مساء الاثنين الماضي عقد النائب العام في ليبيا، الصديق الصور، مؤتمراً صحافياً في العاصمة طرابلس للحديث عن مستجدات التحقيق في كارثة درنة، لكن سؤالاً طرح عليه حول من يحقق في ما كشفت عنه تقارير خبراء الأمم المتحدة التي نشرت أخيراً بشأن ممارسات الأطراف المسلحة في البلاد. لم يزد النائب العام عن قوله إن التحقيقات جارية في كل التقارير الأممية، أما عن النتائج فلا يكشف عنها لسرّية التحقيقات.
وعلى الرغم من أن التقرير الأممي الأخير كان يشمل أطرافاً مسلحة مختلفة في ليبيا، إلا أن أغلبه تمحور حول ما يمكن وصفه بـ"كارثة خليفة حفتر" التي حلّت بليبيا منذ عام 2014 وأبت أن تغادرها بل وتنامت وتزايدت لسبب واحد في ما يبدو، ويتعلق بعدم قدرة أي طرف على محاسبة حفتر ووقفه عند حده.
التقرير الأممي كشف عن كمّ من المعلومات، والتي وإن كانت غير جديدة على الليبيين، خصوصاً في شرق البلاد، إلا أن كشفها من قبل جهة معتبرة كالأمم المتحدة وأمام الرأي العام الدولي، كان مهماً جداً لإحراج جميع السلطات في البلاد، التنفيذية والتشريعية، وليس القضائية فقط، والتي لا تزال تتعامل مع حفتر.
كشف التقرير عن خطة لحفتر بدأ يعمل عليها منذ انكسار حربه على طرابلس وهدف من خلالها إلى تعزيز نفوذ عائلته وأولاده للسيطرة على الشأن العسكري والاقتصادي والسياسي، بل والتغلغل في الشأن الاجتماعي أيضاً، وهو ما حدث فعلياً. فكما يقول التقرير الأممي، مكّن حفتر نجليه صدام وخالد في الشأن العسكري، وبلقاسم في الشأن السياسي، بالسيطرة على قرار مجلس النواب وحكومته. كما استخدم حفتر أقرباءه كصهره أيوب الذي اخترق نفوذ رئيس الأركان عبد الرزاق الناظوري وجرّده من قوته العسكرية التي يقودها نجله عبد الفتاح.
وامتد التقرير الأممي ليتحدث عن الآثار الكارثية لتنفيذ هذه الخطة، في مشهد يرسم في مجمله كيف بات شرق ليبيا وجنوبها تحت سيطرة حكم عائلة حفتر، وتفاصيل أخرى أكثر خطورة تتعلق بالسجون والمعتقلات التي تديرها العائلة وتزج فيها كل من يعارض ولو بتدوينة على "فيسبوك"، فضلاً عن القتل خارج القانون والإخفاء القسري وكل صور الانتهاكات.
وما يعرفه الليبيون هو أكثر مما كشف عنه التقرير الأممي، فمقابر ترهونة ملف مفتوح لم يقفل على الرغم من تورط حفتر بشكل مباشر فيه، وعدوانه على العاصمة الذي أودى بحياة المئات لا يحتاج تحقيقاً أصلاً. والقائمة تطول إلى حد وصول بعض ملفاتها إلى محاكم أميركية، ليبقى السؤال مفتوحاً كما تلك الملفات: من يحاسب حفتر ويحقق في كارثته التي حلّت على رؤوس الليبيين، وعلى الأقل من يحد من استمرار توسعه ووقف بلائه؟
الأغرب هو الجهة التي أوفدت خبراءها للتحقيق وكتبت تقريرها الأخير، وهي الأمم المتحدة، والتي لا تزال بعثتها في ليبيا تتعامل مع حفتر كقائد وطرف أساسي في الجهود التي تبحث عن حلّ لأزمة البلاد؟ كيف يكون من تسبب في كل هذه الأهوال طرفاً في الحل؟