ديلو، وعدداً آخر من المحامين والشخصيات الوطنية. 

وأعلن الحوكي أنه سيتم، اليوم الخميس، الإعلان عن هذه اللجنة التي ستدافع عن كل النواب، بقطع النظر عن انتماءاتهم الحزبية، موضحاً أنه لا علاقة لهذه الهيئة سياسياً بـ"جبهة الخلاص"، التي يقودها أحمد نجيب الشابي، وإنما هي لجنة وطنية قانونية بحتة.